الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفغانستان تؤكد هويتها الجنوب آسيوية

عبدالله المدني

2005 / 11 / 21
العولمة وتطورات العالم المعاصر


القرار الذي اتخذه زعماء رابطة دول جنوب آسيا للتعاون الإقليمي المعروفة اختصارا باسم "سارك" في قمتهم الثالثة عشرة في دكا في الأسبوع الماضي بقبول انضمام أفغانستان إلى هذا التجمع الإقليمي، يمكن النظر إليه من عدة زوايا.

فهو يؤكد أولا أن الاعتبارات التي حالت قبل هذا التاريخ دون أن تأخذ أفغانستان موقعها الطبيعي داخل هذا التكتل الأقرب إليها جغرافيا و ثقافيا– مثل الغزو السوفياتي و الاحتراب الداخلي و غياب السلطة المركزية القوية و أخيرا وجود نظام راديكالي مارق ممثلا في حكومة طالبان - قد زالت و صارت شيئا من الماضي.

و يؤكد ثانيا حرص دول الرابطة على دعم أفغانستان و احتضانها و إدماجها في البرامج التنموية للتجمع من منطلق أهمية هذا البلد في استراتيجيات الأمن و السلام في جنوب آسيا. وهو حرص متبادل بمعنى أن كابول أيضا ترى في هذه العضوية وسيلة للتعاون مع دول التجمع و الاستفادة منها في برامجها التنموية الهادفة لتعزيز أمنها و استقرارها. هذا ناهيك عن أن عضويتها قد تساهم في حل مأزقها الجغرافي كبلد غير مطل على السواحل، و ذلك بمنحها منفذا بحريا و طرق برية للتجارة عبر الدول الأعضاء ضمن خطط التجمع بإنشاء منطقة تجارة حرة بينية مع بداية العام المقبل كخطوة أولية لقيام الوحدة الاقتصادية مستقبلا. وقد تساهم عضويتها أيضا في حمايتها من الإرهاب، لاسيما وان معظم أعضاء الرابطة باتوا اليوم أكثر رغبة في التعاون و التكاتف و التنسيق ضد هذا الشر المستطير الذي اجتاح الهند وباكستان و بنغلاديش و النيبال و سريلانكا.

ويعكس القرار من جهة أخرى روح التفاهم الناشئة حديثا بين قطبي الرابطة الكبيرين و هما الهند و باكستان. فلأول مرة منذ قيام المنظومة في عام 1985 يتبنى البلدان معا ملفا واحدا ويدافعان عنه بقوة، هما اللذان تسببت خلافاتهما التاريخية المريرة في إعاقة عمل التجمع على مدى السنوات العشرين السابقة من عمره و بقائه متخلفة بأشواط عن التكتلات الإقليمية المشابهة رغم كل ما اتفق عليه تحت مظلته من اتفاقيات اقتصادية و ثقافية و علمية جماعية. و هذا انعكس أيضا في مسألة أخرى جرى تداولها و الاتفاق المبدئي عليها في القمة ألا و هي منح الصين صفة الشريك و العضو مراقب في التجمع.

لكن هذا بطبيعة الحال لا يعني أن البلدين لم ينطلقا من اعتبارات خاصة بكل منهما و مستمدة من تنافسهما التقليدي. فكلاهما أرادا بدعم عضوية أفغانستان أن تكون لهما حظوة لدى كابول، خاصة باكستان التي تضررت كثيرا بسقوط نظام طالبان و تحاول الآن جاهدة أن تستعيد مواقعها في هذا البلد عن طريق التعاون الاقتصادي و التجاري و منافسة كل من الهند و إيران اللتين نجحا في استغلال الأوضاع الجديدة هناك من بعد طول غياب.

و يمكن قول الشيء نفسه عن موافقتهما على عضوية الصين كمراقب. صحيح أن باكستان هي التي تبنت الموضوع و دافعت عنه بحرارة بحجة أن الرابطة بحاجة إلى أعضاء جدد أقوياء من اجل زيادة نفوذها العالمي و مكانتها الدولية، فيما كان الهدف الحقيقي هو إحداث نوع من التوازن مع قوة الهند في المنظومة و هيمنتها عليها. و صحيح أن الهند لا بد و أنها قابلت الأمر بامتعاض انطلاقا من حرصها على منع الصين من دس انفها في شئون منطقة جنوب آسيا. إلا أن الصحيح أيضا أن الصين لم تعد كما كانت في السابق منحازة كليا لباكستان وتعادي الهند ، وإنما باتت تمارس دورا اقرب إلى الحياد في صراعات الدولتين. ثم أن التطورات الايجابية الواعدة في العلاقات الهندية- الصينية، و لا سيما في الشأن الاقتصادي، اقتضت من نيودلهي ألا تظهر في موقف الرافض لمنح الصين صفة عضو مراقب، و ذلك كيلا يحسب الصينيون عليها هذا الموقف و تنتكس بالتالي عملية التعاون المضطرد بين البلدين.

ومن جهة أخرى يعكس ما دار في قمة دكا التي تأجلت مرتين من قبل بسب كارثة تسونامي أولا ثم بسبب المخاوف الأمنية في بنغلاديش، إن الكلمة الفصل في رابطة "سارك" تعود إلى قطبيها الهندي و الباكستاني، بمعنى أنهما إذا اتفقا على موضوع ما فان معارضة الأعضاء الآخرين الخمسة (بنغلاديش و سريلانكا و نيبال و بوتان و المالديف) إن وجدت يمكن احتواؤها بما لهما من نفوذ أو دالة.

فبنغلاديش و نيبال مثلا بدتا كما لو أن لديهما تحفظات على مسألة ضم أفغانستان، قبل أن تنظما إلى الآخرين في نهاية المطاف و توافقا عليها. وهما استخدمتا حججا مختلفة مثل ضرورة عدم توسعة عضوية المنظومة باتجاه دول من خارج حدود منطقة شبه القارة الهندية، و مثل حجة أن ميثاق الرابطة لا يسمح بقبول أعضاء جدد و بالتالي لا بد من تعديله قبل منح العضوية لأفغانستان. أما مبعث التحفظ الحقيقي فربما كان خوفهما من منافسة أفغانستان الفقيرة لهما في موازنات التنمية الجماعية للتكتل، و لاسيما الصندوق الذي استحدث مؤخرا لمكافحة الفقر. و ربما كان للأمر علاقة بخشيتهما من ازدياد النفوذ الهندي في المنظومة مع انضمام أفغانستان التي يتمتع نظامها الحالي بعلاقات حارة مع الهنود، خاصة و أن علاقات دكا بنيودلهي ليست اليوم في أحسن أحوالها و تسودها الشكوك و انعدام الثقة بسبب الخلافات على الحدود و المياه و الهجرة غير المشروعة و مسائل أخرى مثل استياء نيودلهي من المد الأصولي المعادي للهند في بنغلاديش. و ينطبق الشيء نفسه على علاقات نيودلهي بكاتمندو التي تأثرت سلبا بقرار الهند قطع مساعداتها العسكرية عن الأخيرة في حربها ضد الثوار الماويين و ذلك استياء و ردا على خطوة العاهل النيبالي الملك جيانيندرا في فبراير الماضي بحل البرلمان وتجميد العملية الديمقراطية. ولعل أفضل دليل على صحة ما نقول أن كاتمندو انضمت إلى إسلام آباد في تبني و دعم مسألة قبول الصين كعضو مراقب في "سارك" رغم علمها بحساسية نيودلهي من الموضوع. فهذا لئن فسر على انه رد جميل لبكين على انخراطها حديثا في دعم الجيش النيبالي ضد المتمردين الماويين (يا للمفارقة)، فانه أيضا يشير إلى سياسة نيبالية جديدة قوامها مشاغبة الهند متى كان ذلك ممكنا و ذلك كرد على ضغوط الأخيرة المستمرة لإعادة العمل بالمؤسسات الديمقراطية.

بعيدا عن كل هذا، وافقت قمة "سارك" الأخيرة بالإجماع على مجموعة من الخطوات والقرارات الهادفة إلى إخراج المنظومة من سباتها الطويل و تفعيل ما جرى الاتفاق عليه سابقا من مشاريع اقتصادية، إضافة إلى التنسيق في مكافحة الإرهاب و الفقر و التعاون في إدارة الكوارث وأعمال الإغاثة الإنسانية و الضغط الجماعي من اجل أن يكون الأمين العام القادم للأمم المتحدة آسيويا. وهذا بطبيعة الحال شيء جميل و غير مسبوق، إلا أن الحذر في التفاؤل لا مناص منه. فتجارب الماضي تؤكد أن أية انتكاسة في علاقات القطبين الهندي و الباكستاني تحديدا بامكانها تجميد كل شيء لسنوات أو مضيه بشكل سلحفائي.

د. عبدالله المدني
*باحث و محاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية
تاريخ المادة: 16 نوفمبر 2005
البريد الالكتروني: [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية بفرنسا.. ما مصير التحالف الرئاسي؟


.. بسبب عنف العصابات في بلادهم.. الهايتيون في ميامي الأمريكية ف




.. إدمان المخدرات.. لماذا تنتشر هذه الظاهرة بين الشباب، وكيف ال


.. أسباب غير متوقعة لفقدان الذاكرة والخرف والشيخوخة| #برنامج_ال




.. لإنقاذه من -الورطة-.. أسرة بايدن تحمل مستشاري الرئيس مسؤولية