الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سقط المتاع

صبحي حديدي

2005 / 11 / 22
الادب والفن


الـKitsch ، أو "سقط المتاع، مادّة فنّية أو أدبية من صنفٍ دُوْنٍ" كما يقترح منير البعلبكي في قاموس "المورد"، مفردة ألمانية الأصل تسللّت إلى اللغات الغربية وعدد كبير من لغات العالم، رغم أنها عسيرة على الترجمة، وأنها لا تعرّف ظاهرة عامة بقدر ما تصف صنفاً هابطاً من الأعمال التشكيلية التي اجتاحت أسواق الفنون في ميونيخ خلال ستينيات وسبعينيات القرن التاسع عشر. ولعلّ أطرف تعريفات هذه المفردة ما جاء به الروائي التشيكي ميلان كونديرا في "خفّة الكائن غير المحتملة"، 1984، من أنّ فنون سقط المتاع هذه "تسعى دائماً إلى انهمار دمعتَين سريعتين متعاقبتين، الأولى تقول: كم هو بديع أن نرى الأطفال يلعبون على العشب، والثانية تقول: كم هو بديع أن نتأثر، ومعنا الإنسانية جمعاء، بمشهد أطفال يلعبون على العشب. وإنّ الدمعة الثانية هي التي تجعل القول سقط متاع".
ومنذ بعض الوقت يشهد الإعلام السوري الرسمي الكثير من سقط المتاع هذا، حيث ينبغي أن تنهمر الدموع مدرارة، تارة جرّاء البليّة في ذاتها، وطوراً لأنّ شرّ البليّة ما يضحك... حتى البكاء! ومن الإنصاف البسيط أن نبدأ من وزير الإعلام نفسه، لأنه في نهاية المطاف رأس الإعلام الحكومي وقائد هذا التوجّه، استطراداً وبالتعريف القانوني المحض على الأقلّ. ففي محاضرة (بعنوان دالّ تماماً: "الإعلام السوري واقع وآفاق")، ألقاها في مدينة الرقّة شمال شرق سورية، وكانت مفتوحة للجمهور وليست مغلقة، قال دخل الله إنّ الكتّاب السوريين الذين ينشرون في صحف "القدس العربي" و"النهار" اللبنانية و"السياسة" الكويتية يقبضون 1500 دولار على المقال الواحد. ليس هذا فقط، إذ لم يستغرب دخل الله أن يكتب هؤلاء أنفسهم في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية!
وفي حينه علّق كتّاب سوريون على أقوال دخل الله، على نحو بارع وذكيّ وشجاع لا أظن أنني سأضيف إليه جديداً. ما خلا، طبعاً، هذا التفصيل الطريف الذي غاب عن ذهن السيد الوزير، أو هكذا نفترض من باب حسن النيّة على الأقلّ: أنّ عدداً من كتّاب "القدس العربي" السوريين لا ينتمون إلى صفّ النظام فحسب (مثل د. يحيى العريضي)، بل هم أهل الدفاع عن النظام بأكثر ممّا يدافع النظام ذاته (مثل عماد فوزي شعيبي، صاحب النفي الشهير لمصافحة الفاتيكان بين بشار الأسد وموشيه كتساف). هل هؤلاء معنا في الـ 1500 دولار، كما في إمكانية الإنضمام مستقبلاً إلى فريق "يديعوت أحرونوت"؟
طراز آخر من سقط المتاع، مؤلم هذه المرّة لأنه يمسّ شريحة إنسانية خاصة لا يجوز العبث بأفرادها كيفما اتفق، وأعني الأطفال المعاقين عقلياً. فقد نقلت وكالة الأنباء السورية، سانا، أنّ مجموعات من هؤلاء الأطفال التحقت بخيمة الإعتصام المنصوبة في ساحة الروضة، غير بعيد عن السفارة الأمريكية في دمشق، وذلك "احتجاجاً على الضغوط والحملات الظالمة التي تتعرض لها سورية"! في اليوم ذاته كانت سانا قد أعلنت عن عن قيام نزلاء سجن دمشق المركزي في عدرا بالإضراب عن الطعام ثلاثة أيام للسبب ذاته، رغم أنّ جميع منظمات حقوق الإنسان تصنّف سجن عدرا تحديداً في خانة أسوأ معتقلات العالم، حيث تُرتكب أشدّ الانتهاكات وحشية وبشاعة.
طراز ثالث خارج جدران مبنى وزارة الإعلام، ولكن في قلب دمشق، حيث تعرض سينما راميتا المسرحية الفكاهية "قيام، جلوس، سكوت"، التي قالت تقارير صحفية عديدة إنها تهاجم ديتليف ميليس، وساسة وصحافيين لبنانيين من أمثال وليد جنبلاط والياس عطا الله وجبران تويني، وطبعاً رئيس الوزراء فؤاد السنيورة (وتستعيد المسرحية اللقب الذي أسبغه عليه بشار الأسد: عبد مأمور لعبد مأمور). إليكم بعض الأمثلة: ميليس كتب تقريره قبل اغتيال رفيق الحريري بعام كامل، وكتلة المستقبل في مجلس النوّاب اللبناني هي "الكتلة الخبيثة"، والقرار 1559 صاغه وزير الخارجية الإسرائيلي سلفان شالوم... ولكي تنهمر الدمعة الثانية التي تحدّث عنها كونديرا، يتوجه بطل المسرحية إلى الرئيس السوري بالمناشدة التالية: "سيدي الرئيس، أريد مشروعاً إصلاحياً سورياً، بأياد سورية، بأجندة سورية. نعيش في سورية. واذا ما خلّونا نعيش فنموت شهداء"!
وأمّا الطراز الرابع فأتحفنا به المطرب السوري الشعبي علي الديك، صاحب الأغنية الشهيرة والجميلة "الحاصودي"، حين قرّر نقل المنجل من حصاد الزرع إلى حصاد رأس ديتليف ميليس ما غيره. أغنيته الجديدة تقول، في ما تقول: "كل تقريرك يا ميليس/ حقّو فرنكين وفلس/ مسيّس والغاية منّو/ تشريد وقتل وحبس/ جاي وبدّك منّا شهود/ محمّل كبريت وبارود/ لعبة محبوكة من زمان/ الكلّ بيعرف من أمس". ولكنّ الديك لا يكتفي بهذا، إذْ لا بدّ من الدمعة الثانية: "وإن كان بدهم منّا حروب/ رح نعمل بالجبهة دروب/ بدنا نعيش وان متنا/ الموتة عا الجبهة عرس"! وهنا، للمرء أن يتساءل بحقّ: هل شاعر هذه الأغنية هو ذاته محمود عبد الكريم، مؤلف مسرحية "قيام، جلوس، سكوت"؟
ليس بالضرورة، رغم التماثل الجليّ في الروحية العامة وبعض المجاز، إذْ يشير كونديرا كذلك إلى أنّ الـ Kitsch هي "بضاعة الإعلام الوحيدة التي تسوّقها السلطة الشمولية حين تنحصر في الزاوية، وظهرها إلى الجدار"!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان محمد خير الجراح ضيف صباح العربية


.. أفلام مهرجان سينما-فلسطين في باريس، تتناول قضايا الذاكرة وال




.. الفنان محمد الجراح: هدفي من أغنية الأكلات الحلبية هو توثيق ه


.. الفنان محمد الجراح يرد على منتقديه بسبب اتجاهه للغناء بعد دو




.. بأغنية -بلوك-.. دخول مفرح للفنان محمد الجراح في فقرة صباح ال