الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجنون

عبد الرحمن جاسم

2005 / 11 / 22
الادب والفن


الناس ينظرون إليه باستهجان، كل من حوله، كان الشارع بأكمله يتابعه، رجلٌ في العقد الرابع من عمره، يمشي في منتصف الشارع، ويتحدث مع نفسه، يحرك يديه بعصبية، يرتطم بالمارة، وينظر شذراً فيما حوله.
الناس يحاولون أن يبتعدوا عن هذا المجنون، الهمس يتصاعد فيما حوله، لكنه لا يهتم، يبدو منشغلاً عن كل ما حوله، امرأة تقول: "يا واهب العقل والدين، ارحمه". رجل ينظر إليه، ثم يضرب كفيه ببعض ويزفر "الله ينجينا". والرجل يعبرهم غير آبه بكل ردات أفعالهم.
كل ما يهمه، هو الكلام والزبد الذي يتطاير من شدقيه، وهو يحدث نفسه، ويصرخ بها، إنما بلا صوتٍ مرتفع، الناس يتابعون الأمر، كما لو أنه حدثٌ تلفزيوني، أو مهرجان، أو حتى استعراض، كلٌ يمد رأسه، كل يحاول أخذ قطعةً من هذا المشهد.
فجأة، يتوقف الرجل فجأة، فيرتطم به أحد المارة، يتبادلان كلماتٍ بسيطة، وفجأةً يضرب الرجل المجنون المار بيده، ثم ينقض عليه، ينهال عليه بالضرب، ولا يتوقف. يهرع المارة-المشاهدون، -الذين انتقلوا الآن من مرحلة المتابعة إلى مرحلة المشاركة في الحدث- يبعدون الرجل-المجنون عن المار المسكين، لكن الآوان قد فات، فالرجل المار كان قد أضحى مدماً من كثرة الضرب والركل اللذان تعرض لهما من رجلٍ لا يعرف عنه شيئاً، ولم يره مسبقاً.
الشرطة تهرع إلى المكان، تنقض على المكان، كما لو أنه صيدٌ جديد، وكالعادة تصل متأخرة، ويكون الحدث قد مضى عليه وقتٌ طويلٌ، تأخذ الرجلين معها في الجيب، ليقع عليهما الحد...
****************
الضابط، يتنحنح في مكانه، ينظر حوله، الصباح وقتٌ مزعجٌ للاستيقاظ، والأسوأ أن يكون عملك مع الحثالة، فكر بالأمر قليلاً، لكنه عاد وحاول أن ينفض الموضوع عنه، كي لا يشعر بمرارة ما يفعله. هب إلى صيدلية صغيرةٍ في الحائط إلى جواره، أخذ منها دوءاً، أخذه على عجل، فجأة دق الباب، كان الحارس على الباب، قد أتى ليخبره بأن هناك امرأة تريد مقابلته بشأن حادثة الصباح. نظر إلى الحارس ثم طلب منه أن يدخلها.
دخلت تلك المرأة، نظرت إليه بهلع ثم سألته عن الرجل الملقى في الزنزانة، بسبب ذلك الشجار، والهجوم على رجلٍ في الشارع، فهز برأسه، مخبراً إياها بأن هذا الرجل هاجم شخصاً ماراً في الشارع بلا سبب، وبأنه أدخله إلى المستشفى، ولربما هو في حال خطرة من جراء هذا الهجوم.
المرأة فتحت حقيبة يدها، أخرجت مجموعة أوراق طبية، ومدتها أمام الضابط، وهي تخبره بأن شقيقها المحجوز، مريض عقلياً، وبأنه يتابع علاجه لدى أطباء متعددين، ومنذُ فترة طويلة، وبأنه لا يمكن أبداً أن يحاكم كأي مجرمٍ عادي، لأنه ببساطة فاقدٌ للأهلية العقلية، وبأن مشاكله النفسية تسيطر عليه، لكنه قلما يكون عنيفاً.
نظر الضابط طويلاً إلى الأوراق، لقد كانت شهادات طبية، وافادات تثبت بأن هذا الشخص فعلاً هو مريض عقلي، والمرأة لا تزال تتكلم أمامه. ينظر إليها طويلاً، ثم يخبرها بأنه سينظر في الأمر، ويرى ما بإمكانه أن يفعل وإذا كان بإمكانه أن يخرجه من الحجز لكي يخرج معها. المرأة طلبت منه أن يسمح لها برؤيته كي تحادثه، وبأنه ربما حالته ستسوء إذا ما بقي هنا أكثر.
رفع الضابط رأسه، ثم نده للحارس على الباب، وطلب منه أن يحضر الرجل الموجود في الحجز في قضية شجار الصباح، وطمأن المرأة بأنها ستراه، وبأنه سيحاول أن يفعل كل ما يستطيعه لكي لا يبقى شقيقها في الحجز.
بعد ثوانٍ، يطرق الباب، الحارس يدخل ممسكاً برجلٍ من يده، الضابط يقف من وراء مكتبه، ويقول للمرأة أتركك إذن مع شقيقك، المرأة تدير رأسها تنظر تجاه الرجل، ثم تتفاجأ، "لكن هذا ليس شقيقي"، تخبر الضابط، الضابط ينده للحارس ويتهمه بالخطأ، الحارس يؤكد أن هذا هو الرجل المطلوب، المرأة تؤكد أن هذا الرجل ليس بشقيقها.
********************
بعد ذلك تم إيضاح الأمر، فالمذنب لم يكن شقيقها، بل رجلٍ عادي، مرَ به يوم أكثر من عادي، فأثقله، فأثقل... حتى على المجانين...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب