الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التناقض الغريب في موقف الولايات المتحدة بصدد مقاتلة الدولة الاسلامية - داعش

ميشيل حنا الحاج

2016 / 3 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


نشرت قبل أسبوع مقالا أناقش فيه أسباب التفاوت في موقف الولايات المتحدة من حيث مقاتلتها الداعشيين المتواجدين في العراق، عنه من مقاتلتها للداعشيين المتواجدين في سوريا. وبدا ذاك الطرح غريبا للبعض. فالدولة الاسلامية، هي الدولة الاسلامية بذات النوعية من البطش والظلامية، بل وذات الاسلوب من الوحشية والمغولية. وفسرت الفارق، بكونهم يعززون قواتهم المتواجدة في العراق باستفدام 2400 من المارينز، للحيلولة دون مشاركة جدية للحشد الشعبي وعصائب الحق في معركة تحرير الموصل القادمة، الأمر الذي قد يعزز النفوذ الايراني في العراق، وهو ما لا ترغب فيه الولايات المتحدة.

فهي باسهامها الواسع في مقاتلة الدولة الاسلامية المتواجدة في العراق، انما تقاتل أيضا احتمالات تزايد النفوذ الايراني فيه، عبر مشاركة قوات الحشد الشعبي وعصائب الحق في ذاك القتال. أما في سوريا، فالأمر مختلف تماما، لأن الدولة الاسلامية تقاتل النظام السوري القائم، وهو ما ترغب وترحب به الولايات المتحدة، ومن أجله قدمت السلاح للمعارضة السورية المسلحة التي تشارك الدولة الاسلامية في هدف اسقاط النظام السوري القائم.

وأنا لا ألوم من شكك في حينه، في مضمون ومصداقية، بل ودقة ذاك المقال. ولكن ليلة أمس ظهر الدليل الحاسم غير القابل للنفي على صحة وجود موقف متناقض في التقييم الأميركي لضرورة مقاتلة الدولة الاسلامية في العراق، خلافا لموقفها من مقاتلة تواجده في سوريا، رغم التحالف الدولي الذي أنشأته الدولة الأميركية وضم ستين دولة أو أكثر، وشعاره مقاتلة الارهاب متمثلا بالدولة الاسلامية أينما كانت.
ففي رؤية الولايات المتحدة كما يبدو، هناك ارهاب وحشي، وهناك ارهاب ملائكي أو شبه ملائكي كما هو الحال بالنسبة للارهابيين المتواجدين في سوريا. ويعزز هذا القول تصريحات الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية السيد "مارك تونر" في الرابع والعشرين من آذار (مارس)، عندما قال بأن الولايات المتحدة "لا ترحب" بجهود القوات الحكومية السورية لاستعادة مدينة تدمر من تنظيم الدولة الاسلامية - داعش. ومضى "تونر" قائلا في تصريحه، كما أوردته وكالة انترفاكس: "انني لن أرحب بذلك". وأضاف موضحا: "أن ما يجري حاليا لا يعفي دمشق من المسؤولية عن العنف ضد شعبها"، وأن واشنطن تنطلق من أن "استبدال الهمجية التي يمثلها داعش، باستبداد الرئيس بشار الأسد، ليس حلا جيدا"، على حد تعبيره.
فهل تؤكد تصريحاته الغريبة تلك، وجود داعش ملائكية في سوريا، وداعش همجية في العراق، كما تراهما الولايات المتحدة، أم يرجح شكوكا طالما راجت عن كون داعش من صناعة الولايات المتحدة وتنفذ أجندة أميركية في سوريا، ولكنها خرجت عن حدود السيناريو المرسوم لها في العراق عندما سيطرت على مساحات واسعة من أراضيه؟
ويعزز هذا الاتجاه في التفسير، كون الولايات المتحدة التي تقود تحالفا من ستين دولة أو أكثر، قد وقفت موقف المتفرج في العام الماضي، وهي تراقب بأقمارها الصناعية وطائرات أواكسها التجسسية، الدولة الاسلامية تتقدم بمقاتليها نحو مدينة تدمر في مسعى للسيطرة عليها، وذلك في مرحلة ضعف عانت منها القوات السورية. فموقف المتفرج الذي سلكته الولايات المتحدة المدعية بأنها تقاتل الارهاب والارهابيين وخصوصا الداعشيين منهم... لدى احتلالهم لتدمر، (اضافة الى وقوفها موقف المتفرج أيضا لدى قيام جبهة النصرة القاعدية الاتجاه، بالتقدم نحو محافظة ادلب للسيطرة عليها، وسيطرت عليها فعلا تحت سمع أميركا وبصرها)، هو الذي استدعى وجوب التدخل الروسي المباشر في سوريا لانقاذ ما يمكن انقاذه، بعد التأكد من كذب الادعاءات الأميركية بأنها في تحالفها الواسع ذاك، انما تسعى لمقاتلة الارهاب وخصوصا المتمثل بالدولة الاسلامية. أينماكان ووجد. فالتقدم السوري الحالي في تدمر، ومساعيه لطرد الدولة الاسلامية منها ثم مطاردته أينما كان، يحبط ما خططت له الولايات المتحدة، ويفسد مشاريعها الغامضة.
ومع ذلك لا بد من التذكير، أن الدولة الاسلامية في العراق، قد قامت أيضا في حزيران 2014 بالزحف نحو المحافظات العراقية الثلاث: نينوى - التأميم - صلاح الدين، تحت بصر وسمع الأقمار الصناعية الأميركية وطائرات أواكسها التجسسية، دون أن تتدخل الولايات المتحدة، أو تنبه الحكومة العراقية لما يجري على الأرض، تاركة الدولة الاسلامية تسيطر فعلا على تلك المحافظات الثلاث، مما جعلها على أرض الواقع، تبسط سيطرتها على ثلث الأراضي العراقية. فهل هذا يعني أنه لا يوجد تناقض في الموقف الأميركي بين موقفها بالنسبة للدولة الاسلامية، سواء في تواجدها في العراق أو في سوريا...أي أنها تقدم لها يد العون، بمجرد انتهاج أسلوب الصمت وعدم التدخل..بل وعدم التحذير مما يحدث على الأرض هنا وهناك؟
ان صمتها في العراق في عام 2014، المشابه لصمتها في سوريا عام 2015 لدى اكتشافها لمساعي الدولة الاسلامية للتقدم هنا وهناك، انما يعزز الادعاء السوري المتكرر بأن الدولة الاسلامية هي من صناعة الولايات المتحدة، أو هي في أدنى الحالات صنيعتها المتلائمة مع أهدافها. فهدفها من الصمت في العراق، كان تكريس المساعي الأميركية لتقسيم العراق التي بدأتها مع غزو العراق عام 2003، لا بل منذ عام 1991. كل ما في الأمر، أن اضطرارها للتوقف في زحفها نحو بغداد في عام 1991 تخوفا من التدخل الايراني فيه، عندما زحف حرسه الثوري (بالتعاون مع شيعة العراق) نحو بغداد في مسعى للسيطرة عليها قبل الأميركيين، هو ذات السبب الذي يدفع الأميركيين الآن... في عام 2016، لمساعدة القوات العراقية في زحفها نحو الموصل، بهدف قطع الطريق على نجاح قوات الحشد الشعبي وعصائب الحق، من تنفيذ ذلك النصر دونهم، مما سيعزز الموقف الايراني في العراق، خصوصا وأنهم قد لاحظوا نجاح القوات العراقية بالتعاون مع الحشد الشعبي، في تحرير تكريت ومحافظة صلاح الدين عام 2015، دون عون أميركي يذكر، الا عونا تافها ظهر في الأيام الأخيرة من معركة تحرير تكريت، عندما تأكد للأميركيين بأن العراقيين سوف ينجحون في تحرير تكريت وكامل المحافظة دون عون منهم.
فالتاريخ اذن يكرر نفسه الآن. فكما سعت الولايات المتحدة في عام 1991 للحيلولة دون سيطرة الايرانيين على بغداد آنئذ، وقدمت تضحية كبرى بالتفاهم مع عدوها اللدود صدام حسين لمقاتلتهم، تضطر الآن لتعزيز قواتها وجهودها في مساندة القوات العراقية في عملية تحرير الأنبار وبعدها الموصل، قطعا للطريق على أنصار ايران، من لعب الدور الرئيسي في تحرير هذه المحافظة وتلك.
وهنا يتجلى بوضوح أن الدور الأميركي من الدولة الاسلامية، سواء في سوريا أو في العراق، هو دور متشابه. غير أنه كالحرباء يضطر لتغيير لونه حسب الظرف والموقع. فمصلحتها في العراق ألا يتجدد النفوذ الايراني في العراق، وهذا يضطرها لمقاتلة الدولة الاسلامية المتواجدة فيه... أما في سوريا، فمصلحتها تقتضي أن تبقى الدولة الاسلامية قوية وباطشة، كي تلعب دورها في اضعاف النظام السوري القائم، لكونه يقاتل عدوها الرئيس بشار الذي غالبا ما تتهمه بأنه يقتل شعبه، وتحمله مسؤولية مقتل ربع مليون سوري خلال هذه الحرب المؤلمة التي استمرت خمس سنوات ولم تزل.
وبطبيعة الحال، فان الولايات المتحدة تخدع نفسها في ادعائها ذاك الذي يحمل الرئيس السوري مسؤولية أرواح ربع مليون سوري، متناسية دور السيارات المفخخة التي غالبا ما فجرت في حمص وفي دمشق ومواقع سورية أخرى. كما تتناسى المذابح التي ارتكبتها الدولة الاسلامية والمعارضة المسلحة في معامل (عدرا) ، وتغفل عن ذكر أو تذكر قطع رؤوس العلويين في ريفي اللاذقية وطرطوس، وغيرها من الأعمال البشعة التي قامت بها جبهة النصرة والدولة الاسلامية والمعارضة برمتها، اضافة الا مئات الأسرى من الجنود السوريين الأسرى الذين قتلهم أولئك وهؤلاء بدم بارد، خلافا لاتفاقيات جنيف في كيفية معاملة الأسرى.
لا شك أن الحكومة السورية قد تسببت بمقتل البعض، ولكن ليس الكل. كما أن الحكومة السورية كانت تضطر أحيانا لفعل ذلك في معرض الدفاع عن بلدها وعن الرغبة في استقراره وأمنه وابعاد المعتدين عليه، خلافا للمعارضةالمسلحة، وخصوصا جبهة النصرة أو الدولة الاسلامية، الساعية لنشر الفوضى في البلد وقلب نظام الحكنم فيه. ترى لو حصل ذلك في الولايات المتحدة، ألن تقوم حكومتها بمقاتلة المتمردين على سلطتها الشرعية، وألن يؤدي مسعاها ذاك لقتل غير مقصود لبعض رعاياها؟؟؟
ميشيل حنا الحاج
مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الارهاب – برلين
عضو في مركز الحوار العربي الأميركي – واشنطن
كاتب في صفحات الحوار المتمدن – ص. مواضيع وأبحاث سياسية
عضو في رابطة الكتاب الأردنيين – الصفحة الرسمية
عضو في رابطة الصداقة والأخوة اللبنانية المغربية
عضو في مجموعة مشاهير مصر
عضو في صوت اللاجئين الفلسطينيين
عضو في مجموعات أخرى: عراقية، سورية، لبنانية وأردنية












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإمارات وروسيا.. تجارة في غفلة من الغرب؟ | المسائية


.. جندي إسرائيلي سابق: نتعمد قتل الأطفال وجيشنا يستهتر بحياة ال




.. قراءة عسكرية.. كتائب القسام توثق إطلاق صواريخ من جنوب لبنان


.. عضو الكونغرس الأمريكي جمال باومان يدين اعتداءات الشرطة على ا




.. أزمة دبلوماسية متصاعدة بين برلين وموسكو بسبب مجموعة هاكرز رو