الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليمنيون لا بواكي عليهم رغم آلاف الضحايا و المشردين

عبدالله جاسم ريكاني

2016 / 3 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


اليمنيون لا بواكي عليهم رغم آلاف الضحايا و المشردين

د. عبدالله جاسم ريكاني

كان يوماً حاراً و جافاً، في بدايات شهر تموز 2015، عندما وقف صلاح بصرالله، و هو فلاح يمني في منطقة شمال صعدة، بين أطلال تسعة بيوت كانت تشكل قريته الصغيرة ايرام، ينظر الى منظر قريته المدمرة في صمت. لقد فقد الفلاح المسكين 21 شخصاً من افراد عائلته في اربعة هجمات جوية متتالية على قريته، و من صمنهم اولاده الستة و زوجته. و على مقربةٍ منه كانت تتناثر أشلاء القنابل العنقودية الامريكية من طراز (MK-80)، مثل التي كانت تشاهد في معظم هجمات التحالف العربي و الاسلامي الجوية على اليمن، و هي قنابل امريكية تزود بها الجيش السعودي.

مع بدء حملة القصف الجوي لطائرات التحالف الذي تقوده السعودية على مدى عام، دأبت الغارات الجوية على تدمير حياة العوائل اليمنية البريئة. في العاصمة صنعاء، كل الذي تبقى من بيت القاضي يحيى روبيد و عائلته هو الهيكل الحديدي للبيت و اعمدة من الكونكريت تتدلى من غرفة كانت يوماً ما غرفة معيشته. لقد ضربت بيته غارة جوية في الساعة 1:30 صباحاً في 25 كانون الثاني 2015، عندما كان القاضي و زوجته و اطفاله و احفاده نائمين. ثم ضربتهم غارة ثانية تردد صداها في صنعاء كلها. و بحسب اقوال افراد العائلة، كان القاضي يحكم في قضية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي غيابياً بتهمة الخيانة. و من الواضح، انه ليس هناك اي سبب شرعي او قانوني يبرر قصف بيت القاضي لانه و عائلته هم اناس مدنيون و بحسب القانون الدولي، يفترض ان لا يكونوا مستهدفين عن قصد. و لقد حاول السيد محمد عبدالله، ابن اخت القاضي، عبثاً البحث عن اشلاء القاضي و عائلته من بين الرماد الذي خلفه القصف الجوي.
هذه المشاهد المرعبة هي فقط نماذج و امثلة من الرعب و الهلع الذي كابده اليمنيون منذ ان بدأ العدوان السعودي و حلفائها على اليمن و أهلها منذ اذار 2015. احد اطراف هذه الحرب هم الحوثيون المدعومين بانصار الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح و جزء من الجيش اليمني، و الطرف الاخر هي السعودية التي تقود تحالفاً يضم القوى المتحالفة معها و التي تسمى "المقاومة" و تقاتل نيابةً عن عبد ربه منصور هادي و حكومته. و يشكل الحوثيون و حلفاؤهم من المجاميع المسلحة الحليفة لصالح، اهدافاً لحملة التحالف المستمرة منذ سنة.




في الحقيقة، المدنيون من امثال الفلاح بصرالله و القاضي روبيد و اطفالهم، يشكلون غالبية ضحايا هذه الحرب المستعرة. المئات من المدنيين قتلوا في الضربات الجوية و هم نيام في بيوتهم، او عند الذهاب الى اعمالهم اليومية، او في الاماكن التي هربوا اليها طلباً للجوء و الحماية من القصف. في ذات الوقت، استمرت الولايات المتحدة و البريطانيون و غيرهم طيلة هذه الحرب، في تزويد الاسلحة و الدعم اللوجستي للعربية السعودية و حلفائها من قتلة الشعب اليمني. و بعد مضي سنة على هذه الحرب الضروس، ليس من الواضح، من الذي سيربحها.

تدَعي السعودية و حلفاؤها استعادة 80% من اليمن، و لكن الحوثيون لا يزالون يمسكون بمفاصل العاصمة المهمة صنعاء، محافظة إب، و تعز. بالاضافة الى ان تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية تمسك الارض و تتلقى الدعم في جنوب و جنوب شرق اليمن، مستفيدةً من الفراغ الامني لتعزيز قوتها. و الشيئ الاكثر وضوحاً هو ان المدنيين اليمنيين هو الخاسرون الاكبر في هذه الحرب.

في حوالي الساعة 11:30 من صباح يوم 15 من اذار، تم تدمير السوق الشعبي في مدينة خميس الواقعة في شمال اليمن بعد ضربها بغارتين جوتين من قبل طائرات التحالف السعودي مخلفةً وراءها اكثر من 106 قتيل من المدنيين المتسوقين، من بينهم، 24 طفلاً. احد الاشخاص و المدعو حسن مسافي، صرح بأنه لم يعثر سوى على احد ساقي ابنه الذي قتل في الغارة.

الحقائق تتكلم عن نفسها، و الادلة على خرق القانون الدولي و الانساني الخاص بالحروب لا يمكن انكارها، كما حاولت الحكومة البريطانية ذلك.

منظمة العفو الدولية و المنظمات الاخرى قدمت ادلة قاطعة في العام الماضي على ان كل الاطراف المشاركة في الحرب اليمنية قد ارتكبت جرائم حرب. و لكن بعض الدول، لا تريد رؤية الادلة.منا أن اغراق المنطقة بالاسلحة تزيد من صب الزيت على نار الحرب في اليمن.

الغارات من النوع الذي ضربت مدينة خميس انفة الذكر اصبحت من الحوادث المعتادة في اليمن. و طبقاً لاحصائيات الامم المتحدة فان اكثر من 3000 مدني قد قتل، و الالاف قد جرحوا، 2.5 مليون شخص قد شردوا من منازلهم، و 83% من اليمنيين باتوا يعتمدون على المساعدات الانسانية، و من النادر ان ترى شخصاً او زاوية في اليمن لم يتأثر بالنتائج الكارثية لهذه الحرب بشكل او بآخر.

الغريب في الامر ان التحالف السعودي في ردِها على التقارير التي تؤكد مقتل اليمنيين و تدمير المدارس، و المنازل، و البنية التحتية اليمنية، تردد على الدوام ان القصف يستهدف الاهداف العسكرية فقط في غاراتها الجوية. و لكن الوضع على ارض الواقع ينبؤنا بقصة مختلفة. و مع كل غارة جوية غير قانونية، يبدوا لنا واضحاً ان السعودية و حلفاؤها اما لا يعبأون بالقوانين و الشرائع الدولية الخاصة بالحروب او انها لا تحترم و لا تستطيع الالتزام بهذه القوانين التي تجرِم قتل المدنيين. ومع هذا تستمر بريطانيا، امريكا، و فرنسا في الترخيص و الموافقة على صفقات الاسلحة المقدمة للسعودية بدون ان يرفَ لها جفن.

منذ نوفمبر 2013، وافقت وزارة الدفاع الامريكية على صفقات اسلحة مقدمة للسعودية بقيمة تتجاوز 35.7 بليون دولار في واحدة من اكبر صفقات السلاح مع المملكة، و بضمنها اعلان صفقة سلاح اخرى للسعودية بقيمة 1.29 بليون دولار لتزويد المملكة ب 18440 قنبلة و 1500 رأس صاروخي. و في الوقت نفسه، غضًت حكومة ديفيد كاميرون البصر عن قيام وزير دفاعه ببيع اسلحة للسعودية تفوق قيمتها 9 بليون دولار منذ بدء الضربات الجوية على اليمن كما اثبتت ذلك الحملة المضادة للاسلحة التي انطلقت في لندن.

بغض النظر عن زمان حصول قوات التحالف على الاسلحة سواءاً قبل حرب اليمن او بعدها، كان يجب على الدول المصدرة لهذه الاسلحة، ان تتأكد من التزام الدول الحاصلة على هذه الاسلحة بعدم خرقها للقوانين الدولية التي تقنن استعالها. و مع ان الغارات الجوية المستمرة هي السبب الرئيسي في مقتل المدنيين، إلاَ ان المدنيين غالباً ما يحاصرون بين النيران المتبادلة بين الحوثيين و المقاومة المدعومين كلاهما من قوات مسلحة موزعة الولاءات بين الطرفين. و اوضح مثال على ذلك حدث في مدينة تعز الجنوبية التي عانت صعوبة في الحصول على الغذاء و الدواء منذ شهر نوفمبر الماضي. الغارات استمرت في قتل المدنيين و بضمنهم الاطفال. و عندما قامت منظمة العفو الدولية بزيارة المدينة في شهر تموز 2015، شاهدت الاداء السيئ للمقاتلين ووثقت اكثر من 30 هجوم ارضي ادت الى مقتل اكثر من 100 شخص، احدهم كان طفلاً (ايهم انيس) في الثانية عشر من العمر الذي قتل بواسطة قذيفة مورتر اطلقها الحوثيون. و عندما هرع خال الطفل لانقاذه، وجده مقطوع الرأس.

المأساة في تعز، ساءت اكثر في هذه الايام. و مع ان قد تم دفع الحوثيين من مركز المدينة و لكنهم لا يوالون مسيطرين على اغلب مناطق المحافظة. و عندما اجبر الحوثيون على التقهقر، زرعوا الالغام المحظورة دولياً و التي قتلت حصدت ارواح العديد من المدنيين.
في الاسبوع الماضي، اعلن المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف التي تقودها السعودية، ان العمليات العسكرية على وشك ان تشرف على الانتهاء في اليمن. و لكن ما تعنيه هذه التصريحات على الارض غير واضحة لان الغارات الجوية لا تزال تهز الارض اليمنية. و لكن المسوؤلية عن الفظائع التي ترتكب لا يمكن التغاضي عنها بمجرد احتمال قرب انتهاء العمليات العسكرية.
لقد آن الأوان لكي تنتهي هذه الجرائم التي ترتكب يومياً في حق المدنيين. و مع احتمال عقد محادثات سلام بين الطرفين في الكويت في الثامن عشر من نيسان، يتوجب على كافة اطراف الصراع، إعطاء الاولوية لمشاكل مهمة جداً: منها، حماية المصالح الطويلة الامد لليمنيين العاديين، ضمان وضع حد لفظائع هذه الحرب، وضمان تقديم المسوؤ لين عن جرائم الحرب من الطرفين الى العدالة.
و لا يمكن نسيان كل تلك الارواح البريئة التي ازهقت حتى لو تمَ طي هذا الفصل من حرب اليمن. و على كافة الدول العمل على ضمان عدم حصول اي من طرفي النزاع على الاسلحة و المتفجرات و الذخائر و التكنولوجيا لإدامة الحرب. كما يتوجب على المجتمع الدولي، ان يبذل كل ما في وسعه لضمان ان تقوم جهة دولية محايدة في التحقيق في الانتهاكات الفطيعة المرتكبة من قبل كل الاطراف لتحقيق العدالة و تعويض الالاف من ضحايا هذه الحرب المدمرة.


رشا محمد و روان شليف-مجلة الشؤون الخارجية الامريكية
ترجمة: د. عبدالله جاسم ريكاني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح