الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة الخرفنة

جعفر المظفر

2016 / 3 / 31
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


ثقافة الخرفنة
جعفر المظفر
قبل ربع قرن تقريبا, وفي أواسط الثمانينات كما أتذكر, مرت على العراق ثلاثة سنوات مجدبة تماما بسبب شحة سقوط الأمطار, وصار من النادر حينها أن ترى عشبا في الأراضي الهابطة جنوبا أو الصاعدة شمالا. بعض ما أتذكره رؤية الماشية وقد أصابها الهزال وبان عمودها الفقري. أما المثير في المشهد فرؤيتي للبعض منها وهو يحاول تسلق بعض الأشجار سعيا للوصول إلى أغصانها العالية.
ولأن الخراف هي من جنس الحيوانات التي لا تملك خاصية التسلق, كالقردة والنمور والزواحف مثلا, فإن محاولاتها البائسة كانت تنتهي على مسافة قليلة من الجذع, وكان منظر سقوط الحيوان المتكرر مثيرا للشفقة. ولأن الطبيعة غير قادرة على تطوير وسائل التسلق عند تلك الخراف إلا بعد مرور قرون وقرون من التكيف البيئي فالأكثر توقعا كان موت الخروف جوعا قبل تحوله إلى قرد متسلق أو نمر خارق.
ما يحدث اليوم هو قريب صلة بهذا المنظر المفزع. لقد إرتضى العراقيون بمجموعة حاكمة سعت من أجل تحويلهم إلى خراف, وكانوا سعداء بما يلقيه زعماء هذا النظام عليهم من فتات العشب, حتى إذا جف ضرع الأرض ولم تعد تنبت عشبا يكفي, وبعد أن أصاب الهزال القطيع فإن محاولته البقاء على قيد الحياة تدفعه اليوم إلى محاولة تسلق الأشجار وصولا إلى البقية من أغصانها الجافة, فتراه في كل محاولة يسقط بائسا إلى الأرض دون أن ينال حتى ولو ورقة صغيرة يابسة.
لو ظلت أسعار النفط على حالها قبل ان تطيح بها الأزمة الأخيرة لظل شعبنا مستمتعا بنعمة الزيادة في رواتب عمله رغم أن تلك الزيادة كانت بمثابة رشوة دفعها لصوص الحكم من أجل أن تغض الناس نظرها عن الكثير من مساوئه, ولم يكن من الصعب معرفة ان زيادة الأجور تلك لم تكن تنيجة إزدهار إقتصادي تنج عن نهضة تنوية طموحة وذات بني راسخة وإنما كانت عبارة عن تراكم شحم حسبه الناس لحما. وهو شحم كان معرضا للذوبان عند أول إرتفاع في درجة الحرارة.
لقد أفلح النظام الطائفي البائس في جعل الكثيرين ينظرون إلى الحالة من خلال ثقب إبرة,. قسما رشَوْه بزيادة الرواتب, وآخر رشَوْه بالشهادة الثالثة, وبكل مظاهر الحزن المتخلف في ذكرى رجل عظيم لو كان يدري أن إستشهاده سيجر إلى كل هذا التخلف والإستغفال لما كان إستشهد.
بل لعله كان فَضَّل الصلح مع يزيد على أن يجري تسويق دمه لصالح تكريس الجهل وخرفنة الناس وسرقة أموالهم وتضييع وطنهم.
حتى المعارضة على الطرف الاخر مسخوها بالتدريج وحولوها إلى ضد طائفي بائس يشاركهم الغنيمة وفق نظام المحاصصة ذات التوزيع العادل لأسهم الفساد.
إن أغلب الأنظمة التي مرت على العراقيين, وليس فقط على هذا النظام الإسلاموي الطائفي المتخلف, قد ساهمت في بناء ثقافة القطيع. حتى مفهوم الطليعة الثورية كان خضع إلى سياسة (الخرفنة) فأصبح القطيع يمعمع عندما كان القائد الثوري يأمره بالمعمعة.
وفيما بعد اقنعونا ان الديمقراطية هي النظام الأفضل للبناء والتقدم, لكن الطائفية والثقافة المُعمَّمَّة سرعان ما خَرْفَنْت هذا النظام بما عزز صواب أفكارنا حول الخطر الفظيع للفكر الديني السياسي وللطائفية على رأسه.
لن يُقدَّر للعراقيين الخروج من ورطتهم المدمرة هذه ما لم يتيقنوا أن طريق الخلاص التاريخي لا يحتاج إلى قادة إستثنائيين, أو إلى عمامات مقدسة, أو إلى مسوقي تاريخ, وإنما إلى بشر بسيطين أسوياء يتمتعون بنعمة العقل وحرية الرأي والقرار, بشر لا يقبلون بنظام الخرفنة ولا يستجيبون لسياسة المعمعة.
ما لم يحاول شعبنا قلع هذا النظام من جذوره وتحقيق ثورة علمانية إنسانية وطنية شاملة, ولا يراهن على إصلاح يأتيه من شلة لصوص, سيكون في مواجهة أن يتحول إلى مجموعة من متسلقي الأشجار الضعاف الواهنين الساعين للوصول إلى ما تبقى من أغصانها ووريقاتها الذابلة, بعد أن يتحول إلى شعب نباتي رغم أنفه.
لكن حين تنقطع الأمطار, وتنصرف الأنهار ولا يعود شط العرب غير بحيرة ملح ستختفي من أرض الفراتين آخر نخلة.
وقبل ذلك سيختفي آخر سياسي طائفي فاسد لكي يعيش على الثروة التي جمعها بفضل مهنة الخرفنة.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - القائد الضروره
د.قاسم الجلبي ( 2016 / 4 / 2 - 11:05 )
شعب العراق مر بعصور تاريخيه مختلفه والاكثريه منهم يتلونون بفكر السلطه , كل منا يتذكر كيف كان الشعب العراقي يهتف لقائد الضروره بالروح بالدم نفديك ياصدام , الاكثريه تمدح وتغني من اجل ارضاء هذا الحاكم الشاذ عقليا والذي ادى بنا الى حروب عبثيه من قتل وتعويق للشباب , كل هذه الامور جعلتهم خرفان ونعاج من اجل استرضائه, وكان العديد من الوزراء يساعدون هذا اللعين بمساعدته في الباسه لباس الحمام او حتى الرتداء حذائه, لم يشربوا الشاي الا عندما يأذن لهم, والكثير لبسوا جلباب الحكومه من اجل الحصول على بعثه دراسيه وقسما منهم وشوا بعوائلهم واصدقائهم من اجل ان يصعدوا الى مراتب عليا لحزب البعث, علينا ان لانستثني مرحله من مراحل هذا الشعب , المثقفون والواعون هم القله اللذين لم يركبوا هذه الموجه العفنه فتركوا البلد وانزوا في دول العالم حفاظا على سلامه توجوههم وعقولهم ولم يكونوا يوما خرافا ونعاج لهؤلاء السلفه الموبؤن الساديون اللذين نهبوا البلد وجعلواشعبنا لقمه سائغه لمن جاءوا من بعدهم , مع التقدير


2 - الحزب القاْئد والحزب التابع
طلال السوري ( 2016 / 4 / 2 - 14:10 )
الشيوعيون هم اول من تحالف مع البعث في سلطة لاوطنية ولاشرعية وزكى البعث وصدام شخصيا كحزب قائد ومكنه من التحكم في رقاب العراقيين


3 - رائع كالعادة
يونس حنون ( 2016 / 4 / 4 - 02:22 )
تحليل رائع كالعادة من كاتب يزن كل كلمة بميزان الصدق قبل ان يكتبها ، نعم الغالبية الجاهلة ترضى بدور الخرفان في كل مواجهة مع الحكام السفلة .... وحتى المطالبة بالتغيير الذي بدأته قلة من المثقفين والشجعان تحول فيما بعد الى فاصل من مظاهرات المعمعة يقودها احد معممي زمن الطائفية والتذلل والذي اقسم انه لايعرف معنى تكنوقراط .....ولذلك فلا تغيير قادم ولا بطيخ ..ان صح التعبير


4 - رائع كالعادة
يونس حنون ( 2016 / 4 / 4 - 02:22 )
تحليل رائع كالعادة من كاتب يزن كل كلمة بميزان الصدق قبل ان يكتبها ، نعم الغالبية الجاهلة ترضى بدور الخرفان في كل مواجهة مع الحكام السفلة .... وحتى المطالبة بالتغيير الذي بدأته قلة من المثقفين والشجعان تحول فيما بعد الى فاصل من مظاهرات المعمعة يقودها احد معممي زمن الطائفية والتذلل والذي اقسم انه لايعرف معنى تكنوقراط .....ولذلك فلا تغيير قادم ولا بطيخ ..ان صح التعبير

اخر الافلام

.. أعادت حزب العمال للحكم.. تعرف على نتائج الانتخابات العامة ال


.. بريطانيا تنتخب حزب العمال.. وفرنسا تتجه صوب اليمين المتطرف |




.. هل يجني البريطانيون ثمار اختيارهم السياسي بعد فوز حزب العمال


.. البارون واجيد خان: حزب العمال البريطاني حريص على السلام في ا




.. ديفيد لامي من أصغر نواب حزب العمال إلى وزير خارجية بريطانيا