الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


!!.. الفاضل مستجاب

ياسر العدل

2005 / 11 / 21
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


من طين الأرض خرج الجميع، الناس والنخيل ومصر والصحراء والجبل الغربى ومقابر الأولياء وأديرة الرهبان، بعض الناس اختار تأففا التخلص من طين مصر قاصدا أن يعيش بعيدا عن كل سوء، فشب معتمدا على فضل الآخرين، يرسمون له الخطى ويدفعون له الطريق، يزرعون عقله بالمفاهيم ويضعون فى فمه لقمة الحياة، فعاش ركاما من الأشياء الصغيرة، يسير وراء كل ناعق ويهتف باسم مصالحه بين الجميع، وبعضهم اختار أصالة أن يتمرغ فى طين كل مصر، قاصدا أن يكون فاضلا بنفسه يستجمع روحه من هامات الشجر ودروب الليل وعمال التراحيل ورواد الفكر، ساعيا أن يعيش مصريا فى كل نبضة عرق.
من طين مصر نبت محمد مستجاب، طفلا فقيرا فى ديروط الشريف بصعيد مصر يلعب على حواف الترع ولا يكمل تعليما نظاميا، شابا فقيرا يصوغ الشكوى على أوراق فى مكتب محام بأسوان، وعاملا فقيرا يصيبه الدرن من تراب محاجر الطفلة فى بناء السد العالى، وأصبح كاتبا رائق اللغة يملك قلبا فياض المشاعر وعقلا يطرق أبواب الحكمة، يجمع أشلاء تاريخنا الاجتماعى المتناثرة تآمرا وأحلاما مجهضة تحت المياه الأسنة فى قصته (كوبرى البغيلى)، ويمسك بأعمدة بنائنا الثقافى الفقيرة حين يرصد وقائع الوجود لمصرى تجرى حياته بين الجميع فى قصته (التاريخ السرى لنعمان عبد الحافظ)، ويرى نهايات حزينة لانتمائنا الحضارى ينخلع معها ارتباطنا بالأرض، حين يسترخص الناس الطعام بتأجير أثداء الوطن لكل غريب فى قصته (عباد الشمس).
كان مستجاب كاتبا يتمتع بشفافية المفكر وجرأة المبدع، يكتب عن مصر ويرصد فعلها الدؤوب عبر التاريخ، فمصر عنده دائما هى إيزيس، تسعى لجمع أشلاء حبيبها المنثورة بين أرجاء الوطن قاصدة أن يقيل عثرتها، وحين تنجح فى تجميع الأشلاء تكتشف أنها ليست للحبيب الموعود فتعاود البحث والصبر والشقاء من جديد، واكتشف مستجاب أن الفاضل الوحيد هو طفل يحب الحياة ويؤمن بأن قلوب البشر المبدعين أكثر اتساعا للمغفرة، وأكثر تسامحا مع كل ضعف بشرى.
كان مستجاب مصريا عظيما، عاش عصاميا ومات فقيرا، سعى أن يكون فاضلا جميلا، وتحققت لمصر فى واحد من أبنائها بشارة كتبها محمد مستجاب فى مدخل مجموعته القصصية قيام وانهيار آل مستجاب ( ويكون لك ولد ذكر من صلبك، تضيع عينه اليمنى جهلا واليسرى ثقافة، يكون رءوما قلقا جامحا، جامعا لصفات الكلاب والعصافير والحنظل والحشرات والأنبياء والأبقار، يداهمكم بقصصه القصيرة، حتى يقضى نحبه مجللا بآيات الفخار فى العراء على قارعة الوطن).
أه يا مصر يا وطنى، كم أنت عظيمة، تلدين العظماء والأصلاء فى كل فن وعلم، ولكنك كثيرا ما تعجزين عن رعايتهم، وباسمك يا أم الغلابة أسأل الله رحمته ومغفرته لأصيل من أبنائك، أقصد ذلك الفاضل محمد مستجاب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بالفيديو - فيضانات عارمة تضرب بلدة نواسكا الإيطالية


.. الانتخابات التشريعية بفرنسا.. ما مصير التحالف الرئاسي؟




.. بسبب عنف العصابات في بلادهم.. الهايتيون في ميامي الأمريكية ف


.. إدمان المخدرات.. لماذا تنتشر هذه الظاهرة بين الشباب، وكيف ال




.. أسباب غير متوقعة لفقدان الذاكرة والخرف والشيخوخة| #برنامج_ال