الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التكنوقراطية.. نفق مظلم جديد

حسين القطبي

2016 / 3 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


التكنوقراطية للعراق، طرحت بعيد دخول الامريكان في العام 2003، وظل الطرح قائما الى ان اصر السيد المرجع على السيستاني على اجراء انتخابات حرة في العراق واختيار النظام البرلماني، الديمقراطي. حينها قطع الطريق اليا عن التكنوقراطية، كونها نظام حكم يتعارض مع الديمقراطية.

ففي النظام الديمقراطي تتشكل الحكومة من الحزب (او القائمة) الفائزة بالانتخابات الحرة المباشرة من قبل الشعب.. اما في النظام التكنوقراطي فالحكومة تعين من مجموعة من العلماء والمهندسين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، وانما على اساس خبراتهم الادارية والتقنية...

وسبب طرح هذا النظام في العام 2003 كان لان العراق اعتبر في تلك الفترة على ابواب انفجار صناعي وتقني وبحاجة الى جهود متخصصة لادارة هذه الثورة العلمية الصناعية، داخليا، وبمساعدة ومشورة الولايات المتحدة التي كانت تعتبر نفسها وصية على العراق في فترته الانتقالية، انذاك، بين سقوط النظام الديكتاتوري وتعيين حكومة جديدة...

كانت بعض الاصوات تدعوا الى تاجيل مشروع الديمقراطية للعراق لحين نضوج شروط بنائها، على اعتبار العراق، الخارج للتو من واحدة من اعتى الديكتاتوريات، حينها، لم يكن مؤهلا لمشروع الحكم الديمقراطي، خصوصا وان معالم التيارات السياسية لم تكن واضحة، وخارطة الصراعات الحزبية كانت على درجة من الضبابية والابهام، وتحتاج لفترة من الزمن لكي تتضح في الذهنية العراقية...
هذه الفترة التي كانت تحتاجها الديمقراطية للنضج، هي الفترة الانتقالية التي تعددت الاراء حول كيفيتها، والصياغة الامثل لاسلوب الحكم فيها...

منهم من طرح فكرة حكومة انقاذ وطني، ومنهم من طرح اسلوب حكم (اهل الحل والعقد)، الى ان اختيرت فكرة (مجلس الحكم) الذي تالف حينها من 9 اعضاء يتناوبون على رئاسته شهريا..

انذاك كان طرح نظام الحكم التكنوقراطي هو احد الحلول المقترحة، وبالطبع يشترط تحقيق جملة عوامل اساسية لانجاحه، منها ضبط الوضع الامني، ورسم سياسات ثابتة وملزمة لقوانين استخدام الطاقة وحسم ملكية مصادرها، واختيار هيكلية ادارية واضحة مثل حدود الاقاليم وصلاحياتها، وجملة شروط اخرى كان يجب توفرها من اجل نجاح مهمة التكنوقراط في ادارة البلد..

والتجربة والزمن اظهرا ان اي من شروط نجاح تلك التجربة "التكنوقراطية" في العراق لم تتوفر في حينها، وحتى لو اختيرت كنظام حكم، انذاك، فما كان يكتب لها النجاح اصلا، لان ما افرزته تلك الحقبة كان بعيدا عن تصورات السياسيين والمراقبين ايضا، الذين دعوا لها....

وما ان جاءت دعوة السيد السيستاني لاجراء انتخابات برلمانية حرة، حتى انتهت الدعوة للتكنوقراطية كليا... وبالنظر لنتائج الانتخابات الاولى (2005)، ثم ما اعقبها من تدهر الوضع الامني، واستشراء الفساد الاداري الذي قفز للواجهة فجاة، اثبت بلا جدل بان العراق ليس فقط لم يكن على اعتاب ثورة صناعية، بل انه لم يكن مؤهلا حتى لاقامة نظام مؤسساتي اصلا.

واذا اوضحت التجربة ان النظام التكنوقراطي لم يكن سينجح في تلك الفترة، وهي اكثر ملائمة مما هو عليه الوضع الان، فانها بالتاكيد لن تكون ناجحة وليست مناسبة الان، والظروف اكثر صعوبة..

اليوم، اذ تتجدد الدعوة لاقامة نظام حكم "تكنوقراطي"، بما يعنيه ذلك من نكوص لمرحلة تعتبر سابقة للديمقراطية، انما هي دعوة غير مدروسة اولا، واول من يعارضها هم التقنيون انفسهم. وفوق ذلك فانها تحث في طياتها على تناسي تجربة الـ 13 سنة الاخيرة، وتدعو لتجريب نظام حكم جديد لم يجرب سابقا، لا في العراق، ولا في بلدان الشرق الاوسط (باستثناء ايران، لفترة قصيرة في اواخر السبعينات) ثانيا.

ولا احد يعرف الان، على ضوء قلة التجربة بالنظام التكنوقراطي، وندرة الدراسات عنه، اي عيوب ستظهر فيه، وماذا تكون نتائجه وتداعياته المستقبلية، ولا كم من الزمن ستستغرقه العملية لكي يقتنع العراقيون بعدها بان النفق الجديد هذا ليس مناسبا للعراق، وليس افضل حتى من نظام المحاصصة الديمقراطية، الذي صرنا نعرفه على الاقل، ونعرف الوجوه الانتهازية التي ادمنته، واستطعنا عبر هذه السنين تكوين فكرة ولو بسيطة عن طريقة الخلاص منهم، فماذا نعرف الان عن التكنوقراطية؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاتح مايو 2024 في أفق الحروب الأهلية


.. السداسية العربية تصيغ ورقة لخريطة طريق تشمل 4 مراحل أولها عو




.. آخرهم ترامب.. كل حلفائك باعوك يا نتنياهو


.. -شريكة في الفظائع-.. السودان يتهم بريطانيا بعد ما حدث لـ-جلس




.. -اعتبارات سياسية داخلية-.. لماذا يصر نتنياهو على اجتياح رفح؟