الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدستور الجديد ومشكلة الحريات

معهد الدراسات الإستراتيجية-العراق

2005 / 11 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


حملة تعديل الدستور
(هذا المقال جزء من سلسلة دراسات وافكار من شاركوا معهدنا معهد الدراسات الاستراتيجية في الندوات والنقاشات حول مسودة الدستورقبل الاستفتاء، وشاركونا النقاشات بعد اقرار الدستور من اجل استكماله بتشريعات ولوائح تعزز التوازن السياسي وتكفل الحريات، والحقوق المدنية وحقوق المرأة والأسرة، والمجتمع المدني والاقليات .ومما يسرنا ان مبادرتنا هذه تتكاتف مع مبادرات رديفة مثل نداء "عهد العراق"، الذي تنصب جهوده على حماية جانب اساسي من الحريات المدنية والسياسية مما تدعو اليه قطاعات واسعة من الرأي العام. وضع هذا المقال الروائي العراقي عارف علوان. هذا المقال يتناول مشكلة الاداب و الحريات.)

الدستور الجديد ومشكلة الحريات
يأمل أغلب العراقيين المعتدلين، ممن أحزنهم طغيان النهج الديني على الدستور الجديد، أن تقدم تعديلات اللحظة الأخيرة في المادة (140) فرصة جديدة، ومهمة، لإعادة مناقشة المبادئ العامة التي وردت في المسودة الأولى. فإذا اُريد للعراق الخروج من ظلام العهود القديمة، السيئة، ينبغي إضفاء روح عصرية، متوازنة، على جميع مبادئ دستور ما بعد صدام حسين. و تأتي مبادرق "عهد العراق" في لحظتها شأن مبادرة معهد الدراسات. لا بد للنقاش من ان يستمر.
قبل كل شيء، يجب الاعتراف أن النصّ الحالي للمسودة كتب في عجالة، شكّلت خلالها التجاذبات الطائفية، والتوتر النفسي، والشعور بالحيف مصدر الإيحاء الأقوى للمشرعين، لذلك افتقدت النصوص التشريعية التوازن المفترض، وأحياناً الوضوح، كما لو أن المساهمين في كتابته لجأوا إلى التحايل على المعاني لإرضاء الجميع بشظايا من الحقوق.
صحيح أن أكثر دساتير الدول كتب إثر أحداث جسيمة، ثم عُدلتْ بمرور الزمن لتنسجم مبادئها مع تطور المراحل، بَيدَ أن مسودة الدستور العراقي حملت الكثير من التناقضات في مبادئها الأساسية، فهي تعطي الحقّ الدستوري بذراع قصيرة، لتعود وتأخذه بذراع أطول، أو تلتزم الاهتمام بشيء (المرأة على سبيل المثال) لكنها لا تفسر نوعية ذلك (الاهتمام) في بقية النصوص. وربما يكون أبرز مثال على ذلك ما ورد في المادة (36) الخاصة بالحريات الثلاث: حرية التعبير، وحرية الإعلام، وحرية التظاهر السلمي. وعلى هذه المادة سوف نركّز النقاش.
يتطلّع كل مواطن إلى رؤية حقوقه القانونية واضحة في البلد الذي يعيش فيه، وقد أدت الصياغات الملتبسة في بعض الدساتير إلى مشاكل عديدة لدى التطبيق، خاصة أثناء الأزمات الداخلية أو الخارجية التي تواجهها السلطات التنفيذية (الحكومات)، حين ترغب تلك الحكومات في توسيع سلطاتها على حساب حقوق للمواطنين يُفترض أن تكون مصانة دستورياً. إزاء هذا عمد مشرّعو الدساتير الديمقراطية إلى سدّ الثغرات التي قد تبيح للسلطات التنفيذية انتزاع تفسيرات الغرض منها سنّ قوانين تتجاوز على الحقوق العامة للمواطنين.
وفيما يتعلق بمسودة الدستور العراقي، التي ما زالت مشروعاً قابلاً للنقاش والتعديل، يجد المتمعن فيها أن الديباجة كتبت بلغة قديمة، ونَفَس ديني يناسب دولة إسلامية أكثر مما يناسب بلد يطمح إلى التحديث ومسايرة العصر.
وقد انعكست الثيمة الأخلاقية الدينية بوضوح على المادة (36) الخاصة بالحريات، إذ صيغت على الشكل التالي:
المادة (36):
تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب:
اولاً :ـ حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.
ثانياً :ـ حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر.
ثالثاً :ـ حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون.
دستورياً، هذا يعني أن الحريات المذكورة مكفولة لجميع المواطنين، لكنها مشروطة بتفسير القانون (أي الحكومة آنئذٍ) لمفهوم النظام العام والآداب ضمن كل ظرف على حدة!
المعروف أن كل دساتير الدول العربية، والأفريقية أيضاً، قدمت الحريات لشعوبها بهذه الصيغة الرحبة، والضيقة في نفس الوقت، ولم يختلف دستور صدام حسين عنها إلاّ بربط (النظام العام والآداب) بثورة البعث. إذن، أين تكمن الحداثة، أو الاختلاف في دستور العراق الجديد؟
الأساس في النظام الديمقراطي أن لا تكون المبادئ العامة فيه مغلقة دستورياً منذ البداية، وفيما يخصّ الدستور العراقي الجديد كان الأوفق إحالة مسألة (النظام العام والآداب) إلى المواد المتعلقة بالشؤون الداخلية والأمنية، بدل تسليطها، مثل سيف ديموقليس، فوق عنق المبادئ الجوهرية للحريات، عدا عن تقييدها (الحريات) بديباجة تنشر ظلالها الدينية والتقليدية على كل مواد الدستور.
وعلى ضوء التجارب التاريخية القريبة، واجهت شعوب أكثر تحضراً، وأكثر وعياً بحقوقها، نكسات مدمّرة حلّت بدساتيرها من قبل حكومات (سلطات تنفيذية) اُنتخبت في برلمانات ديمقراطية ثم غلب على سياستها التعصب القومي أو الديني، مما أدى في النهاية إلى حروب عابثة ذهب ضحيتها الملايين من البشر دون أن تصل إلى أهدافها الأخيرة. لذلك، لا يجوز لمشرعي الدساتير الحديثة إغفال هذه التجارب، إلاّ إذا كانوا يضمرون صياغة دستور يناسب أهدافا أيديولوجية مبيتة.
فالآداب مفهوم ا جتماعي و ديني، وكلمة (أدّبَ) العربية تعني: هذّبه وراضَ أخلاقه. والمذاهب الإسلامية الأربعة يحدّد كل منها تفسيره الخاص للآداب والتهذيب والترويض، وجميع التفسيرات متشدّدة قياساً إلى هذا العصر،لم يلحق بها التطور منذ خمسة عشر قرناً، وما دامت المادة (2) من الدستور الجديد تنصّ على: أن الإسلام دين الدولة الرسمي فهذا يعني أن قواعد (الآداب) حسب الدين الإسلامي سوف تُفرض على المواطنين من الديانات الأخرى، مما يتعارض بشكل جلي مع الحقوق الديمقراطية المتساوية لكل العراقيين كما جاء في المادة (14) التي تقول: العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي.
إذن، الشرط الذي يربط الحريات بـ: الآداب والأمن العام، يرمي إلى منح السلطة التنفيذية حقوقاً واضحة لحماية قوانين قد تكون تسلطية، أكثر مما يمنح المواطنين الحقّ في التعبير عن موقفهم منها (السلطة وقوانينها) وهذا يتنافى كليّاً مع الديمقراطية. وكثيراً ما كانت عبارات عائمة مثل: (مخلّة بالآداب) أو (مهدّدة للأمن) ذريعة لمنع المواطنين من التعبير عن رأيهم من خلال التظاهر أو الكتابة أو النشر، فما الذي تعنيه عبارة (مخلة بالآداب) بالنسبة لكلمة ترد في رواية، أو شعار يرفع في مظاهرة، أو برنامج فكري لنشر الأفكار الجديدة؟ إنها تحيل إلى مئات التفسيرات والذرائع بالنسبة لسلطة تنفيذية ضيقة الأفق، ولا يمكنها أن تعني ذلك في دستور واضح في مبادئه، وفي الغرض من كتابته.
لقد اتفق العالم بأجمعه أن نظام العراق السابق مثّلَ أبشع صورة للطغيان في هذا العصر، ذلك أنه كان يسنّ القوانين داخل بيته، ولإرضاء مزاجه بالدرجة الأولى، ثم مزاج عائلته، والعائلة كلها، على غرار رئيسها، من ذوي المزاج الدموي البطشي. فكان القتل باسم القانون سمة النظام البائد منذ أيامه الأولى حتى تاريخ سقوطه، لكن وضع حكم العائلة في خانة الماضي لن يمنع حكومة منتخبة ذات توجه قومي أو ديني ضيق من العبث بحرمة الدستور مرةً ثانية، وهذا أشدّ ما يخيف العراقيين.
النقطة الأكثر وعورة في واقع العراقيين الحالي ليست الأعمال الإرهابية التي تسفك الدماء من دون تمييز، إنما عدم اليقين إزاء حلمهم بالحرية، الذي جعله الانتظار الطويل ممزوجاً باليأس، وعدم الثقة بكل ما يُقال لهم عن قرب ظهور فترة تحميهم فيها القوانين من الأمزجة الفردية ومن الأيديولوجيات الحزبية، بدل أن تكون مسوغاً لقتلهم خلال لحظات.
هذه الحساسية ينبغي أن تُراعى لدى مناقشة مسألة الحريات في الدستور الجديد، بتعبير آخر حبذا لو وضعنا التشريع الخاص بالحرية فوق جناحين كبيرين، وليس تحت فقرة اشتراطية قابلة لشتى التأويلات!
بالطبع نحن لا نبخس دور الحكومة المؤقتة الحالية، والمنخرطين في المجال السياسي، كأفراد وأحزاب، في معارضة النظام القديم، إلاّ أن الدور الأهم، والتاريخي، سيكون بإنجاز دستور حديث، مستقبلي، يثبّتْ الحريات الأساسية للمواطنين من غير أن يفسح للتلاعب بروحها الأصلية. وليتنا لا ننسى، ونحن نتطرق لهذه المسألة، حرمان العراقيين الطويل من التعبير عن رأيهم بلا خوف من قوانين جائرة تحملهم إلى السجن، أو القبر، لمجرد الإفضاء بما يدور في أذهانهم من أفكار حول ما يجري لهم أو لبلدهم.
أكثر من ذلك أن لا ننسى أن صدام وطغمته من القتلة لم يدمروا الاقتصاد والبنى التحتية ويشوهوا العلاقات الاجتماعية فحسب، إنما حطموا العقل العراقي المشهود له تاريخياً بالإبداع الأدبي والفكري، حين جففوا المنابع الأولى للمخيلة والإلهام، المتمثلة بحرية الإطلاع وحق التعبير عن الرأي.
وبالنسبة إلى للعراق وفترات الظلام التي عانى منها، كلما دار الحديث عن الحريات تقفز إلى الخاطر القوانين الديمقراطية التي لا ينظر إلى الدول المجاورة لتقلدها فترضيها، بل أن تحقق النقلة الكاملة ليصبح العراق وشعبه ودستوره ونظامه الجديد النموذج العصري للحياة الإنسانية الحقة.
نامل من السياسيين دعم كل المبادرات مثل مبادرة نداء "عهد العراق" و "لائحة معهد الدراسات الاستراتيجية" .
عارف علوان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد زيارة بوتين للصين.. هل سيتحقق حلم عالم متعدد الأقطاب؟


.. كيربي: لن نؤيد عملية عسكرية إسرائيلية في رفح وما يحدث عمليات




.. طلاب جامعة كامبريدج يرفضون التحدث إلى وزيرة الداخلية البريطا


.. وزيرة بريطانية سابقة تحاول استفزاز الطلبة المتضامنين مع غزة




.. استمرار المظاهرات في جورجيا رفضا لقانون العملاء الأجانب