الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لهذه الأسباب انهارت الحركة الوطنية أمام التيارات الدينية !

عبدالله أبو شرخ
(Abdallah M Abusharekh)

2016 / 3 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


لهذه الأسباب انهارت الحركة الوطنية الفلسطينية والعربية أمام الإسلاميين !

ليست هذه المقالة رداً أو تعقيباً على أي موضوع سابق، بل هي محاولة لتقديم نظرة تحليلية بشيء من العمق حول هزيمة حركة التحرر الوطنية الفلسطينية والعربية أمام التيار الإسلاموي السلفي الذي أغرق شعوبنا في خطاب ماضوي متجذر في كتب التراث، بحسبان هذا الماضي كان جميلاً زاهياً لدرجة أنه مكن الأمة العربية والإسلامية من تكوين إمبراطورية تربعت على عرش الكوكب لعدة قرون، وأنه لكي نعيد أمجادنا ونعيد احتلال بلاد العالم من حولنا ونحضر السبايا الشقراوات من روما، فإنه ينبغي لنا العودة إلى تقليد السلف " الصالح " بما في ذلك لباسهم وتحيتهم وفهمهم لنصوص الدين وشؤون الحياة !

الحكومات العربية التي حكمت البلاد بعد التحرر الشكلاني من الاستعمار الأوروبي، لم تكن ثورات ذات بعد اجتماعي تحرري، إذ لا معنى لأي تحرر سياسي أو اقتصادي إن لم يرتكز بالأساس على بناء وتطوير منظومة قيم وأخلاق حداثية، وهنا لا يمكن إنكار بروز العديد من مفكري عصر النهضة العرب في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، مثل الكواكبي الذي كتب " طبائع الاستبداد " وكذلك اجتهادات محمد عبده والأفغاني وسلامة موسى، ولاحقاً قاسم أمين الذي كتب لتحرير المرأة من جذور التخلف ورواسب عصر الإقطاع، وأخيراً طه حسين الذي شكك في الشعر الجاهلي كمقدمة لإخضاع التراث بمجمله للدراسة والنقد.

على أنه وبعد زوال نظام الخلافة الإسلامية من التاريخ عام 1923 على يد التركي كمال أتاتورك، لم يعني ذلك زوال العقيدة الدينية، فظلت طقوس الزواج والطلاق وأحكام المواريث وباقي الأحوال الشخصية خاضعة للشريعة الإسلامية، ما يعني أن فكرة الحفاظ على الدين من خلال دولة خلافة هي فكرة باطلة. وهنا أشير إلى مدى الخطورة التي شكلها اكتشاف النفط في الجزيرة العربية على الفكر العربي، فقد أنشأت بريطانيا جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 كرد على ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا عام 1917 باعتبار أن " الإسلام هو الحل " لمجابهة الأفكار الثورية الوافدة، ومع ازدياد حاجة حكام الخليج إلى فكر يبرر الاستبداد والفساد ويرفض الديمقراطية والمحاسبة، تم تمويل حركة الإخوان لتصبح تنظيماً دولياً تقدر ميزانيته بالمليارات، والحق يقال، أن تحالف أنظمة النفط مع الإخوان مع قوى الرأسمال العالمي قد نجح في إغلاق وحصار العقل العربي وتحصينه من عدوى التفكير الناقد والإبداعي، فتم ترسيخ ثقافة قبول الأمر الواقع كما هو مهما كان مهيناً ومذلاً، وتمت هزيمة حركة التنوير العربية شر هزيمة، ولهذا شاهدنا أن المجتمعات العربية التي خيل إلينا أنها تبحث عن التحرر والديمقراطية، تعود للماضي لتتصاعد دعوات تطبيق الشريعة. ولما لم تنجز حكومات سايكس بيكو أي مهام لتحرير العقل العربي من رواسب التخلف، فقد ارتد حزب البعث العراقي إلى تنظيم القاعدة الإرهابي والبعث السوري إلى داعش والنصرة، والناصريين في مصر إلى الإخوان المسلمين. لقد دفعنا جميعاً ثمن غياب التنوير وثمن الحضور الكثيف للتراث في العقل الجمعي، وما عودة عرب أوروبا إلى الدعشنة ورفضهم مبدأ الاندماج في المجتمعات التي احتضنتهم إلا امتداد طبيعي للكتب السعودية الوهابية التي توزع مجاناً بملايين النسخ على مسلمي العالم.

فلسطينياً، حدث مع منظمة التحرير وفصائلها نفس ما حدث مع الأنظمة القومية، فتلك الفصائل لم تنشر مفهوم الدولة الحديثة بعد تشكل السلطة عام 1994، وحافظ الزعيم الراحل عرفات على وزارة الأوقاف، وقام بدعم حركة حماس في الانتفاضة الثانية، ولهذا شاهدنا أغلبية أعضاء فتح ينتخبون حماس في 2006 بضمنهم قوات الأمن الوطني والشرطة الذين اعتقدوا أن حماس سوف تطبق مباديء الإسلام والنزاهة بشكل أفضل مما فعلت فتح !

وللأسباب ذاتها فاز الإخوان في الانتخابات المصرية، وفازت جبهة الإنقاذ الإسلامي في التسعينات على جبهة التحرير .. لا وجود لأي خطاب تنويري يوضح للناس أن الدولة العلمانية الحديثة ومباديء الديمقراطية والشفافية والمحاسبة وحقوق الإنسان، هي البديل الحقيقي لعصابات الفساد والاستبداد. أمس تمكنت شرطة الجمارك الأمريكية من مصادرة 4 علب من السيجار الكوبي الفاخر التي حاول الرئيس أوباما تهريبها في حقيبته إلى الولايات المتحدة، لكي نعيد ونصرخ بمقولة إدوارد سعيد، أننا " فشلنا كعرب في إنتاج نخبة ثقافية تنذر نفسها للمباديء والقيم والمثل العليا والأخلاق "، فبدا تاريخنا الدموي والفاشي الذي حاول طه حسين وآخرون إخضاعه للنقد، وكأنه حلم جميل في صحراء التيه والضياع.

ليست المشكلة في برامج الحركات الأصولية الماضوية، بل كل المشكلة تكمن في مناهج التجهيل التي تفرضها الحكومات العربية على الأطفال، فتسلبهم حق التفكير الحر والمستقل، ذلك لكي يتسنى لها تطويع الجهلاء وإقناعهم بالرضا بالفقر والذل والاضطهاد. على الحركات الوطنية والتقدمية، المساهمة في نشر الفكر التنويري، وممارسة الضغط على السلطات الحاكمة من أجل التقليل من الجرعة الدينية في مناهج الطلبة وأنشطة المدارس، ذلك أن السلطات الحاكمة تستخدم الدين بشكل نفعي، والنتيجة هي نشوء أجيال بكاملها لا تحترم العلم ولا تؤمن بنتائجه، وتميل إلى تصديق الخرافات والهلوسات والدروشات. الحق في معلومات صحيحة هو حق أصيل من حقوق الإنسان لا يجب التفريط فيه، وعلينا عمل ما يلزم لكي نعيد السلطة للعقل والتفكير الحر، فالعالم اليوم هو عالم المنافسة والإبداع والابتكار والإنتاج، لا مكان فيه للجهلاء والكسالى والدراويش !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تقول الحركات الوطنية والتقدمية؟؟؟
أفنان القاسم ( 2016 / 3 / 26 - 17:47 )
أتفق مع كل ما قلته ما عدا اعتمادك على ما سميته -الحركات الوطنية والتقدمية-، فأينها بالله عليك؟ لماذا بربك كل هذه المشاكل؟ لعدم وجود أية حركة وطنية أو أية حركة تقدمية، ولكيلا توجد أية حركة وطنية، أية حركة تقدمية، يعني كلنا عرايا في عالم الجحيم! أما عني، فالحل أراه كالتالي: نحن أتباع للغرب في كل شيء، لم يكن ذلك بإرادتنا، على عكس ما يقوله إدوارد سعيد، فشلنا وما فشلنا، نحن براغي في الماكينة التي تحكم العالم، وهذه الماكينة هي النظام الغربي، إن تحطمت هذه الماكينة تحررنا وتحررت الشعوب الغربية معنا، لأنها هي أيضًا تعاني على طريقتها، ليس مثلنا، ولكن بشكل آخر، والتغيير، إن حصل تغيير عندهم، سيحصل عندنا، وفي جميع أنحاء العالم... لهذا اقطع الأمل أخي عبد الله في كل شيء، ستبقى الأمور عندنا ما بقيت الأمور عندهم دون تغيير... من ناحية ثانية من قال لك إن عرب أوروبا يرفضون الاندماج مقابل الدعشنة، عرب أوروبا كلهم مندمجون يحترمون القانون ويدفعون الضرائب وينتخبون كغيرهم، أما إذا كان هناك عدد قليل منهم داعشي، فهذا شيء طبيعي، المجرم الحقيقي هو الإعلام الغربي والنظام السياسي اللذان يعممان لغايات خسيسة معروفة.


2 - نشكر الاخ الكاتب على هذا المقال الصريح والجرئ
ملحد ( 2016 / 3 / 26 - 23:03 )
اتفق مع اجزاء كثيرة مما ورد في المقال.....وبعد
اقتباس: ( ....وهنا أشير إلى مدى الخطورة التي شكلها اكتشاف النفط في الجزيرة العربية على الفكر العربي، ....)

تعقيب للكاتب: اريد ان اسمع رأيك حول ( الخطورة, ان كنت تعتبرها كذلك!) انتصار ما يسمى بالثورة الايرانية ( ثورة ولاية الفقيه!) واثرها على انتشار التطرف المقابل, اقصد التطرف السني الوهابي?
وتقبلوا احتراماتنا


3 - لأفنان القاسم -- مع التحية
عبدالله أبو شرخ ( 2016 / 3 / 27 - 09:54 )
في الواقع لا أختلف معك حول عدم وجود حركات وطنية أو تقدمية أمام جحافل المد الإسلامي كما أوضحت في المقال .. ما يوجد الآن بقايا دكاكين وامتيازات لأفراد يحتكرون قيادة التنظيمات لحسابهم وحساب أسرهم، وطبعا موازنة التنظيم كلها من حساب منظمة التحرير أو بالأحرى من ميزانية السلطة والضرائب التي يدفعها الناس في غزة والضفة .. منتهى الفساد !
لكني أختلف معك حول عرب أوروبا أو مسلمي أوروبا .. هؤلاء يعيشون في كانتونات معزولة عن الجتمع بحكم اختلاف الثقافات، ومعظمهم ينظر بعداء وكراهية للحضارة الغربية ومسألة الحريات الشخصية، وكم سمعنا أن باكستانيا قتل ابنته في بريطانيا بدافع الشرف .. وكذا شاهدنا تظاهرات لسلفيين في بريطانيا وأستراليا يطالبون فيها بتطبيق الشريعة .. عموما تمت هزيمة التنوير وتلك هي الخلاصة .. أما تشبيهك حول البراغي في الحضارة الغربية فهو غير صحيح، ولو كان صحيحا أن العرب براغي في الحضارة الغربية لتقدموا ونهضوا وتركوا ماضيهم وتخلفهم ولكن هيهات.


4 - إلى السيد ملحد
عبدالله أبو شرخ ( 2016 / 3 / 27 - 10:02 )
شكرا للاهتمام والتعقيب .. أعتقد أنك اقتبست جملة ولم تدقق في معناها، وهي أن الفكر العربي بدأ ينحدر منذ اكتشاف النفط أي في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي وهذا من قبل الثورة الإيرانية بحوالي 60 عاماً .. ثم إنك تصور على أن التطرف السني الوهابي هو مجرد ردة فعل على الثورة الشيعية في إيران وهنا مغالطة، ذلك أن التحالف بين رجال الدين الوهابيين وآل سعود موجود منذ 1917 وهي سنة انتصار الثورة الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي ولاحظ أن تكوين الإخوان المسلمين قد تم في 1928 بينما الثورة الإيرانية أطاحت بالشاه عام 1979 ..
كان على العرب ألا يسلموا بهزيمة التنويريين في أربعينات وخمسينات القرن الماضي لأن المعركة قد حسمت منذ ذلك الوقت وما الظروف التي نحياها الآن سوى امتداد طبيعي لانتصار الحركة الوهابية والإسلام السياسي.
تحياتي


5 - تعددت الأسباب والأفعى واحد.
احمد حسن البغدادي ( 2016 / 3 / 27 - 10:27 )
تحية أستاذ عبداله.

هناك عدد من الأسباب أدت الى تراجع الفكر العلماني والليبرالي في جميع الدول الاسلامية،

أهمها هو ،

ان الأفعى الاسلامية، ومنذ 1400 عام، تحكم خناقها على رقبة الشعوب الاسلامية، وتلدغ لدغة قاتلة كل من يحاول هز ذيلها للافلات من قبضتها.

حيث ان عملية إبادة الحركات التنويرية في الاسلام بدأت منذ بداية الاسلام،

وأول من بدأها محمد، ومحاولاته قتل زوج ابنته زينب ابي سفيان، لعدم إسلامه هو وابنة محمد زينب، التي رفضت خرافات ابيها واسلامه.

ثم تكررت على يد أبو بكر وقتله كل من لايطيع ابو بكر ويدفع له الزكاة، ثم المعارك بين السنة والشيعة، حيث أبيد 70 الف من المسلمين في ثلاث سنوات في زمن علي الى الحسين.
ثم إبادة المعتزلة، وابادة والقرامطة، ونشهد اليوم محاولة إبادة الشيعة والمسيحيين والصابئة واليزيديين في الدول الاسلامية على يد الموءمنين بالشريعة الاسلامية.

لن تقوم للمسلمين قايمة ، الدولة مدنية ، الحرية، الديمقراطية، الليبرالية والعلمانية، مالم يتم الضرب بالحديد على راس الأفعى الاسلامية، والمتمثلة بالقران والحديث وسيرة محمد.

ولحين ان يدرك المسلمون هذه الحقيقة، فان نهر الدماء مستمر.


6 - الاخ الكاتب
ملحد ( 2016 / 3 / 27 - 22:11 )

لا اتفق مع ردك
عشرينات وثلاثينيات واربعينيات القرن الماضِ= العصر الذهبي لما يسمى باليسار والشيوعية
خمسينيات وستينيات القرن الماضِ = العصر الذهبي للقومية والناصرية
حركة الاخوان المسلمون = رد فعل على سقوط اخر امبراطورية خلافة.... والتاييد الشعبي لها كان لا يذكر في ذلك الوقت...

اخيرا ما هو تفسيرك لعدم وجود صراع وتصادم سني شيعي, كالذي نراه اليوم, على زمن الشاه?! اي قبل استيلاء الاسلام السياسي الشيعي على السلطة في ايران?!

تحياتي

اخر الافلام

.. سرايا القدس: خضنا اشتباكات ضارية مع جنود الاحتلال في محور ال


.. تحليل اللواء الدويري على استخدام القسام عبوة رعدية في المعار




.. تطورات ميدانية.. اشتباكات بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحت


.. ماذا سيحدث لك إذا اقتربت من ثقب أسود؟




.. مشاهد تظهر فرار سيدات وأطفال ومرضى من مركز للإيواء في مخيم ج