الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظاهرة التثاقف وتركيبية الثقافة المغاربية

رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)

2016 / 3 / 27
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


ظاهرة التثاقف
وتركيبية الثقافة المغاربية

البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-
البريد الإلكتروني:[email protected]



يحتاج البحث في العلاقة والتفاعل بين الثقافات إلى تحديد مجموعة مفاهيم، بإمكانها إنهاء الكثير من الإشكالات المطروحة، فقد أعطى الأنجليزي إدوارد بورنت تايلور مفهوما شاملا للثقافة، وبأنها"كل هذا المركب الذي يضم المعارف والمعتقدات والفنون والأخلاق والقوانين والعادات والتقاليد وكل القدرات والعادات التي أكتسبها الإنسان بصفته عضو في مجتمع ما"، كما يجب أن نضع في حسابنا أن الهوية الثقافية للشعوب، ليست ستاتيكية، بل تتغير وتتطور عبر التاريخ بفعل ظاهرة "التثاقف"، أي أن كل الثقافات تتلاقح فيما بينها وتأخذ بعضها عن بعض، لكن شريطة تأصيل ما أخذته ثقافة ما من أخرىن، ويصبح كأنها جزء لاينفصل عنها.
فالثقافة الجزائرية خاصة، والمغاربية عامة، هي في الأصل ثقافة أمازيغية، تلاقت وأحتكت وأخذت عن عدة ثقافات عبر تاريخ الجزائريين والمغاربيين الطويل، ويعود ذلك إلى موقعنا الجغرافي وغلبة طابع التفتح على كل ما هو إيجابي، فمثلا يستفسرأجدادنا عن كل دين سماوي جديد سواء كان اليهودية أو المسيحية أو الإسلام، حيث أرسلوا وفدا إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستفسرون عن الإسلام، فيدخلون الدين الجديد إن كان يخدم الإنسانية سواء كلهم، كما وقع مع الإسلام أو جزء منهم كما وقع مع المسيحية، ونفس الأمر في المجال اللغوي، فلم تمنعهم لغتهم الأمازيغية التي بقيت ثابتة إلى حد اليوم من التفتح على اللغات الأخرى وإستخدامها، كاللاتينية والعربية والفرنسية وغيرها، بل في بعض الأحيان يبدعون لغة جديدة، تسهل لهم التواصل بحكم براغماتيتهم، فأبدعوا البونيقية كلغة تواصل مع التجار الفنيقيين، وهي خليط بين الأمازيغية والفنيقية، ونجد نفس الشيء اليوم في العامية الجزائرية والمغاربية، فلو درسناها جيدا، نجد فيها خليط عربي-أمازيغي قبل أن تدخلها كلمات فرنسية وإسبانية وتركية وغيرها، فلو تأمل جيدا اللغويون سيجدون كلمات عربية بلكنة أمازيغية، والعكس أيضا صحيح.
وإنطلاقا من فكرة "التثاقف" نقول أن ماهو موجود أصلا عندنا هي ثقافة جزائرية ومغاربية مركبة نتيجة لهذا التثاقف، خاصة مع الثقافة العربية المرتبطة بالإسلام، لكنها ثقافة ذات روح أمازيغية، حتى ولو عبر عنها بلغات أخرى، فمثلا في مجال الأدب لو قرأنا لمولود فرعون أو مولود معمري أو كاتب ياسين ومحمد الديب أوآسيا جبار أو المغربي الطاهر بن جلون وغيرهم بالفرنسية أو بن هدوقة والطاهر وطار أو المغربي محمد شكري وغيرهم بما فيهم الروائيين والأدباء الشباب اليوم، نجد في أدبهم هذه الروح الأمازيغية، لكن لايتبينها الكثير بسبب الطمس والإقصاء الذي لحق بالبعد الأمازيغي في الجزائر ودول مغاربية لأسباب ايديولوجية، وكل ما هو ذو روح أمازيغية، أعتبرها الخطاب الرسمي، أنها ثقافة عربية، وهو ليس صحيح، فيا حبذا لو تقم جامعاتنا ببحوث أكاديمية لتلاحظ ذلك بجلاء، لكن هناك تهميش عمدي وإقصاء.
فحتى المعادين لهذه الثقافة الأمازيغية، وسعوا لطمسها، فإنهم إن كانوا موضوعيين في بحوثهم، تجدهم متاثرين بهذه الروح الأمازيغية دون أن يشعروا بذلك، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر المفكر محمد عابد الجابري المحسوب على القوميين العرب، إلا أنه في بحوثه الأكاديمية تبرز بجلاء هذه الروح لدرجة إتهامه من المتطرفين القوميين العرب في المشرق العربي بأنه عنصري ومغاربي النزعة، وقد بينا ذلك في مقالة نشرت من قبل عنوانها "محمد عابد الجابري والتنظير اللاشعوري للقومية المغاربية" )عد إلى الحوار المتمدن عدد4492 بتاريخ 24جوان 2014(
يعود أيضا تغييب هذه الروح الأمازيغية إلى إهمال وإحتقار ثقافتنا الشعبية، فهذه الأخيرة متشابهة جدا في كل المناطق، سواء عبر عنها بالعربية او الأمازيغية بكل تنوعاتهما اللسانية، فلنقم ببحوث في ذلك على الأمثال والحكم والحكايا والمدائح والأشعار الشعبية، لنلاحظ ذلك بقوة، لكن للأسف الثقافة الرسمية طمست هذه الثقافة، خاصة في المدرسة، وهو ما أثر سلبا على تنشئة الإنسان الجزائري خاصة والمغاربي عامة، الذي كان في الماضي يتربى ويكون شخصيته بهذه الثقافة الشفوية والشعبية، فأعطيت له شخصية قوية، وهو ما فقده اليوم بسبب إنقطاعه عن هذه الثقافة.
وإنطلاقا من ذلك كله، فإن حصر الثقافة الأمازيغية في اللغة، هو أمر خطير جدا، فالأمازيغية هي بعد تاريخي وثقافة وتقاليد ونظام إجتماعي وقيم، يجب علينا العودة إليه مع تحديثها، وقد تأثرت هذه الثقافة بمفهومها الشامل كثيرا بالإسلام، كما أثرت هي بدورها في الكثير من ممارساتنا الإسلامية التي لها خصوصيات مغاربية، تختلف عن الممارسات الإسلامية لشعوب أخرى، أعطت حتى هي أيضا خصوصياتها لممارستها الإسلامية.
لكن هذا ليس معناه الإنغلاق، بل أخذت هذه الثقافة من ثقافات عديدة خاصة الثقافة العربية المرتبطة بالإسلام، ولم يكن معها أي تصادم في التاريخ، بل بالعكس، لكن يقع التصادم عند تحويل بعد ثقافي إلى أيديولوجية إقصائية، كما وقع مع الأيديولوجية العروبية التي عملت على طمس البعد الثقافي الأمازيغي لشعبنا، فلنشير أن العروبة هي أيديولوجية قومية إقصائية، وتختلف عن العربية التي هي لغة وثقافة وبعد هام من أبعاد هويتنا الثقافية إلى جانب الأمازيغية والإسلام وأبعاد أخرى ممكن أقل شأنا وتأثيرا، فهذا الإقصاء هو الذي أشعل صداما وهميا، وأصبح يهدد الوحدة الوطنية لدولنا المغاربية، لأن ذوي الأيديولوجية العروبية سعوا إلى محو ابعاد ثقافية أساسية في هويتنا، فولد تيار "البربريزم" كرد فعل على ذلك، والذي هو أيضا تحويل الأمازيغية إلى أيديولوجية، فالصدام ليس بين الأبعاد الثقافية لهويتنا التي هي مركبة ومتكاملة، بل صدام بين مؤدلجين، ولهذا ضرورة إبعاد كل المؤدلجين والتوظيف السياسوي لأبعاد هويتنا الثقافية وإبقائها في المجال الثقافي والأكاديمي فقط، فبذلك ينتفي الصدام الوهمي، وسيكون تلاقي وثراء وإثراء لثقافتنا بكل أبعادها المتداخلة بعضها ببعض، فمن الخطأ النظر إليها منفصلة، بل هي أبعاد متداخلة ومركبة لهويتنا الثقافية .
أما بشأن اللغة الأمازيغية وحروف كتابتها، فإني لا أرغب الخوض في هذا الأمر، لأن حسب مايبدو هناك مناورة من أعداء الأمازيغية لإبقاء شعوبنا في نقاش عقيم حول الحروف التي يجب أن تكتب بها، فيضيع كل شيء بدل إستغلال مكسب الإعتراف بهذه اللغة للتقدم إلى الأمام بدل الدوران في نقاش عقيم يثار بشكل متعمد من أعداء الثقافة الأمازيغية، وهو نفس مايطبق بشأن إشاعة البعض من المعادين لهذا الثقافة، بأن مختلف اللهجات الأمازيغة المنتشرة في كل البلاد المغاربية، يختلف بعضها عن بعض بشكل كبير، وهو ليس صحيح، فالإختلاف بينها يشبه نفس الإختلاف بين اللهجات العربية في كل البلاد العربية، أما بشأن الحروف التي يجب أن تكتب بها، فإن كانت المغرب أتخذت حروف تفيناغ، ففي الجزائر نجد كل طرف حسب مايبدو يستند على عدة حجج، لعل بعضها حجج علمية، لكن يغلب عليها الطابع الأيديولوجي، لكن علينا الإشارة أن كل الشعوب المسلمة الغير ناطقة بالعربية، أختارت الحروف العربية لكتابة لغتها، فهل الفرس ذوي الحضارة لايمتلكون حروفا؟، لكنهم أرادوا الإرتباط بالحروف التي كتب بها القرآن الكريم، ونفس الشيء للكردية والأوردية والمالاوية وغيرها، وحتى التركية قبل أن يغير ذلك كمال أتاتورك، هذا ليس معناه انني أؤيد هذا الطرح أو ذاك، بل علينا أيضا أن نشير أن دول مثل الصين واليابان تستخدم حروفا خاصة بها، أي مثل حروف التفيناغ عندنا في البلاد المغاربية، لكن لم يمنعهم ذلك من التقدم بلغتهم وإستخدام تلك الحروف، وكلنا يعرف التطوير الذي أدخل في الصين على الأبجدية الصينية بعد إنتصار الثورة الشيوعية بقيادة ماوتسي تونغ في أول أكتوبر1949.
صحيح أن بعض المعربين، وبالأخص المتأثرين بايديولوجيات مشرقية، لم يولو الأمازيغية إهتماما في عمومهم، بل كانوا معول هدمها ومحاربتها، على عكس بعض المفرنسين كمولود معمري مثلا في الجزائر أو محمد شفيق بالمغرب رغم أنه يتقن جيدا ايضا العربية، لكن هذا ليس معناه عدم وجود مخططوطات بالأمازيغية مكتوبة بالحروف العربية، فهي بالمئات إن لم نقل بالآلاف في عدة زوايا في كل مناطق بلداننا المغاربية، وهي تحتاج اليوم إلى تحقيقها وإبرازها، فقد تعرضت للأسف للإهمال بسبب الطمس الذي لحق بالأمازيغية من طرف المتأدلجين العروبيين من جهة، ومن طرف الإستعمار الفرنسي من جهة أخرى الذي أخفى وأحرق الكثير من هذه المخطوطات، في الوقت الذي اهتم فيه مثلا الحاكم العام جونار في الجزائر بالمخطوطات العربية في بدايات القرن20، والتي هي أيضا جزء من ثقافتنا، لكن عمدت الأيديولوجية الإستعمارية الفرنسية إلى طمس كل ماهو أمازيغي على عكس مايروجه بعض المؤدلجين العروبيين، وكان الهدف الإستعماري من ذلك هو إيجاد شرعية للإستعمار الإستيطاني الفرنسي في الجزائر بترويج فكرة أن الجزائر وكل البلاد المغاربية كانت أرض فارغة، فجاء الفنيقيون ثم الرومان فالوندال والبزنطيين ثم العرب والإسبان وألأتراك وغيرهم، ثم جاء الأوروبيون، وهو مايعني أن كل سكان البلاد مستوطنين في فترات من التاريخ، بل روجت لفكرة مجيء الأمازيغ، ومعناه في الأخير لايحق للجزائريين والمغاربيين طرد الأوروبيين الإستعماريين، لأنهم كل سكان هذه الأرض قد جاءوا، وأستوطنوا هذه الأرض مثل الأوروبيين.
أما عن التفاعل مع الثقافة العربية، خاصة المشرقية، والتي هي أيضا ليست ثقافة عربية خالصة، كما يعتقد البعض، فيجب أن ننطلق من تفاعل هذه الثقافة مع الثقافة الجزائرية والمغاربية عموما، فلنقل الحقيقة بأن المراكز كمصر والشام كانوا دائما ينظرون بإحتقار لثقافتنا على العموم، فإن كان هناك مركزية أوروبية تجاه ثقافات الشعوب الأخرى، ففي فضائنا الحضاري هناك أيضا مركزية وإحتقار تجاه ثقافات شعوب تعتبرها من الأطراف، وهو ما وقع لثقافتنا خاصة في الماضي، ولو أنه اليوم هناك نوع من الإعتراف بها ببروز مثقفين ومفكرين وروائيين فرضوا أنفسهم اليوم، لكن هذا لايمنع عدم الإهتمام المشرقي بنا، فقد اهتم مثلا طه حسين بمولود معمري، لكن للأسف هناك جزائري مؤدلج ومعاد أصلا لكل ماهو تعبير ثقافي جزائري ومغاربي لام طه حسين على إهتمامه بمولود معمري وروايته "الربوة المنسية"، كما ترجم سامي الدروبي روايات محمد الديب وفرعون التي هي ثقافة أمازيغية الروح وفرنسية أو عربية اللسان.
طبعا هذا الصراع الثقافي المغاربي- المشرقي قديم، لكن أعطى المغاربيون للمشرق الكثير كالأجرومية لآيت أجروم، وهو من الأخضرية، ومن إسمه أخذ الفرنسيون كلمة "غرامير grammaire"، ونجد كذلك الألفية لأبن معطي الزواوي الذي نسبه المصريون إليهم، لأنه دفن هناك، وكذلك البردة للبصيري، وهو من دلس، وهي في مدح سيدنا محمد )ص(، لكن بروح أمازيغية، دون أن ننسى دور الطاهر الجزائري في النهظة الإسلامية في الشام، وكذلك الفضيل الورتلاني بروحه الأمازيغية المسلمة الثورية في اليمن.
وفي الأخير اعتقد أنه يستحيل أن يكون تصادم لأن أبعاد هويتنا الثقافية مركبة ومتداخلة بعضها في بعض، فالذي يدفع لتصادم وهمي هم المؤدلجين وبعض السياسويين الذين يوظفون أبعاد هويتنا الثقافية، كما ليس من المعقول ان لايعرف الجزائريون والمغاربيون الناطقون بالعربية ما ينتج ثقافيا بلغة أمازيغية، وهو ما يهدد وحدتنا لأن الإنسان عدو ما يجهل، ولهذا نرى ضرورة إتقان كل الجزائريين والمغاربيين للساني الأمة سواء كان العربية أوالأمازيغية، وهو ما من شأنه القضاء على أي تمايز لساني يمكن إستغلاله لضرب وحداتنا الوطنية والثقافية، فالثقافة عامل رئيسي في تمتين وحدة أمتنا، لكن هل من المعقول ان لايطلع الجزائري والمغاربي الناطق بالعربية على جزء كبير من الثقافة الجزائرية والمغاربية التي يعبر عنها بالأمازيغية بكل تنوعاتها اللسانية، فهل من المعقول أن لايفهم بعض الجزائريين مثلا آغاني آيت منقلات ومعطوب لوناس وعيسى الجرموني وعثمان بالي وغيرهم، فقد عرفت الكثير جدا من هؤلاء يتألمون، لأنهم لا يفهمون جزء كبير من ثقافة أمتهم، ويحملون السلطة مسؤولية هذا الحرمان.

البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحداث قيصري-.. أزمة داخلية ومؤامرة خارجية؟ | المسائية-


.. السودانيون بحاجة ماسة للمساعدات بأنواعها المختلفة




.. كأس أمم أوروبا: تركيا وهولندا إلى ربع النهائي بعد فوزهما على


.. نيويورك تايمز: جنرالات في إسرائيل يريدون وقف إطلاق النار في




.. البحرين - إيران: تقارب أم كسر مؤقت للقطيعة؟ • فرانس 24 / FRA