الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقاولات المشاريع الحكومية في العراق

أحمد إبريهي علي

2016 / 3 / 26
الادارة و الاقتصاد


ينظر إلى المشاريع العامة، لتجديد وتطوير البناء التحتي و خدمات الأدارة الحكومية والتعليم والصحة وسواها ، بأنها تمثل دور الدولة في التنمية، ووسيلتها لتوظيف الموارد في الأرتقاء الحضاري عموما والأقتصادي على وجه الخصوص. وفيما عدا تلك المشاريع الأستثمارية التي تمولها الموازنة العامة ليس لدى الدولة من ادوات، في نظام الأقتصاد الحر، سوى التشريعات لتنظيم الحياة الأقتصادية وسياسات تعتمد الضرائب والأعانات لأعادة توزيع الدخل وإنصاف الضعفاء والفقراء، ومناورة محدودة التأثير للبنك المركزي. وللأستثمار في البناء التحتي والخدمات العامة اهمية يمكن وصفها بالأستثنائية في العراق لضخامة الأحتياجات المؤجلة مع نمو السكان بمعدل سنوي يقترب من ثلاثة بالمائة والسكان الحضري ربما بمعدل اعلى. ومن الواضح ان العامل الديموغرافي يحتم نمو راس المال الوطني، اي مجموع الموجودات الثابتة بمافيها الأبنية التحتية والخدمية، بوتيرة منتظمة تفوق معدلات نمو السكان استجابة لبقية العوامل الأقتصادية والأجتماعية. وبخلافه تتسع الفجوة وتولد ضغوطا سياسية تنذر بالخطر، ولهذه الضغوط شواهد في الكهرباء وابنية المدارس وغيرها. تلك شروط الحد الأدنى لمنع التدهور، اما التنمية التي طال إنتظارها فيقتضيها نمو رأس المال الوطني بمعدل منتظم ومستدام نطمح الا يقل عن سبعة بالمائة سنويا. كي تتحسن تدريجا انتاجية العمل وفرص الرفاه على مسار اللحاق بالمجتمعات التي سبقتنا في التطور والمشاركة الأكثر ايجابية في حضارة العالم المعاصر.
ومن المحزن ان ثقافة العمل التي تكتنف المشروع العام في الدولة لا تتعدى تخصيص الأموال والأجراءآت الشكلية للتعاقد مع المقاولين. ورغم تراكم انجازات رائعة في المعرفة لتخطيط وإدارة المشاريع والبرامج الأستثمارية، وتوفر اساليب بارعة في التحليل المالي والحساب الأقتصادي وفنون الأدارة، ناهيك عن الضبط الكلفوي والتدقيق الهندسي ، بقي الأستثمار العام ، عندنا، يدار بقدرات واطئة وترتيبات هزيلة . أن عجز البناء التحتي كبير ومتزايد ، كما ونوعا، في توليد ونقل وتوزيع الكهرباء؛ وشبكات مياه الشرب والصرف الصحي ؛ والطرق والجسور وسكك الحديد والخزن الستراتيجي؛ وشبكات الأرواء والمبازل؛ وأبنية الادارة العامة والتعليم والصحة والرعاية الأجتماعية والرفاه العام. وذلك إلى جانب التعثر في انشطة الأستثمار الحكومي الأخرى، وضآلة تكوين رأس المال الأنتاجي للقطاع الخاص.
وعادة ما يستهدف الفساد عقود التجهيز ومقاولات المشاريع الأستثمارية، وهي اكثر حلقات إدارة الأنفاق العام خطورة لأن الفساد هنا يضرب الوظيفة التنموية للدولة في الصميم ويقوض فرصتها لتأسيس شرعية الأنجاز. لكن الفساد المالي في المقاولات من نتائج الخلل في النظام الحالي لأعداد المشاريع وإدارة تنفيذها، وعلاقة هيئة النزاهة بالموضوع لاحقة. وحث الهيئة على مواجهة تدخل الأحزاب في إحالة المشاريع، ومعاقبة الفاسدين، لا يعفي الأدارة الأقتصادية من مواجهة مسؤوليتها. رغم انها في وضع لا تحسد عليه إذا كانت علاقة الأحزاب المنتخبة مع المالية العامة والأقتصاد الوطني بالصورة التي تناقلتها وسائل الأعلام ، والتي تدل على المشاطرة والمغالبة مع العراق من جهات مؤتمنة على مصالحه العليا ومستقبل شعبه.
كيف نفهم ان اللجنة الأقتصادية لمجلس الوزراء، واللجنة المالية في مجلس النواب وجهات اخرى، لم تكن تعلم مدى الأنحراف عن المواصفات والمبالغة في التكاليف وتأخر الأنجاز، واصبحت هذه الأنتهاكات سمة للمشروع الحكومي ومعلومة على نطاق واسع. وليس من المعقول غض النظر عن الكثير من مشكلات وثغرات الأستثمار العام ، في التخطيط والتمويل والتنفيذ، والركون إلى المفتش العام والنزاهة لوضع الأمور في نصابها الصحيح. فالمشاريع وبرامج تطوير البناء التحتي تدار بالهندسة والمحاسبة والتحليل المالي والأقتصاد والادارة المنهجية للعمليات... والضبط والتدقيق والتأكد المسبق والفحص اللاحق... لضمان أعلى مستويات الأنجاز بالكم المعطى من الموارد.
لقد تغيرت اوضاع العراق وفي بيئة الأنشقاق، والتنافس السياسي والأحتراب الأهلي، ليس من المعقول الأستمرار على إدارة المشاريع العامة بهذه الكيفية، ولابد من تجريب ترتيبات أخرى ومن المستبعد ان تكون النتائج اسوأ من ذي قبل. ولذا من الأفضل إتخاذ قرار بإعادة هيكلة التشكيلات المسؤولة عن إدارة المشاريع بكافة مراحلها، وعلى جميع مستويات الحكومة من الناحية فالقضاء إلى المحافظة فالوزارة. لتجميع الكوادر وتعزيزها في وحدات جديدة تتولى المشاريع من التصور الأبتدائي إلى التصميم وإعداد وثائق المشروع والأحالة، ثم الأشراف على التنفيذ إلى الأستلام نيابة عن الجهة المستفيدة. وتعمل الوحدات الجديدة باساليب ارقى وتنظيم أكفا لتستفيد من المعرفة والخبرة، ومن خلال تخصص وتقسيم عمل يضمن المساءلة والتدقيق. وتقدم الوحدات الجديدة خدماتها لجميع الجهات الحكومية، وبهذا يتاح لكل المشاريع وبغض النظر عن الجهة المستفيدة، في الوزارة او المحافظة، الأنتفاع من افضل القدرات الوطنية لأدارة مشاريعها.
والخطوة الأخرى، في الأتجاه الصحيح، التوجه نحو تطوير جذري لقطاع المقاولات وان تباشر الحكومة بنفسها هذا التطوير، لأن العراق بحاجة ماسة إلى شركات كبيرة ومتخصصة في مختلف ميادين المشاريع العامة. وتوجد في العراق العناصر الأساسية لهذه الشركات في القطاع الخاص والحكومة، ويمكن ايضا اشراك جهات اجنبية في تكوينها، وإذا ما نجحت الحكومة في هذا المسعى تسهم في رفع قدرة العراق على الأستثمار جذريا. لأن هذه الشركات بإمكاناتها التقنية المتطورة، ومواردها البشرية الكافية، ورؤوس اموالها وتعاملها الواسع مع المصارف، وإلتزامها المعايير العالية بالمستوى الدولي، تساعد العراق كثيرا في الأنجاز التنموي. ومن الضروري رفع الثقة بإمكانية التطور، وليس كثيرا على العراق ان تكون لديه افضل شركة في إنشاءآت الطرق، ومثلها في انظمة الصرف الصحي، واخرى في شبكات الري والبزل ... وهكذا. وهذا هو المعنى الحقيقي للتنمية اي القدرة الوطنية على البناء والأنشاء ومراكمة الأنجازات على الأرض، وليس انفاق موارد النفط على مشاريع بائسة، تنفذ بإمكانات ضعيفة، تقتل في نفوس الناس الأمل في المستقبل.
ولأصلاح منظومة الأستثمار العام، زيادة على ما تقدم، يتطلب الأمر المباشرة فورا بإستحداث وحدات التدقيق الهندسي والكلفوي للمشاريع، والمقصود هنا التدقيق الفعلي في الميدان وليس إجراء المطابقة للكشوفات الورقية، كما يختلف نوعيا عن متابعة المشاريع المعتاد لدى وزارة التخطيط. وعماد العمل لهذه الوحدات تدقيق التصاميم والمواصفات الفعلية مع المتعاقد عليها بعد تقييم الأخيرة اصلا، ومقارنة التكاليف الفعلية بالمعيارية، ومجريات التنفيذ والمدد الزمنية والتعديلات، والنظر في المعوقات والطوارئ وغيرها. وتكون وحدات التدقيق هذه مستقلة ومحايدة بين المقاول و وحدات إدارة المشاريع آنفة الذكر، وقد ترتبط بديوان الرقابة المالية اوجهة أخرى، وبذلك تتأسس الشروط الموضوعية للنزاهة مبتناة في آلية الأستثمار الحكومي ذاتها.
مع المديات الحالية لأسعار النفط تكاد تنتفي الموارد المتاحة للأستثمار الجديد، ويتعثر تنفيذ المشاريع المباشر بها. بيد أن الأصلاح على الجبهات الثلاث: إدارة المشاريع ، والمقاولات ، والتدقيق الهندسي والكلفوي مطلوب بإلحاح ومنذ مدة طويلة وهو ضروري للنهوض الأقتصادي لان تراكم رأس المال اساس التطور الأقتصادي، وبرامج الأستثمار العام هي التي تقود عملية التراكم تلك.
وكان من المؤمل وضع منظومة الأستثمار العام في قلب البرنامج الحكومي عند تشكيل الوزارة، وان يتناولها بالتفصيل الذي تستحقه، وتحظى بمناقشات حامية تنتهي بتعهدات واضحة من الأحزاب المشاركة في السلطة لتعويض إخفاقات السنوات السابقة. ومن المعلوم ان المهمة ليست سهلة، فالمشاريع الملتزم بها تكاليفها الكلية باهضة، ويتعذر التخلص من نواقصها، وتسنزف الكثير من الموارد قبل الأنتهاء منها. وما لم يتعمق الأحساس بأهمية الكفاءة بمعنى خفض التكاليف مع مواصلة الأرتقاء بالنوعية فلاقيمة ولا جدوى من كثرة الحديث عن ستراتيجيات وخطط وسياسات إقتصادية . لأن الكفاءة هي العنصر الجوهري في النمو منذ الثورة الصناعية وفي المستقبل، وهي دليل الأصلاح المنشود في الأستثمار العام. د. احمد ابريهي علي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا تعني الهجمات الأوكرانية على المصافي الروسية بالنسبة لصا


.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الأحد 12 مايو 2024 بالصاغة




.. خبير اقتصادي القطاع الزراعي من الا?كثر تضررا بسبب الحرب في ا


.. د. آل حمد: هذه خطتنا لدعم النمو الاقتصادي في الخليج




.. مصر تبدأ أول خط إنتاج للسيارات فى عام 2025