الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وإجتزت الإمتحان ... بنجاح

كريم عامر

2005 / 11 / 21
أوراق كتبت في وعن السجن


جزى الله الشدائد كل خير ..
وإن جرعننى غصصا بريقى .
وما مدحى لها حبا ولكن ..
عرفت بها عدوى من صديقى ! .
تمر المصائب والمحن على الإنسان ، فإما أن تضعفه وتلين من قناته ، وإما أن تدعمه وتذيد من صلابة ذاته ، وفى كل الأحوال تضعه أمام إختبار قاس وعسير ، إما أن ينجح فى إجتيازه ، وإما أن يخفق ويمنى فى ذالك بذريع الفشل ، وهى فى ذات الوقت تضع من حوله أمام إختبار آخر يصنفون - بالنسبة اليه - بعد إجتيازه الى عدو أو صديق .
ولقد ساعدتنى المحنة التى جابهتها أخيرا على أن أفتح عينى على حقائق جديدة لم أكن أدركها قبل ذالك ، دعمت من موقفى ، وشدت من أزرى ، وجعلتنى أشد ثقة فى نفسى ، وأشد صلابة فى الدفاع عن رأيي - الحر- حتى وإن خالف مافرضه أهل الأرض - قاطبة - على أنفسهم ، ولقد ساعدتنى هذه المحنة فى الكشف عن بعض سرائر من حولى ، وأعطتنى القدرة على التمييز بين العدو والصديق ، وبين الشامت والمتعاطف ، وبين المخلص والمنافق ، من آحاد الناس الذين تربطنى - أو لا تربطنى - بهم صلات وروابط .
لقد جعلتنى هذه المحنة أقيم ذاتى لأول مرة فى حياتى ، وأحكم لصالحها بإنصاف تام ودون أدنى قدر من الكبر أو التحيز ، بأنها إجتازت الإمتحان بنجاح ، بل بتفوق ، لقد نجح هذا الذى يسكن بين جنباتى فى إيصال رسالته بقوة ، وماقسوة المحنة إلا دليل على وصول الرسالة ، بل وتغلغلها فى عقول مستقبليها ، وإستفزازها لرواسب الماضى المتخلفة داخل هذه العقول ، والتى لم تستطع مواجهة هذه الأفكار الجريئة ، فما كان منها إلا أن صوبت ردة فعلها نحو مصدر هذه الأفكار ... وكان ما كان ! .
إنه كلما إستفز الفكر مشاعر الناس كلما كان ذالك دالا على تمكنه من عقولهم ، وكلما كان رد فعلهم نحوه قاسيا كلما دل ذالك على أنه فى الطريق نحو إقناعهم ، فلقد حكم على سقراط بالموت مسموما .. ولا يزال أثره باقيا بيننا حتى يومنا هذا ، ولقد قام الغوغاء بسحل جسد هيباثيا فى شوارع مدينتى ( الإسكندرية ) ولا يزال ذكرها يتردد على ألسنة الكثيرين منا ، ولقد غدر أرباب الفكر بالمتطرف بالمفكر الشجاع صاحب العقل المستنير الدكتور فرج فودة ، ولا تزال كتاباته المحاربة للفكر الظلامى تسرى فى العقول المتفتحة يوما بعد يوم كسريان الماء فى الأرض الجدباء ... وهلم جرا .
لقد نجحت ، ويكفينى فخرا أننى نجحت ، نجحت فى إثارة المياه الراكدة منذ أربعة عشر قرنا من الزمان ، نجحت فى إجتياز الأسلاك الشائكة التى وضعت على العقل العربى منذ القرن السادس الميلادى ، يكفينى فخرا أننى جعلت الناس يعيدون النظر فى المسلمات التى وجدوا أنفسهم ملزمين بالخضوع لها دون تفكير أو روية ، لقد منحتهم الفرصة كى يقرأوا النص المتمرد على العرف السائد ، أهديتهم الممنوع الذى يتحرقون شوقا ورغبة للإطلاع عليه ، وضعتهم على رأس طريق التحرر من الأفكار المهلكة التى أكل الزمان عليها وشرب .
لم أتضايق عندما إنتقلت من سجن مصر الكبير إلى سجن مزرعة طرة الصغير ، ولم أتألم كون حرية جسدى فى الحركة تم تقييدها داخل حيز صغير ، وإنما كل ما آلمنى وضايقنى أن ما حدث لى منذ لحظة إعتقالى حتى وقت إطلاقى تم بغير إرادتى ودون أدنى رغبة منى ، ضايقنى أن دخلت السجن الصغير بجرة قلم من مسئول فى وزارة الداخلية ، وبعد أن بذلت جهدا نفسيا مضاعفا للتكيف مع وضعى الجديد وبدأت أعتاد عليه ، إذا بالطامة الكبرى تحل فوق رأسى عندما تم نقلى إلى السجن الكبير بجرة قلم من وزير الداخلية ، شعرت حينها أن أمرى فى تلك الفترة لم يكن بيدى وآلمنى أن تحولت فى تلك الفترة إلى مجرد خاتم فى أصبع غيرى يحركنى كيفما يشاء دون إستشارتى أو الإطلاع على رأيي .
أنا لم أسجن ، فعقلى كان ولا يزال حرا من كافة القيود المادية والنفسية التى لم تستطع أن تمسه بسوء ، وإذا كان جسدى قد سجن فهذا ليس بجديد ، كل مافى الأمر أننى إنتقلت من سجن كبير إلى زنزانة تأديب ضيقة لأننى خرجت عن النص الذى تم إلزام سبعين مليون سجين مصرى به مخالفا بذالك العرف السائد داخل سجن جمهورية مصر العربية الكبير ! .
لقد إكتشفت حريتى خلف الأسوار عندما الفيت عقلى يتحرك دون قيود متحررا من كافة الضغوط التى كان يجابهها خارج هذا المكان ، لقد كانت تجربة مثيرة ، خرجت منها أشد صلابة وقوة وأكثر إيمانا بذاتى وبقدرتى على تحدى الأقدار والتمرد على المسلمات وإعلان الحرب على الثوابت والتغيير نحو ما أراه أفضل .
فظيع جدا أن يسلب إنسان حريته بسبب رأى له أو معتقد ، ولكن .. جميل جدا أن يكون إعتقاله هذا حافزا له للثبات على مبدأه ودافعا له للتحدى والتمسك بما يراه صحيحا حتى وإن خالف عرف ومعتقدات السواد الأعظم من الناس داخل حدود مجتمعه ، حيث لا يصح فى النهاية سوى ما كان صحيحا ، ولا يبقى إلا من يستأهل البقاء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. مؤتمر لمنظمات مدنية في الذكرى 47 لتأسيس رابطة حقوق ال


.. اعتقالات واغتيالات واعتداءات جنسية.. صحفيو السودان بين -الجي




.. المئات يتظاهرون في إسرائيل للمطالبة بإقالة نتنياهو ويؤكدون:


.. موجز أخبار السابعة مساءً - النمسا تعلن إلغاء قرار تجميد تموي




.. النمسا تقرر الإفراج عن تمويل لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفل