الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قانون منع النقاب في تونس: القانون والخلفيات السياسية

محمد محسن عامر

2016 / 3 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


يقول الفيلسوف ابن سيناء بأن الخطاب النبوي قد اكتسب قوته وتأثيره الإقناعي من كونه مثقلاً بالمخيلة الأسطورية، أي أنه استخدام الرموز الخيالية لغرس صدق العقيدة بطريقة اتصالية. هكذا صيغت لأول مرة فكرة أن الدين فلسفة للجماهير الذي أثرت في الفكر الفلسفي الأوروبي الحديث . إن العلاقة بين المجال العام و المجال الخاص في المجتمع في غاية التعقيد خاصة إن كان هذا في سياق الحديث عن دور الدين في تشكيل عناصر المجال العام في المجتمعات العربية. ففي مجتمعات عربية عجزت على صناعة الحداثة بمعناها التاريخي و الطبقي و الثقافي و ضلّت تعاني حالة تشظّي اجتماعي و ثقافي منع تكون الهويات العلمانية بقي الدين هو المرجعية الأكثر نفوذا و قوة و الأكثر قدرة على توجيه المجتمع و فارضا نفسه كمرجعية مؤسسة للوعي العام.
بعد موجة الانتفاضات العربية ظهر كم الإفقار السياسي و الثقافي لدى النخبة سواء التي تعرف نفسه انطلاقا من مرجعية “حداثية” و التي ترتكز على منطلقات أيديولوجية يسارية و قومية و عدم القدر على خلق حالة اندماج بين مشاريعها السياسية و المجتمع. بالتالي ضلّت هذه الخيارات السياسي و الثقافية عاجزة على تهديم البنيان السلطوي المحافظ الذي مثلت قلاعه الحصينة مركز انطلاق الأصولية الإسلامية بمرجعياتها المختلفة إخوانية كانت أو سلفيبة .بذلك ضل المشروع العلماني العربي مشروعا برّانيا لا جوّانيا لم يجد الحبر الواقعي لكتابة مشروعه الديمقراطي العلماني .
أودعت الكتلة الحرة يوم أمس مقترح قانون في شكل مبادرة تشريعية بمكتب الضبط بمجلس نواب الشعب يتعلق بـ «منع إخفاء الوجه في الفضاءات العمومية»، ممضاة من قبل النواب عبد الرؤوف الشريف، محمد نجيب الترجمان، سهيل العلويني، مريم بوجبل، الصحبي بن فرج، رابحة بن حسين، صلاح البرقاوي، خولة بن عائشة، رؤوف الماي، مصطفى بن أحمد. هذه المبادرة في فصولها الأربع تتمحور حول منع لبس النقاب في الأماكن العامة و المركبات التجارية و الإدارات و غيرها من المؤسسات العامة .
هذه المبادرة التشريعية يمكن قراءتها من منطلقين أساسيين, أولهما قانوني معني بمدى دستورية هذه المبادرة التشريعية و لكن الأهم سياسيا في علاقات الصراع الدائرة بين الفراقاء السياسيين داخل قبة البرلمان الذي منذ انتهاء الفتنة الكبرى الندائية بخروج مشروع تونس من حزب نداء تونس محسن مرزوق أخذ يتجه لتشكيل مشهد معارض جديد سيحدد الخارطة القادمة في التحالفات و التقاطعات بين المعارضات القديمة و البازغة أخيرا .
يعتبر مشروع القرار غير شرعي من الناهية الدستورية إذ ينصّ الفصل السادس من الدستور التونسي” الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، حامية للمقدسات، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي”. بالتالي منع النقاب يدخل في باب تضييق الحق في ممارسة فعل يراه ممارسوه فعلا مقدسا أي يدخل ضمن الفعل الطقوسي الإيماني لمرتدي النقاب . هذا يعد خرقا صحيح للدستور و بالتالي للحقوق الأساسية للمواطنين.
سياسيا و هو الأهم فبعد فترة حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة و الجو المتطرف الذي صبغ المجتمع التونسي , بإطلاق العنان لأنصار الشريعة للعمل بحرية و دعم ضمني من حركة النهضة و خلق ميليشيات متطرفة “رابطات حماية الثورة” التابعة لحركة . هذا الجو المتطرف خلق حالة خوف بين القوى المناهضة لحركة النهضة الإسلامية و جعلها تتكتل سياسيا ضمن حركة نداء تونس بقاعدتها “التجمعية” و تجمع كل القوى الناخبة الخائفة من تغول الحالة الأصولية في تونس ورائها بقيادة الباجي قايد السبسي فيما عرف بالانتخاب الفعال للدفاع عن النمط المجتمعي التونس.
مع وصول نداء تونس إلى السلطة بوضع غير هيمني دفعها بقوة الضرورة للتوافق, ظهرت أمام القوة الناخبة التي “التجأت” لها خائنة لشعاراتها و وعودها بإنقاذ المشروع “الحداثي” التونسي و إزاحة حركة النهضة نهائيا.
تحت وطأ الصراع الحزبي الطاحن الذي اخذ طابعا فتنويا داخل الحزب الأغلبي , حسم الأمر بمحاولة تحكيم فاشلة صنعت حزب الخوارج الجديد بقيادة محمن مرزوق تحت مسمى مشروع تونس . هذا الحزب الذي ولد كبيرا جماهيريا و الذي ابتلع 32 نائبا من حزب نداء تونس تحت ما سمي “كتلة الحرة” اختار تسويق نفسه أنه حالة إنقاذية للمشروع “البورقيبي” التحديثي العلماني بعد التقاء الدساترة و الإسلاميين القديم الجديد على التوافق اليميني اليميني.
مشروع تونس هذه التعبيرة الوليدة من رحم حزب نداء تونس تسعى عبر طرح هذا القانون وضع الندائيين في وضع صعب جدا سياسيا . هذا القانون يعتبر امتحانا قويا لمدى “الصدق النمطي” و الحدثنة التي يؤمن بها نداء تونس و التي وصل بها إلى الأغلبية النيابية فالسلطة .بالتالي و على ما يفترض أن يجد نداء تونس المتآكل نفسه منصاعا لخيارات حركة النهضة التي قد ترفض هذا القانون فيكون بذلك طلقة الرحمة لشعارات نداء تونس “الحداثية”.
بالتالي هذا التوجه نحو منع النقاب في الأماكن العامة الذي لن يمر على ما يبدو معلوما سلفا هو في حقيقته السياسية ليس صراعا بين الحداثة السياسية و الحقوقية و الأصولية بقدر ماهو نزع لما تبقى من ورقة التوت التي مازال حركة نداء تونس المتآكل يحاول يائسا إقناع ما تبقى من مؤسسته و ناخبيه بها.
*كاتب من تونس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله