الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة نقدية في (سطوة الألم)

فؤاد علي منصور

2005 / 11 / 21
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


رواية أدبية جميلة تتناول في طياتها قصة حب بين جيلين تقع الرواية في مئتين وسبعين صفحة من القطع المتوسط وقد صدرت حديثاً عن دار كيوان للطباعة والنشر.
المؤلفة أماني محمد ناصر من الكاتبات الشابات اللواتي يطرقن باب الرواية للمرة الأولى في محاولة جادة وقيمة وجريئة في أدبنا العربي المعاصر في الحديث عن المرأة العاشقة المحبة التي تعطي كل شيء.
قسمت المؤلفة روايتها إلى خمسة فصول وجعلت لكل فصل عنواناً (تداعيات - رحلة العمر – دمشق والبحيرة اللازوردية – مفارقات – سطوة ألم) وقد اختارت عنوان الفصل الأخير ليكون عنوانا رئيسا للرواية، لم لا، وهو الخيط الناظم للرواية منذ الحرف الأول فيها، فهي تبدأ من النهاية حيث تتذكر البطلة (وفاء) وهي تقف على شاطئ البحيرة قصة حبها لعصام في مدرسة المكفوفين، وتروى بتداعيات شفافة بداية الحب والعلاقة لتصل في الفصل الثاني إلى رحلة العمر التي جعلت هذا الحب ممكنا، وقد أعلن لها عصام حبه بصراحة, وفي الفصل الثالث تداعيات وذكريات وتفاصيل حول العلاقة وقيام بطلي الرواية برحلات إلى أماكن مختلفة حملت كثيراً من التفاصيل الدقيقة والحميمة والإشارات الموحية المنبئة عن شخصيتها, وفي الفصل الرابع تعقد المؤلفة مقارنة أدبية بين حبيبها (عصام) وبين بطل روايات (أيام معه) للأديبة كوليت خوري ثم تنتقل إلى وضع النقاط على حروف العلاقة حيث تكشف لنا عن خيبة أملها من هذا الحديث, واصطدام أحلامها بصخور واقعة الغريب, وبين هذا الفصل قلق وتخبط بالمشاعر البطلة بين الحلم والواقع, بين السراب والأمل وبين الحقيقة الواقعية القاسية, فن التعامل والنقاش مع عصام أصبح عقيما لتغرق وفاء من جديد في دموع المفاجأة وصدمة الاكتشاف وسطوة الألم.
وسطوة الألم هي الفصل الأخير في الرواية وفيه وصلت العقدة إلى أوجها, فالخلاف بينهما يزداد والهوة تتسع ولا مجال للتقارب الواقعي, فتقرر أن تضع حداً لعلاقتها معه فتكتب فصلاً في مناجاته وعتاه على حبه وعلى الألم الذي سببه حبه لها, تترك المؤلفة النهاية مفتوحة إذ لم تعلن بشكل نهائي نهاية حبها بل أشارت إلى أنها رغم سطوة الألم ما زالت تنتظره وتنتظر عودة حبها الضائع. استطاعت الكاتبة أن تمسك خيوط الرواية في مختلف مراحلها لتصل إلى المراد من النص, وهو تصوير الألم الذي اعتراها منذ اليوم الأول ومنذ اللحظة الأولى, كان الألم بطل الرواية, وكان هذا الحبيب هو الألم مجسداً, كانت (وفاء) نموذجاً للمرأة العاشقة الهائمة التي أعطت وأعطت كل ما لديها بقوة وبسطوة, ولكن هذه السطوة هنا هي سطوة التملك أو حب التملك الذي حاولت أن تفرضه على (عصام), أما شخصية عصام فقد كانت غائمة متناقضة لم تعن الكاتبة بذكر تفاصيلها, فهو ينتمي إلى جيل غير جيل (وفاء) وعالم غير عالمها وربما مشاعر غير مشاعرها, ونرى هذا التصادم بين الشخصيتين واضحاً في الحوار فلا هي فهمته ولا هو فهمها.وقد امتلأت الرواية بالحوارات الداخلية للبطلة وكثيراً ما كانت طويلة تعبر عن أدق تفاصيل حب وفاء, في حين لم نجد ما يعبر أو يخدم شخصية عصام أو يدافع عنها, وربما أرادت المؤلفة من اختصار شخصية عصام أن تركز بشكل مؤثر على شخصية وفاء لتجعلها البطلة المطلقة للعمل والتي تحمل كل محاوره وتنطق بلسان شخصياتها جميعاً, وتعبر عن دلالات الرواية.
وفاء هي مدرسة في مركز لتأهيل المكفوفين تحمل شهادات عليا تتقن عملها وتتفانى فيه. مثقفة, اجتماعية, معذبة, تعرضت لآلام كثيرة منذ صغرها..... لم تستطع تجاوزها أو نسيانها في قصة حبها, فامتلأت الرواية بعبارات الألم وسطوته والحسرة والدموع, كانت تعطي وتحب وتبذل في سبيل حبها كل الأشياء لكن الألم الذي كان في داخلها منعها من فهم عصام لها, فبقي الألم يعتصرها لا هو انزوى جانباً ليترك للحب مكانه, ولا الحب استطاع أن يبعد الألم أو يضغط عليه أو ينحيه جانباً, فانتصر الألم في النهاية.
إن تصوير البطلة بهذا الشكل المحوري الأساسي قد شغل المؤلفة في أحياناً كثيرة عن شخصيات أخرى, فأغلب شخصيات الرواية هامشية جداً لم تعمل المؤلفة عليها كما عملت على وفاء.فهناك العم عبد المعطي وهناك فرح وهناك ناجي والسيدة فصيحة... وكلها شخصيات لها أثرها في مجرى الرواية.
الأسلوب الميز للرواية هو أسلوب التداعي والاسترسال, يصل أحياناً إلى حد الابتعاد عن الموضوع الأول كما حدث في الفصل الأخير من 362 عندما كانت تناجي عصاماً في لحظات الفراق أو قرار الفراق لتتذكر أن تسرد تفاصيل جزئية من حياتها, ثم تعود بعد ست صفحات لموضوعها الأول, الفراق.
على أن لغة الرواية لغة شعرية شفافة عذبة مليئة بالهمسات الدافئة التي استطاعت المؤلفة من خلالها التعبير عن مختلف المشاعر التي كانت تحملها وفاء, وكان الأسلوب اللغوي المستعمل بسيطاً سهلاً مفهوماً تماماً يشف عن كاتبة شاعرة تعني بألفاظها وتوظفها توظيفاً سليماً مؤثراً, حيث تجد في الرواية نصوصاً تقترب كثيراً من الشعر بل تلامسه وتضفي على النص عذوبة ورقة, وتجعل القارئ ينسجم في الرواية ولا سيما مع وفاء.
وتحدثت بأسلوب مؤثر عن الاجتياح الأمريكي للعراق, وصدمة احتلال بغداد وألم ذلك وجدان الإنسان العربي, والظلم الذي يحيط بالعرب وقد فعلت مناقشات الرواية بمعلومات ثقافية وسياسية واجتماعية وكان حديث المؤلفة عن دمشق القديمة جميلاً وسلساً.
وهذا التنوع يخدم إلى حد بعيد الرواية ويضيف إلى أبطالها أبعاداً إنسانية اجتماعية مهمة, فهذه الشخصيات مرتبطة بهذه الأرض وبهذا الواقع وبهذا المجتمع فلا بد أن تتأثر بما يتأثر به. وفي النهاية شيء من الواقع الحيادي, فنحن في النهاية لا ننتمي بشكل مطلق إلى حل واحد.الرواية الأولى للمؤلفة أماني محمد ناصر عمل أدبي واعد في مجال الرواية العربية, وكم كنا بانتظار عمل نسائي جريء جميل كـ(سطوة الألم).......









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زيلينسكي يحذر من خطورة الوضع على جبهة القتال في منطقة خاركيف


.. لماذا يهدد صعود اليمين مستقبل أوروبا؟




.. بيوت منهوبة وافتقار للخدمات.. عائلات تعود لمنازلها في أم درم


.. زلزال قوي يضرب غواتيمالا




.. ترقب في إسرائيل لقرار محكمة العدل الدولية في قضية -الإبادة ا