الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فانتازی-;-ا العثمانيە-;- الجدی-;-دة و تاثيراتها المدمرة علی-;- ترکی-;-ا

عبدالله جاسم ريكاني

2016 / 3 / 30
مواضيع وابحاث سياسية



فانتازيا "العثمانية" الجديدة و تأثيراتها المدمرة على تركيا

عبدالله جاسم ريکاني

في الثالث عشر من شهر آذار الحالي، إنفجرت قنبلة انتحارية في انقرة، العاصمة التركية، آخذةً معها حياة 37 شخصاً و جرح اكثر من 70 آخرين. و لقد كان هذا التفجير القاتل هو الثامن من نوعه تركيا فيمنذ حزيران 2015، و الثالث الذي يضرب قلب العاصمة التركية خلال خمسة اشهر تاركةً وراءها اكثر من 230 قتيلاً.

احدى الجماعات الكوردية تطلق على نفسها صقور حرية كوردستان، أعلنت مسوؤليتها عن هجوم كيزلاي. طبعاُ، لا يحتاج ان نقول انه ليس هناك مبرر لمثل هكذا أعمال و خاصةً عندما تنفذ ضد المدنيين المسالمين، و يجب إدانتها بأقسى الاوصاف و الكلمات. و لكن الحكومة التركية ايضاً تتحمل حصتها من المسوؤلية عن هذا الوضع المزري. وعلى المسوؤلين الاتراك المنتخبين الحفاظ على امن المواطنين. و لكن و لحد الآن، لم يتحمل او يعترف اي من الرئيس التركي او رئيس الوزراء او اي وزير من كابينتهم الوزارية، بحصتهم من اللوم و المسوؤلية ولم نرى مسوؤلاً امنياً واحداً قدم استقالته جراء فشلهم الامني اسوة بمسؤولي دول العالم الاخرى من التي تشهد مثل هذه الاحداث.
سوف يشعر المواطنون الترك خيراً عندما يقدم مسوؤل امني على تقديم استقالته، و لكم الحكومة التركية قد اعلنت ان أي مسوؤل يقدم على هذا الفعل، سيحاسب بتهمة الخيانة و التعاون مع الارهابيين. و عندما تجمهر المتظاهرون الذين حضروا الى موقع التفجير في انقرة، لم سيمح لهم بإبداء رأيهم او التنفيس عن غضبهم. بل و بالعكس تم استقبال مظاهراتهم السلمية بالعنف و الغاز المسيل للدموع و رذاذ الفلفل من قبل الشرطة.
يمتلك حزب العدالة و التنمية الحاكم العديد من "أكباش الفداء" في مخيلاتهم، ليحملوهم اسباب العنف المتزايد في تركيا، و لكن الحزب نفسه يجب عليه ان يتحمل قسطه من المسوؤلية ايضاً. ان عدم قبول الحزب الحاكم بإستمرار عملية السلام مع حزب العمال الكوردستاني، قمعه للحريات الشخصية، قمعه لحرية الاعلام و حرية الكلام، إحتقاره للديموقراطية البرلمانية و ميله المتزايد للسلطوية الدكتاتورية، اصراره على استقطاب و تقسيم المجتمع التركي، عدم احترامه لسلطة القانون، إتهام كل معارض له بالخيانة، دعمه المتهور و غير المسؤول للارهابيين في سوريا، كل هذه الاسباب ساهمت في ايصال تركيا الى هذا الوضع الكسيف. و الان و بدلاً من ينظر الحزب الى نفسه في المرآة لكي يطلع على صورته الحقيقة، تصر حكومة حزب العدالة و التنمية على خنق منتقديها بموجة جديدة من القمع.
بعد هذا الاستقطاب و التمزق المجتمعي الذي لم تشهده تركيا سابقاً، باتت تركيا على بعد خطوات من "الانتحار الجماعي". الاقتصاد الذي كان يتشدق به حزب اردوغان على انه احد اكبر انجازاته، في حالة مريعة. صناعة السياحة التركية هبطت الى حالة الركود تقريباً بعدما ألغى السواح الروس و الاروبيون حجوزاتهم السياحية. علاقات تركيا مع دول الجوار و الحلفاء التقليدين لتركيا في أسوء حالاتها. اردوغان يعتبر روسيا، سوريا، ايران، العراق، اسرائيل، و ارمينيا أعداءأ له. و ينظر بعين الريبة و الشك الى الامريكان و الاروبيين. و رغم كل المخاطر الامنية المحدقة بتركيا، لا يبدو الحزب الحاكم مهتماً بتغيير نهجه في حكم البلاد.
بعد التفجير الاول الذي حدث في انقرة في اكتوبر 2015، و الذي قتل فيه اكثر من 100 شخص و جرح اكثر من 400، لم يقم الرئيس التركي او رئيس وزرائه بزيارة منطقة التفجير إلاً بعد مرور اربعة ايام. و كلاهما حمًلا المسوؤلية على حزب العمال الكوردستاني و سوريا، و عندما تبين للشرطة التركية ان الارهابيين المنفذين للعملية الارهابية هم اتراك و من خلايا داعش، التزم كل من الرئيس و رئيس وزرائه الصمت و لم ينبسوا ببنت شفة و لم يشيروا حتى الى الفشل الامني لحكومتهم. كما لم يحضر اي من الرئيس او رئيس الوزراء جنازات و فواتح الضحايا لانهم كانوا على يقين ان اهالي الضحايا لم يكونوا ليستقبلونهم إلاً كجناة.

كيف وصل الامر بتركيا الى هذا الحد؟

منذ وصول اردوغان الى سدة الرئاسة في 2014، اقدم على استبدال النظام البرلماني بنظام" حكم الرجل الواحد" كأمر واقع. لقد اختفت الصحافة الحرة كلياً و فعلياً، العشرات من الصحفيين و بضمنهم رؤساء تحرير صحف المعارضة الرئيسية فقدوا وظائفهم او انتهى بهم الحال خلف قضبان السجون بسبب انتقادهم لحكومة السيد اردوغان. تم غلق العديد من الصحف او ايقافها عن العمل بحجج قانونية واهية. طبقاً للجنة حماية الصحفيين، هناك 110 صحفي معتقل في تركيا للفترة من 2012-2015. و في الفترة من 2014-2015، يعتقل يومياً شخص واحد و يودع في السجن بتهمة إهانة أردوغان، و تصل مدة السجن في هكذا تهمة الى اربع سنوات.

اكثر من 92% من اوامر المحاكم الحكومية على مستوى العالم في عام 2015، والتي تقضي بحذف تغريدات المغردين على شبكة تويتر كانت صادرة من الحكومة التركية. كما شملت حملة التطهير الحكومية ضد المعارضين، رجال الاعمال و اصحاب البنوك بتهمة معارضة النظام، مما ادی-;- الى ارباك و انسحاب المستثمرين من تركيا.

وبطلب و أوامر من الرئيس، قام المدعون العامون بفتح ملفات تحقيق بحق الالاف من الاكاديميين و المثقفين. و العديد منهم قد تم اعتقالهم بالفعل بتهم الارهاب، فقط، لانهم وقًعوا التماساً للحكومة يدعون فيه الى وقف القتال في جنوب شرق تركيا و اعادة احياء عملية السلام. و مؤخراً، تم ترحيل بروفيسور بريطاني أمضى اكثر من 25 عاماً في مهنة التدريس في اسطنبول تحت دعاوى "الترويج للارهاب". يبدوا ان لا أحد بقي لكي يستطيع ايقاف السياسات الكارثية الداخلية و الخارجية لحزب اردوغان بعد أن تمً تشويه سمعة المعارضة و إغلاق الصحافة الحرة و اسكاتها كاملةً في تركيا. و لا يبدوا مستغرباً ان تعود تركيا الى الحرب الاهلية و خاصةً بعد الاستقطاب و الشرخ العميق الذي حدث في المجتمع التركي.

في شهر تموز، وكجزء من خطة الحكومة لاستعادة اصوات الوطنيين الترك التي خسرها حزب اردوغان في انتخابات حزيران، نسف الرئيس اردوغان مباشرة من قبله، مفاوضات السلام مع حزب العمال الكوردستاني. و بعدها استأنف حزب العمال الكوردستاني عملياته العسكرية، ناسفاً بذلك اي أمل متبقي للحل السلمي لصراع الدولة التركية المزمن مع الكورد.

حزب ديموقراطية الشعوب الكوردي و الحاصل على 59 مقعداً في البرلمان التركي و الذي يعتبر ضماناً لالتزام المجتمع الكوردي بعملية السلام مع تركيا و يتطلع الى ان يصبح حزباً ليبرالياً لليسار التركي بأكمله، اصيب بإحباط و التهميش بعد عودة الحرب بين الكورد و تركيا، عندما إتهم من قبل الحكومة التركية و بعض شرائح المجتمع التركي ايضاً بالفشل في ابعاد نفسه بصورة كافية عن سلطة حزب العمال الكوردستاني. و لا يبدوا واضحاً فيما اذا سيبقى حزب ديموقراطية الشعوب في البرلمان حتى، لان الحكومة تحاول جاهدةً نزع الحصانة البرلمانية عن أعضائه بتهم دعم الارهاب. و هذا سيبقي حزب العمال الكوردستاني و حركته المسلحة، القوة الوحيدة التي بإمكانها إدعاء تمثيل مطاليب الشعب الكوردي في تركيا. أي، سيرزح المجتمع المدني الكوردي تائهاً بين مطرقة حزب العمال و سندان حكومة اردوغان. و من المؤكد ان هذا المصير ليس بالذي تتمناه الشعوب التركية لدولتهم.

منذ انهيار عملية السلام، بدأت الحكومة التركية حملتها ضد حزب العمال الكوردستاني بقوة مفرطة، و اتبع اسلوب فرض حظر التجوال العسكري الطويلة الامد، مما حول المدن الكوردية الى سجون حقيقية. استناداً الى تقرير مجموعة الازمات الدولية، قامت الحكومة التركية بفرض حظر التجوال و العزل العسكري ل59 مدينة كوردية من التي تشهد نشاطات مسلحة منذ الصيف الماضي.الحياة اليومية للسكان في مدن جنوب شرق تركيا قد توقفت. العديد من المناطق باتت غير مأهولة بالسكان بعد ان هجرها اصحابها. و في بعض الاماكن، اكثر من 80% من الابينة قد تهدمت.

في الوقت ذاته، تتهم منظمات حقوق الانسان الحكومة التركية بإرتكاب اتهاكات فظيعة لحقوق الانسان. و من بين الانتهاكات العديدة، فرض العقوبات الجماعية على المدن الكوردية من قبل الجيش. هناك تقارير حول استخدام العنف ضد المدنيين، ووصل عدد الضحايا الى المئات من بينهم اطفال و نساء و كبار السن. الالاف من الطلاب حرموا من الذهاب الى مدارسهم، و في بعض المناطق، اغلقت المؤسسات الصحية كاملةً. اكثر من ربع سكان المناطق المشمولة بالحظر العسكري قد اجبروا على النزوح من بيوتهم خوفاُ على حياتهم، و قد يصل عددهم الى اكثر من 355000 الف شخص حسب تقدير وزير الصحة التركي.

الصور و المشاهد الفظيعة القادمة من هذه المدن، تشبه مشاهد تدمير مدينة درسدن الالمانية بعد الحرب العالمية الثانية. و كان جواب السيد رئيس الوزراء التركي على انتقادات المنظمات الدولية قوله، عندما ستبني الحكومة هذه المدن ثانيةً، سيكون مظهرها اجمل من مدينة توليدو الاسبانية!!.

و ما يثير القلق حقاً هو الصمت المطبق داخلياً و خارجياً حول هذه الفظائع. القادة الاوروبيون قد غضوا الاعين و الابصار عن فظائع حكومة اردوغان بسبب خوفها من انتقام اردوغان المتمثل في اغراق اوروبا باللاجئين . كما ان القرار الاوروبي في وقف مباحثات انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي، ساهم في صعودالنزعة الدكتاتورية للحزب الحاكم في تركيا.

الحكومة الامريكية تحاول الحفاظ على شعرة معاوية مع الحكومة التركية بسبب حربها مع داعش. و لان الدعم الامريكي للجماعات الكوردية السورية و التي تعتبرهم انقرة ارهابيين! قد ازعج حكومة اردوغان، لذلك، فان امريكا لا تريد ان تزعج حليفتها عضوة الناتو اكثر من ذلك.

كما ان العلمانيين الاتراك و الذين يكنون كرهاً متساوياً لكل من اردوغان و حزب العمال الكوردستاني معاً، ليسوا بذي فائدة ايضاً لوقف النزيف التركي. و لهذا السبب، يشعر و يعتقد الغالبية من الكورد من ان زهق المزيد من أرواحهم لا يهم احداً.

ان فانتازيا "العثمنة و السلطنة الجديدة" التي اصيب بها السيد اردوغان و حكومة حزبه، و الايديولوجيا الاسلامية السنية القومية و الطائفية التي تتسم بها سياسات أردوغان و حزبه، قد مزقت الدولة التركية إرباً إرباً. قبل فترة ليست بالبعيدة، كانت تركيا تصنف على انها "مصدر استقرار للشرق الاوسط و منطقة البلقان"، بسبب جيلها الشاب من خريجي الكليات الاكفاء، بضاعتها الجيدة و المصنوعة بكفاءة، اماكن الاثار التاريخية التي امرت اليونسكو بالحفاظ عليها، وسواحلها المدهشة. و اليوم و بدلاً من ذلك، اصبحت تركيا مصدرة لعدم الاستقرار و الحروب الاهلية.
لا شك، ان الشعب التركي ، يستحقون الافضل من هذا الذي يقوم به السيد اردوغان و حكومته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله