الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقدمات انهيار الدولة المركزية في سوريا

معتز حيسو

2016 / 4 / 1
مواضيع وابحاث سياسية




حتى لحظة انطلاق «الربيع السوري». كانت سوريا تمثل شعباً واحداً في إطار دولة موحدة تسيطر فيها السلطة على فائض من القوة القهرية. مع ذلك لم يخلط السوريين بين أولوية الانتقال إلى الحرية، والتخلص من سلطة القمع والخوف من جهة. وبين رفضهم لتدمير سوريا، أو تمزيق وحدتها الجغرافية، وتماسكها الاجتماعي من جهة أخرى.
بالمقارنة بين التجارب الفيدرالية في البلدان المتقدمة. وبين إعلان حزب الاتحاد الديمقراطي وحركة المجتمع الديمقراطي وأطراف أخرى عن تشكيل المجلس التأسيسي للاتحاد الفيدرالي الديمقراطي لروج آفا. نلحظ إن الأولى تأسست على أرضية ثقافية ومجتمعية حداثية مكّنت تلك الشعوب من تقرير مصيرها بنفسها، فجاءت عملية الفدرلة استجابة لإرادة تعاقدية، وتعبيراً عن حاجات داخلية ومصالح عليا. فكانت تتويجاً لترسخ السلم الأهلي وسيادة منطق التقدم. فيما إعلان الفيدرالية الكردية فإنه يتعلق باعتقاد الأكراد بملائمة الظروف الدولية. ونتيجة تصدُّع التعايش بين الطوائف والمذاهب والقوميات بفعل الحرب الراهنة. فكان إعلانهم للفدرالية في لحظة «تفكك الدولة والمجتمع» ومترافقاً مع حضور طاغي لقوى دولية وإقليمية وأخرى عربية، اشتركت في معاداتها لقيم الحداثة والتنوير، وفي ظل مناخ عالمي يتسم بالفوضى والتداخل والتباين، وتضخم الأزمات الدولية. في السياق ذاته فإن النظر إلى سورية من خلال مكوناتها الأولية سيؤدي إلى تذريرها على أسس قومية ودينية وطائفية وعشائرية ومناطقية. بينما تقتضي اللحظة الراهنة التأكيد على حق جميع السوريين بالتمتع بالحقوق التي أقرتها المواثيق الأممية. ومعالجة أوضاع الأكراد وغيرهم من الأقليات في إطار دستور جديد، وانطلاقاً من الحوار بين السوريين.
إن تطابق حدود الفيدرالية مع الحدود الجغرافية التي ترسمها الحرب في سورية وعليها. يؤسس لفيدرالية فاشلة. من جهة ثانية، فإن التداخل المذهبي والطائفي والقومي يحدُّ من قيام مناطق صافية عرقياً أو مذهبياً في أي نموذج فيدرالي محتمل. ما يجعل من الكيانات المحتمل نشوءها مدخلاً لحروب مديدة، وإلى انهيار الدولة المركزية واستبدالها بنماذج أخرى وظيفية أكثر هشاشة وتأزماً. وإذا كانت معالجة التحولات المذكورة، تقتضي امتلاك السوريين زمام أمورهم. فإن تفريغ سوريا من قواها السياسية والاجتماعية الحقيقية، وتحويلها إلى ملعب مفتوح يتحكم في مفاتيحه أطراف إقليمية ودولية تتباين في توجهاتها ومصالحها، يفتح الطريق أمام تشظي سوريا، وما تحمله من لمحات حضارية.
إن فدرلة سوريا أو تقسيمها أو فرض النموذج اللبناني. سوف يساهم في انفتاح سوريا على مزيد من التدخلات الدولية، ويجعلها رهينة تناقضات ومصالح دول كبرى متعددة. إضافة إلى أنه يساهم في تجدد الصراع على أسس ومقدمات تستند إلى خطوط استنزاف جديدة تتجاوز في أبعادها التدميرية، تقسيمات سايكس بيكو. ويعود السبب في ذلك إلى تداخل أطراف الصراع والتناقضات المحمولة على عوامل دينية وعرقية وإثنية. وذلك يتناقض مع ميول السوريين وطبيعتهم وأهدافهم. إضافة إلى أن إعادة ترسيم الخرائط الجو سياسية يتم بمعزل عنهم، وفي ظل تجاهل الإجماع السوري الذي يحتاج تظهيره إلى مناخات سياسية مستقرة يستطيع فيها السوريين التعبير عن إرادتهم بشكل حر ومستقل. فالمجتمع السوري يتمتع بالتعدد والتنوع الثقافي. وبمقدار ما يحمل ذلك من ميزات إيجابية في ظل أوضاع سياسية واجتماعية مستقرة. فإنه يتحوّل إلى أكثر المصادر خطورة في حال تم توظيفه سياسياً. ونشدد في هذا السياق على أن نموذج الحكم الطائفي يفتح الباب واسعاً أمام تمكين مبدأ المحاصصة، وهيمنة زعماء الطوائف والطغم المالية، ويرتبط مع تعميق الارتهان السياسي والتبعية الاقتصادية للرأسمال العالمي. ومعلوماً أن النظام الطائفي يتجاوز حدود تمثيل الطوائف سياسياً إلى إجهاض أي تحوّل سياسي وطني ديمقراطي. ويتجلى ذلك من خلال آليات اشتغال تضبط الفئات الاجتماعية وقواها السياسية ضمن أطر الطوائف. بينما العمل السياسي الوطني الديمقراطي يتجاوز بحكم تركيبته وطبيعته المفتوحة على المجتمع، حدود الطوائف، ويؤسس إلى توحيد القوى المجتمعية، وتحويلها إلى قوة سياسية قادرة على تجاوز الأطر الطائفية. وإذا كان استنساخ النموذج اللبناني في سوريا يتقاطع مع ما صرَّح به الموفد الأممي إلى سوريا ستيفان دي مستورا في عام 2015 ، والذي أشار فيه إلى أن تطبيق «النموذج اللبناني ينسجم مع التنوع الموجود في سوريا، ويساعد على الخروج من الأزمة». فإن الإعلان الأحادي لبعض الفصائل الكردية عن إعلان فيدرالية على جزء من الجغرافية السورية، يتقاطع مع التصريح الذي أدلى به السيد سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي، ومع ترويج واشنطن لما بات يعرف بـ «الخطة باء». وجميعها يكشف عن مخاطر تفتيت بنية الدولة المركزية وتحويلها في سياق الصراع الراهن، إلى كانتونات مأزومة تغلق الأبواب أمام أي تحوّل سياسي وطني ديمقراطي يؤسس إلى بناء دولة علمانية موحدة. إضافة لذلك، فإن الآليات التي تشتغل عليها المجموعات الجهادية التكفيرية تشكل تهديداً مباشراً للأقليات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضفة الغربية: قتلى فلسطينيين في عميلة للجيش الإسرائيلي بقرب


.. غزة: استئناف المحادثات في مصر للتوصل إلى الهدنة بين إسرائيل




.. -فوضى صحية-.. ناشط كويتي يوثق سوء الأحوال داخل مستشفى شهداء


.. صعوبات تواجه قطاع البناء والتشييد في تل أبيب بعد وقف تركيا ا




.. قوات الاحتلال تنسحب من بلدة بطولكرم بعد اغتيال مقاومين