الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فاتنتي والمستحيل- قصة قصيرة

كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)

2016 / 3 / 24
الادب والفن


تقول أسطورة قديمة لشعب مجهول، يسكن جزيرة صغيرة، في بحر بلا اسم، أنه في صباح البدر الأول ‏من كل عام قمري، وقبل شروق الشمس، تظهر عند التقاء السماء بالماء على خط الأفق، هالة من نور، لمجرد ‏لحظة أو بعضها، ومَن تمكن مِن الرجال كبار السن من الحملقة في الهالة الفاتنة، عاد شاباً كما لو كان دون ‏العشرين . . ويقول البعض أن أحد القدماء استطاع الحملقة في الهالة لسبع مواسم متتالية، فاستحال إلى نسر، ‏جذبه الشفق الأحمر الذي يضمخ الماء والسماء عند الغروب، ولم يعد مرة أخرى، وإن قالوا أنه يحلق في سماء ‏الجزيرة في ليالي المحاق، ينير للعشاق المتعانقين بين صخور الشاطئ، فتسري في أوصالهم رجفة مصحوبة ‏بصمت مهيب، كما لو مسَّهم السحر، وما يلبث أن يذوب في العتمة.‏
هو كذلك ديسمبر دائماً. . فقد كان برد الشتاء ينهمر من النافذة، ورذاذ المطر يمور بفضاء للعشق، ‏الحنين، وفاصل من إهراق الحروف المتبلة برائحة خريف كان قد لفظ أنفاسه.‏
قلت: لم يجدر أن أرتكب الزحف حتى مشارف بركة الحقيقة . . القديمة كالشيطان . . خرساء كبلورة سقطت ذات ‏مساء من جيب أحد الآلهة المخمورين.‏
لم أقل: العشق في نهاية الفصل السادس انتهاك لصرامة درب التبانة . . وأن روعة عينيها مغرورقة بالحزن، فلم ‏يتصادف أن لاندحار الدهشة على وجنتيها مذاق الينسون.‏
ثمَّة مسافة بين صمت فاتنتي في مدارها، منيع ومتمنع، وورقة على غصن أجرد، تعاند التساقط تحت ‏أقدام الليل البليدة كعلامة استفهام . . تبذل لآخر قطرة، عصير الحياة، الشوق حتى البكاء، في شرايين ورقة ‏تقاوم زحف الجفاف على خطوطها الخضراء.‏
قلت: الحقيقة مرآة يفضَّل أن تسعى إليها بأكثر السبل جدارة بالجرذان.‏
كانت الأنثى الصماء إبهاماً يعيد إلى شفتي الشيخ المخرف ذكريات الرضاع . . فاتنة كالفليَّا في أهوار ‏العصافرة قبلي السكة الحديد، قبل عصر الانفتاح . . أكان يملك إزاء تلك العينين رفاهية الاختيار؟
أم يؤذن لهتاف الشبق أن يتهدل على جدران عدم الاكتراث، يتصنع التأرجح على عوارض تضنُّ عليه ‏بالرفض المشرف، بمهلة للصراخ في الامتداد السحري ما بين جوبيتر وعطارد، بمجرد بوْح بكلمة "أحبك" ذاتية ‏الاشتعال، حتى بادعاء الصمت الوقور كأجراس كنيسة مهجورة؟
لم أقل: الإصرار لعبة أبدية، لمن لا يمتلك غير الأنين، فيما توصد عليه فيوض عينيك كل السبل . . إلا الانفطار.‏
قلت: أحبك رغماً عنك، أحبك بكل ما أمتلك من وقاحة متصنعة، أحبك وأدبُّ بقدمي، أركل بغيظ كالجحيم كل ما ‏أجد أو لا أجد، أحبك حتى لو أطلقتِ علي الرصاص، أحبك فأريني ماذا أنت فاعلة، أحبك فاقتليني، فها ‏أنت تفعلين بصمتك. . صمتك نشيد أسمعه حيناً هياماً خجولاً متمنعاً، وحيناً مطَّ شفاه وازدراء أو رثاء.‏
لم تستجب لرجائي المتكرر لها، أن ترفع صوتها قليلاً، حتى تمتلئ بحنينه أذناي.‏
تقول لا أحب علو الصوت.‏
لم أقل لها: وأنا أحب صوتك صراخاً في جوانبي التي تترضض بحنين ممض.‏
لم تقل: ترى ما نفعك وقد بارح حتى العنكبوت أركانك؟
لم تقل: لا تدفعني من فضلك لدهاليز الإجابات المباشرة.‏
تسارع بالاستئذان. . أعرف أنها تدمن الهرب، وعلي أنا أن أدمن الصبر على أبوابها.‏
لم تقل: الآلهة وحدها تحتكر النزق المقدس، وأكذوبة الخلود، ويا ليتك حتى كنت من مريديها.‏
‏ لم تقل: هل بقى من عصيرك ما يفي بتوق جسد يعاني فورة شباب، تتقاذفه أمواج اللوعة، وهو يرقب بهلع ‏قطار العمر يمضي خالي الوفاض، أم كل أدواتك أصابع أدمنت المجون المجاني، وجسدي يا سيدي ‏قيثارة مشدودة الأوتار، تهفو لريشة من جحيم؟
هل قالت: أنتظر نسراً يختطفني إلى ما بعد السماء، لا عُقاباً يتأملني لبعض الوقت. . يتنهد في حسرة وهو يسبح ‏في بحار عيني التي يتحدث عنها، ثم لا يلبث أن يرتد على عقبيه ليذوي في وكره متهالكاً.‏
قلت: الحقيقة فرصة للوجع، تماماً عند ظلال النهاية، وقد غادرت الجنادب حقل المساء، بغير وعد في أبدية ‏يدرك كهنتها روعة نذالتهم. . حسناً، فأنا أحتويك كلما استكانت أوتار الليل لصبوة كائناته، في مسافة ‏محايدة بين غفوة وغفوة . . لا أرتكب حماقات -إن كان لك أن تصدقي، إن اكترثت أن تصدقي- فقط أنفح ‏رأسك لوسادة دهشة بين ضلوعي، وأتناوم. . لا يدخل دائرة الحماقات طبعاً أن أتحسس وجهك بكفين غير ‏ضامرين، كما يُستحسن أن أدعي . . وأن أدعك تتقدين بالوجد، ربما تسعين إلى حضن، من يقول هجرته ‏الطيور من ألف عام؟!!‏
هل أسمعها تنشج، وهي تلفُّ ذراعيها حول صدر لم تبل ضلوعه بعد؟
قلت: الحقيقة تعاند عوز الخواء في زمن يتيح حرية الاختيار، بين التضور والانتحار . . من يقنع شيخاً ليرضى ‏بقبلة بديلة، من شفاه آلهة تجد ذاتها في ممارسة القتل والمثلية الجنسية. . طلاء الفضاءات بأكفان ‏القبح. . والأخلاق الفاضلة. . والعقل والمنطق، وسائر أفانين، وشمت التاريخ بمذاق ما بين الرمادي، ‏وآخر خيوط الضوء الذاوية على شطآن لم تطأها أقدام بشر؟
قالت: نهاياتك مبتورة، لا تقوى إلا على اللهاث عند السفح.‏
قالت: هل فقدت حتى ثقتك بالذات؟
قالت: ألا تنتظر حتى تسمع مني، فربما لقطرات الماء في الصخور العتيقة مذاق السحر، وكنت على وشك ‏السجود عند أقدامك كما لو إله؟!‏
قالت: إذا ما أسندت رأسي على صدرك، وسرت ضربات قلبك في جسدي التواق للسكينة، قد لا أنشد بعدها إلا ‏النوم ملء الجفون، تلك التي ظلت رهينة السهاد والأشواق المسفوحة.‏
كنت قد فضلت الخروج عن الموضوع، لأتشاغل بموسيقى صوتها، تربت على جبيني، فيسري الدفء، في أوج ‏قشعريرة شتاء العمر.‏
كانت فاتنتي تستمع في صمت مضرج بالدهشة، وكنت عند قدميها كمن يتضرع بدعاء مستحيل. . أسفح الحنين ‏تحت أقدامها، على أعتاب بركة تتموج بألوان لم يسبق أن عرفها قوس قزح، وأنتظر حكماً بالحياة ولو مع وقف ‏التنفيذ.‏

‏***‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها بالجيزة


.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها




.. الممثلة ستورمي دانييلز تدعو إلى تحويل ترمب لـ-كيس ملاكمة-


.. عاجل.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق




.. لطلاب الثانوية العامة.. المراجعة النهائية لمادة اللغة الإسبا