الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما تكذب الامبراطورية

سامية ناصر خطيب

2005 / 11 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


كذبة جديدة تضاف الى قائمة اكاذيب الادارة الامريكية في ملف الحرب على العراق. هذه المرة الفضيحة هي استقالة لويس (سكوتر) ليبي، مدير مكتب نائب الرئيس لشؤون الامن القومي ريتشارد تشيني، وذلك بعد تقديم لائحة اتهام بحقه. التهمة الرئيسية الموجهة اليه هي الكذب تحت القسم اثناء التحقيق معه في فضيحة تسريب اسم وكيلة الاستخبارات سي. اي. ايه لوسائل الاعلام.
سامية ناصر خطيب

"فضيحة العصر" هو الاسم الملائم للحرب الامريكية على العراق. حرب اعتمدت من اليوم الاول على الكذب والتزوير. انها حقيقة تاريخية لن تمحوها اصوات الاعتذار والاسف التي نسمعها من كل حدب وصوب. والثمن الذي ستدفعه الادارة الامريكية على كذبها بات امرا محتوما، وهو يبدو واضحا في ضرب مصداقيتها وهبوط شعبية الرئيس الامريكي، جورج بوش، الى 37%.

قضية الكذب الجديدة التي تزعزع هذه الايام الادارة الامريكية، هي استقالة لويس (سكوتر) ليبي، مدير مكتب نائب الرئيس لشؤون الامن القومي ريتشارد تشيني، وذلك بعد تقديم لائحة اتهام بحقه. التهمة الرئيسية الموجهة اليه هي الكذب تحت القسم اثناء التحقيق معه في فضيحة تسريب اسم وكيلة الاستخبارات سي. اي. ايه لوسائل الاعلام. صحيح ان تسريب اسم الوكيلة امر خطير ولكنه ليس بالدرجة التي تزعزع ادارة باكملها، فما السر وراء الضجة الكبيرة؟

يتضح ان عملية التسريب جاءت على خلفية إعداد الادارة الامريكية ملف الحرب على العراق، لاقناع العالم بان نظام صدام حسين يشكل خطرا داهما على امن امريكا والعالم. وقد لعب ليبي دورا مركزيا في بناء هذا الملف. غير ان زوج وكيلة المخابرات، وهو سفير امريكي سابق الى دولة النيجر الافريقية، المدعو جوزيف ويلسون، كشف زيف الحقائق التي اعتمدت عليها الادارة، فارتأت الاخيرة تصفية الحساب معه. وفيما يلي تفاصيل القضية:



اصل الحكاية

قررت الادارة الامريكية الحرب على العراق، وفقط من بعدها راحت تبحث عن البراهين. الحجة التي اعتمدتها كانت الخطر الذي يشكله النظام العراقي على امن المواطن الامريكي والعالم. واتهم النظام بامتلاك اسلحة الدمار الشامل، وبتدريب عناصر من تنظيم "القاعدة".

وكالة الاستخبارات الامريكية جُنّدت لموضوع البحث عن "البراهين"، غير انها كما يبدو لم تؤد "البضاعة" المطلوبة بالصورة التي ارادتها الادارة. فقامت وزارة الدفاع، برئاسة دونالد رامسفيلد، التي دفعت بشدة باتجاه خوض الحرب، بتشكيل قسم استخباراتي خاص في وزارة الدفاع نفسها، ليؤدي المطلوب. التوتر بين مركزي المخابرات تحول الى مشكلة داخلية حقيقية، وقد تعمق الشرخ مع انفجار قضية ليبي.

وفي حين ارادت الادارة الاعتماد على معلومات وردتها من المخابرات الايطالية معتمدة على مصادر مجهولة ومشكوك في صحتها، تقول ان مسؤولين عراقيين تعاقدوا مع دولة نيجر الافريقية، لشراء اليورانيوم الخام. وللتحقق من الامر قامت السي اي ايه بارسال السفير السابق جوزيف ويلسون الى النيجر. وقد عاد ويلسون من رحلته باثباتات على زور المعلومات، ورفع تقريرا بهذا الشأن للادارة الامريكية. وكان المفروض ان يسقط هذا التقرير احد اهم الذرائع للحرب، ولكن الادارة تجاهلت الموضوع.

وقد قام الرئيس بوش بادراج المعلومات التي ثبت زورها، في الخطاب الذي القاه في كانون ثان 2003 تمهيدا لشن العدوان. وقال ان معلوماته مستقاة من المخابرات البريطانية، وليست الايطالية.

بعد سبعة اشهر من احتلال العراق، خرج السفير ويلسون عن صمته، ونشر مقالا في صحيفة "نيويورك تايمز"، قال فيه انه "ذهل" حين سمع الرئيس بوش يردد مزاعم صفقة اليورانيوم بين العراق والنيجر، رغم انه ابلغ السلطات الامريكية بما في ذلك البيت الابيض بكذب هذه المعلومات.

مقال ويلسون اثار موجة من ردود الفعل العاصفة. وردت الادارة الامريكية بتسريب معلومات هدفت الى الطعن بمصداقية ويلسون، كان من اهمها كشف اسم زوجته فاليري بلايم كوكيلة للمخابرات المركزية، والادعاء انها وقفت وراء تكليفه بمهمة النيجر ليستفيد ماديا. وتعتبر عملية التسريب جريمة فيدرالية حسب قانون سن عام 1982، ومن الممكن ان تصل عقوبتها بالسجن لمدة 30 عاما وغرامة تتجاوز المليون دولار.

تم تسريب المعلومات لثلاثة صحافيين من ثلاثة صحف، هم روبرت نوفاك من "واشنطن بوست"، وماثيو كوبر من"تايم"، وجوديت ميلر من "نيويورك تايمز". ولان الرياح تجري احيانا بما لا تشتهي السفن، فقد رفعت اسرة ويلسون دعوى تشهير ضد الصحف التي نشرت هذه المعلومات، خاصة ان المخابرات المركزية اصرت ايضا على الكشف عمن سرّب اسم العميلة السرية بلايم.



التحقيق في التسريب

بدأ التحقيق في الامر قبل نحو 20 شهرا، وتم لهذا الغرض تشكيل هيئة محلفين عليا برئاسة المحقق الفيدرالي المستقل، باتريك فيتزجرالد. وطال التحقيق حتى الرئيس جورج بوش ومستشاره الاول كارل روف، ووزير الخارجية السابق كولين باول، والوزيرة الحالية كوندوليسا رايس، بالاضافة لسكوتر ليبي، الا انهم جميعا انكروا صلتهم بالقضية.

كما تم التحقيق مع الصحافيين الثلاثة لمعرفة مصدر التسريب. وادلى نوفاك بمصدره وقال انه كارل روف، وكذلك جنّبت مجلة "تايم" مراسلها كوبر عقوبة السجن، وكشفت عن مصدر معلوماتها وهو روف مرة اخرى، وسلمت كل الرسائل التي كانت بحوزتها في هذا الشأن.

اما الصحافية ميلر من نيويورك تايمز فقد رفضت الادلاء بمصدر معلوماتها متمسكة بما اسمته "حقها الدستوري" في الاحتفاظ بالمصدر، الامر الذي استدعى الحكم عليها بالسجن. بعد نحو 80 يوما قضتها في السجن، صرّحت الصحافية ميلر بان سكوتر ليبي كان المصدر، فكشفت بذلك انه كذب اثناء التحقيق معه تحت القسم. واليوم يمثل امام القضاء بتهمة تضليل العدالة والكذب تحت القسم، بالاضافة لتسريبه اسم الوكيلة.

ومع ان المحكمة تجنبت توجيه لائحة اتهام ضد كارل روف، الذي يعتبر الرأس المدبر بالفعل للحرب على العراق، ولاستراتيجية الرئيس بوش، الا ان التحقيق يلف حبل المشنقة على رقبة ادارة بوش. ومن هنا جاء القرار بالتضحية بسكوتر ليبي، ككبش فداء. ويعد ليبي تلميذا لبول وولفوفيتش منذ كان استاذا في جامعة ييل (Yale)، وقد جلبه معه لوزارة الدفاع اثناء كان تشيني وزيرا للدفاع في ادارة بوش الاب.

وقد كان ليبي عضوا في طاقم اسسه ولفوفيتش وتشيني عام 1992 لاعداد استراتيجية الدفاعات الامريكية في الفترة التي اعقبت الحرب الباردة، وهو ما يعرف بعقيدة بوش- رامسفيلد التي تعتمد على الضربات الوقائية لتحييد اعداء امريكا قبل وصولهم اليها. وفي جوهر هذه الخطة ضرب العراق كمدخل لتثبيت الهيمنة الامريكية على العالم. كما شارك ليبي في لجنة الحرب على العراق، او ما يعرف ب "مجموعة حرب العراق" (Iraq War Group). وكان دورها تسويق فكرة الحرب على العراق للرأي العام الامريكي.

وقد تلخص دور ليبي في كتابة السيناريو المناسب للحرب، وكان عليه "طبخ البراهين"، كاسلحة الدمار الشامل والعلاقة مع القاعدة. وكل من عارض هذا التوجه، اعتبر عدوا سياسيا يجب تلقينه درسا، تماما كما حدث مع السفير ويلسون.



هل يحاسَب العقل المدبر

رغم ان القضاء الامريكي حقق طويلا مع كارل روف، المستشار الاول للرئيس الامريكي، ولكن لا يعرف بعد ما اذا كانت ستقدم ضده لائحة اتهام. ويرجح ان الاقدام على خطوة من هذا النوع ضد روف، سيشكل زلزالا قويا لن يستطيع بوش تحمله. فروف هو الاب الروحي والعقل المدبر لسياسته واستراتيجيته، وصاحب الفضل في ايصاله للسلطة بفعل خططه الانتخابية مع الامريكان المتدينين في الجنوب. من هنا فاتهام روف سيكون معناه اتهام بوش، وسقوطه عندها سيكون محتوما.

لقد دفع بوش ثمن هذه الفضيحة، في اول امتحان انتخابي لمنصب الحاكم في ولايتي نيوجرسي وفيرجينيا، حيث تقدم المرشحان الديموقراطيان على منافسيهما الجمهوريين. النقاش حول تصرف إدارة بوش بالمعلومات الاستخباراتية اصبح موضوع جدل كبير جدا داخل الكونغرس الى جانب الانتقادات اللاذعة حول ادائه للحرب. الكثير من النواب الذين صوتوا مع الحرب يقولون اليوم انهم ضُلّلوا، وانهم لو عرفوا من البداية حقيقة عدم وجود اسلحة دمار شامل، لما أيّدوا الحرب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضفة الغربية: قتلى فلسطينيين في عميلة للجيش الإسرائيلي بقرب


.. غزة: استئناف المحادثات في مصر للتوصل إلى الهدنة بين إسرائيل




.. -فوضى صحية-.. ناشط كويتي يوثق سوء الأحوال داخل مستشفى شهداء


.. صعوبات تواجه قطاع البناء والتشييد في تل أبيب بعد وقف تركيا ا




.. قوات الاحتلال تنسحب من بلدة بطولكرم بعد اغتيال مقاومين