الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وضع المصريين المسيحيين بعد ثورتين

محمد منير مجاهد

2016 / 4 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


تعد ظاهرة التمييز علي أساس الدين من أخطر الظواهر الاجتماعية التي تفاقمت في أعقاب هزيمة 1967 وبصفة خاصة خلال فترتي حكم الرئيسين أنور السادات، وحسني مبارك، لما لها من تداعيات علي تقسيم المجتمع طائفيا و تمزيق أواصر التضامن فيما بينه وإشاعة الفرز والعنف الطائفيين في ظل تحديات كبرى يواجهها المجتمع سواء علي المستوي المحلي أو الدولي، وقد وقعت أول حادثة طائفية ضد المسيحيين بعد قيام ثورة 23 يوليو في بدايات عهد الرئيس أنور السادات، حيث قام مسلمون فى 6 نوفمبر عام 1972 بحرق جمعية الكتاب المقدس في الخانكة فى الوقت الذى كان المسيحيون يؤدون فيها الشعائر الدينية، وبعدها تفجرت حوادث العنف ضد الأقباط.

رغم الطبيعة المدنية الواضحة لثورة 25 يناير وعدم وجود أي شعارات دينية خلال الـ 18 يوم المجيدة التي انتهت بالإطاحة بالرئيس مبارك، إلا أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تسلم السلطة بعد الثورة قرر أن يتحالف مع الإخوان المسلمين وبقية تيارات الإسلام السياسي للإسراع بإجراء تعديلات دستورية محدودة تحافظ على طبيعة النظام الاستبدادي، وتوقف الاحتجاجات العمالية، في مقابل إجراء انتخابات برلمانية يسيطر عليها الإخوان لصياغة دستور الدولة الدينية التي يريدونها، قبل أن تنظم قوى الثورة نفسها، ومنذ ذلك الوقت لم يكن النظام العسكري/الإخواني أو الإخواني منفردا إلا امتداد متأسلم لنظام مبارك، ومن ثم لم تكن هناك أي محاولة لتغيير سياسات نظام مبارك الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بما في ذلك استمرار العمل على تغذية النزاعات الطائفية كأحد الركائز الأساسية الثابتة لنظام مبارك/الإخوان لإلهاء الشعب عن حقيقة فشل هذا النظام في حل جميع مشاكله سواء العاجلة أو طويلة الأمد، بل وتفاقمها.

تعيش الأقليات الدينية في مصر منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن ظروفًا استثنائية، كنتيجة طبيعية لواقع التمييز على أساس الدين، والذي امتد لعقود قبل الثورة، وبالرغم من تغيير الحكومات خلال هذه الفترة عدة مرات متتالية، إلا أن طريقة تعاملها كانت متقاربة، ولم تهتم كثيرًا بعلاج الأزمات الناتجة عن انتهاكات حقوق الأقليات الدينية في مصر. تزايدت أحداث العنف الطائفي، سواء إبان فترة المجلس العسكري أو حكم الرئيس المعزول محمد مرسي أو خلال الفترة الانتقالية الحالية.

منذ أطاحت الموجة الثانية من ثورة المصريين في 30 يونيو 2013 بسلطة جماعة الإخوان المسلمين ومشروعها الفاشل لإقامة دولة دينية بدأت محاولات واعية لمعاقبة المواطنين المسيحيين على مشاركتهم في هذه الموجة الثورية ولتقسيم الشعب المصري وإثارة البغضاء بين مكوناته، ففى خلال شهر واحد فقط هاجمت عصابات جماعات الإخوان والسلفيين الإرهابية المصريين المسيحيين فى مدن وقرى محافظات عديدة، وتم فى هذه الهجمات قتل العديد من المواطنين المسيحيين ونهب وحرق كنائسهم ومنازلهم ومتاجرهم وسياراتهم، وترويعهم هم وأطفالهم، وتهجيرهم من منازلهم.

وقد تعرض المنتمين لأقليات دينية مخالفة لمعتقد ومذهب الأغلبية المسلمة السنية كالأقباط والشيعة والبهائيين للاعتداء البدني والقتل بسبب معتقداتهم، وكذلك كانت ممتلكاتهم عرضة للنهب والتدمير والحرق على خلفية هذه الأحداث. كما تسامحت أجهزة الدولة، خصوصًا إبان حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، مع التحريض الطائفي وخطابات الكراهية التي تعتبر مسئولة بشكل غير مباشر عن العنف ضد المنتمين لهذه الأقليات. وقد شهدت هذه الانتهاكات غياب آليات الضبط والمحاسبة الجنائية، فقد قامت أجهزة الدولة برعاية الجلسات العرفية، وعقد بعضها داخل أقسام الشرطة. وفي أغلب الأحيان، أسفرت هذه الجلسات عن حلولٍ غير عادلة، كانت محصلتها الافتئات على الطرف الأضعف وحقوقه.
ولكن تغيرات ثورية كانت قد بدأت بين المصريين المسيحيين حتى من قبل ثورة 25 يناير التي شاركوا فيها بقوة رغم تحفظ القيادات الدينية لهم، ففي البداية كان المسيحيون يعبرون عن غضبهم بالتجمهر داخل الكاتدرائية مستجيرين بقياداتهم الدينية، ثم تطور الأمر للوقوف على الرصيف خارج الكاتدرائية، ولكن مع حلول عام 2010 حدثت تحولات هامة فبينما المصلون يغادرون كنيسة في نجع حمادي بعد قداس منتصف الليل للاحتفال بعيد الميلاد المجيد (6 يناير 2010)، تم إطلاق النار عليهم وقتل ستة مسيحيين إضافة لحارس الكنيسة المسلم، فخرجت تظاهرات مسيحية في نجع حمادي، تضامن معها عدد من نشطاء حقوق الإنسان، ورغم الطابع الديني للهتافات فقد كانت هذه التظاهرات أول خروج إلى الشارع بدلا من الاحتماء بأسوار الكنائس، ثم في 24 نوفمبر 2010 قامت قوات الشرطة بالاعتداء على معتصمين سلميين لحماية كنيسة تحت الإنشاء بالعمرانية، نتج عنه وفاة اثنين واندلعت مظاهرات قوامها الأقباط انطلقت إلى شارع الهرم أمام مبنى محافظة الجيزة، وكانت هذه أول مظاهرة مدنية تتوجه مباشرة للمسئول عن هذه المذبحة باعتبارهم مواطنون مصريون قبل أن يكونوا أقلية دينية، وبدأ عام 2011 - قبيل الثورة بأيام – بداية دموية حينما تم تفجير قنبلة بكنيسة القديسين في الدقائق الأولى من العام الجديد نتج عنها مقتل 23 وجرح نحو 70 من المصلين.

أدى توازن القوى القائم في المجتمع في أعقاب 30 يونيو 2013 بين القوى الدينية والقوى العسكرية والقوى المدنية إلى دستور يعبر عن كل هؤلاء نجحت القوى المدنية في وضع مواد تحفظ الكثير من الحقوق والحريات الشخصية والعامة، وأصبح هناك التزام دستوري بمناهضة التمييز وإنشاء مفوضية لتكافؤ الفرص ومكافحة التمييز، كما تضمن النص على وجود كوتة للمسيحيين في أول مجلس نواب بعد إقرار الدستور.

رغم عيوب قانون تقسيم دوائر انتخابات مجلس النواب، وقانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية، وقانون انتخابات مجلس النواب، إلا أن الانتخابات الفردية شهدت تقدم ملحوظ في تمثيل المسيحيين لدوائرهم الانتخابية – أحيانا في مواجهة المال السياسي - ونجح بعضهم كسمير غطاس من الجولة الأولى. كما شهدت هذه الانتخابات تراجعا ملحوظا في تمثيل السلفيين ممثلين في حزب النور.

يمكن أن نتفاءل بالنسبة للمستقبل في دحر الفرز الطائفي والتمييز الديني، ولكن هذا لن يتم بشكل تلقائي بل يحتاج إلى جهد منظم يستند على رؤية سياسية صحيحة للوضع في مصر، ونحتاج كحزب سياسي غير ممثل في مجلس النواب إلى خلق صلات قوية بالنواب المسيحيين، ونواب التيار المدني داخل المجلس (المصري الديمقراطي الاجتماعي – الوفد الجديد – المصريون الأحرار – النواب المستقلون ذوي المواقف المعلنة لدعم المواطنة ومناهضة التمييز)، وتهدف هذه الصلات إلى: 1) إصدار قانون لمناهضة التمييز، 2) إصدار قانون مفوضية تكافؤ الفرص ومناهضة التمييز، 3) إصدار قانون بناء وترميم الكنائس. مع ملاحظة أن هذه القوانين قد نص عليها الدستور لكن الخوف أن تصدر قوانين شكلية غير محكمة، بما يسمح باستمرار الممارسات الحالية.

يجب أيضا تقوية الصلات بمنظمات المجتمع المدني المعنية بالحقوق السياسية والمواطنة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، و..... الخ. ومحاولة الوصول إلى برنامج مشترك لإنجاز بعض النجاحات في هذه المجالات.

لقد كان ضعف التنظيمات اليسارية الثورية هو نقطة الضعف الرئيسية في الثورة المصرية، ولكن هذا الأمر ممكن ويجب تغييره، والطريق لهذا غير ممهد ويتطلب إضافة للمبدئية الثورية والوضوح النظري القدرة على التعامل المرن مع الواقع، وأظن أن الطريق الوحيد لهذا هو أن نتمسك بالديمقراطية طريقا بأكبر قدر من المبدئية التي تبعدنا عن مربع "الديمقراطية جيدة طالما أتت بمن أريد"، لأنه موقف انتقائي يجعلنا نخسر الكثير على المستوى الشعبي لأن الديمقراطية جيدة لأنها قادرة على تصحيح نفسها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين أنستغرام والواقع.. هل براغ التشيكية باهرة الجمال حقا؟ |


.. ارتفاع حصيلة القتلى في قطاع غزة إلى 34388 منذ بدء الحرب




.. الحوثيون يهددون باستهداف كل المصالح الأميركية في المنطقة


.. انطلاق الاجتماع التشاوري العربي في الرياض لبحث تطورات حرب غز




.. مسيرة بالعاصمة اليونانية تضامنا مع غزة ودعما للطلبة في الجام