الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خصوصيّة الأنثى المَهزومَة في ”لاعبة النرد” للكاتبة خديجة عَمّاري

ادريس الواغيش

2016 / 4 / 3
الادب والفن


خصوصيّة الأنثى المَهزومَة في ”لاعبة النرد” للكاتبة خديجة عَمّاري
قلم: إدريس الواغيش

المرأة المَظلومة والمهزومة، المُستضعفة، الضائعة، التائهة، الأميّة، ضحية خيانات الذكورة، المُحبّة من طرف واحد، هذا هو العالم الذي تسبح فيه شخصيات خديجة عمّاري. تضعنا المجموعة القصصية هنا أمام إشكالية التجنيس الأدبي في بداية الطريق مع أول نص، لتساءلنا النصوص التي تليها إن كانت قصصية مستقلة أو فصولا من رواية؟.
قسمت الساردة مجموعتها إلى اثنتا عشرة قطعة، كل قطعة لها عنوان يناسبها، فيما القطعة الرابعة مجزأة إلى خمسة عشرة بيدقا. جاءت المجموعة بتناصات كثيرة، أولاها مع ما ورد في القرآن الكريم في الصفحة(8):” كنت أحلم أن أجد لي في قربه سكنا”، وكلمتي” السّكن” و” المَسْكن” وردتا في عدة آيات من القرآن الكريم بمعاني وصيغ مختلفة. حالة ارتباك تصاحب الفتيات عادة في الزيارات الأولى للمعاينة، إن تعلق الأمر بالزواج التقليدي سواء في البادية أو المدينة:” لا أنكر أني امرأة كنت أخشى ألا أكون جميلة بالقدر الذي أقنع رجلا” أو حين تقول:” جاءت الخالة أمينة مُصطحبة معها أختها والدة العريس” (ص:12). المسألة هنا تشمل أوساط كثيرة في المدن والبوادي المغربية وبمستويات عُليا في التعليم أحيانا، كما هو حال خالد الحاصل على الماجستير أو دنيا الحاصلة على الباكالوريا، وكلاهما أحَبّا بشكل تقليدي:” أحببته بشكل تقليدي” (ص:14).
المجموعة لا تخلو كذلك من عدة مونولوجات، هذه الأخيرة التي تأثث عادة فضاء الرواية، وهو ما يظهر بأن خديجة عمّاري قد أظهرت عن ميول مُبكر نحو العمل الروائي، فقصة: ”بيدقة المواسم” تذكرنا بحالات مراهقة مبكرة، يتباهى فيها الأطفال بإظهار أعضائهم التناسلية و محاولة تضخيمها أمام الفتيات إعلانا عن فحولة مبكرة !!. المجموعة أيضا فيها جرأة نسائية في الكتابة، حين تقول مثلا في الصفحة(14): ”حاول أن يرني ما لم أره في حياتي، عضوه الذكري، وكان فخورا وهو يريه لي لطول حجمه”، أو وهي تتطرق لموضوع يعتبر من الطابوهات مثل السِّحاق عند النساء في مجتمع تقليدي مُنغلق ومُحافظ: ”سرعان ما تحولت للمس نهداي...، قلت لعلها تريد أن تمازحني، لكن سرعان ما أدخلت يدها أسفل قميصي الشفاف، وحاولت أن تدخل يدها الأخرى ببنطالي”(ص:17). وسنعرف من خلال الساردة حدود العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة، ومتى تصبح جريمة وكيف قنن الغرب كل هذه الانحرافات لتصبح سلوكا مقبولا مثل السحاق عند مِثليات الجنس أو اللوطية عند الذكور، وأصبح بالتالي الزواج بين المثليين لا يجرمه دين سماوي أو قانون وضعي، لينفلتا بذلك بحكم القانون من لائحة المُحرَّمات، كما هو واضح في الصفحة(19):”ما علمت يوما أن امرأة يمكن أن تشتهي امرأة”.
هذه العوالم البكر في مرحلة عمرية مُعيّنة لم تعد كذلك، ستعريه الكاتبة بالرغم من العزلة القاتلة في قرى”ميدلت” وسط جبال الأطلس المتوسط، كما في كثير من المناطق المغربية النائية، حيث تتكاثر الخطوط الحمر، وتزداد معها التجاوزات السرية للذكور، في غفلة من الجميع، داخل المطبخ وغرف النوم والحقول أو وراء سُتُر البيوت المظلمة، ولا يتم الكشف عنها إلا عن طريق الصدفة، فيصبح الرجل في عيون الأنثى وحشا مخيفا كما في الصفحة (28):” أخشى من أي رجل مُلتحي أو حتى له شنب”.
العُنوسة القاتلة لدى البنات حاضرة بدورها:”لا أحد سيقبل بعانس”(ص:29)، كما زواج البنت الصغرى قبل الكُبرى كسلوك اجتماعي غير مرحَّبٌ به في مجتمع رعوي:” وماذا سيقول الناس؟، تزوجت الصغرى وبقيت الكبيرتين؟ لماذا؟ ما السرّ؟”(ص:32)، حالة اجتماعية تؤرق كاهل الأسر المغربية المُغرقة في المحافظة والانغلاق.
المجموعة أيضا تتطرق إلى السؤال عن هوية الكتابة، وهل هي نسائية أم ذكورية؟، لتخلص إلى أن:”الإبداع واحد لا فرق بين كاتبيه”(ص:42)، وإن كانت بعض الجمل تشي بمَيلها إلى أنوثة أحلام مستغانمي أو غادة السّمان مثلا، وهو ما يفضح هذه الحياد!. أيضا هناك تنوع في الفضاءات داخل المجموعة، فمن الدول نجد: ”مصر- الجزائر- المغرب- الأردن...”، ومن المدن نجد:” طنجة- فاس- مكناس- الرباط- البيضاء- القاهرة...”، لتظل ”ميدلت” وحدها الفضاء المحوري في أغلب نصوص خديجة عماري سواء كانت ساردة أو كاتبة. هي لعبة نرد إذن، تلعب بعض أدوارها النساء بإرادتهن أحيانا، تربح فيها أو تخسر، وفي حالات أخرى تكون عبارة عن قطع شطرنج لا حيلة لهن فيها، تتعرضن لكل أنواع الخيانات: الوقت- الحظ- الرجل كان زوجا أو حبيبا. ويبقى قلم القاصة خديجة عماري في كل الأحوال، صوت من لا صوت لهن من المستضعفات من النساء في البادية كما المدينة، في البيوت والحقول وكل مناحي الحياة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الناقد الفني أسامة ألفا: من يعيش علاقة سعيدة بشكل حقيقي لن ي


.. صباح العربية | الفنان الدكتور عبدالله رشاد.. ضيف صباح العربي




.. ضحية جديدة لحرب التجويع في غزة.. استشهاد الطفل -عزام الشاعر-


.. الناقد الفني أسامة ألفا: العلاقات بين النجوم والمشاهير قد تف




.. الناقد الفني أسامة ألفا يفسر وجود الشائعات حول علاقة بيلنغها