الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سقف ذاكرة علي بدر الحضارية في رواية الوليمة العارية

عبد الجبار خضير عباس

2016 / 4 / 4
الادب والفن


سقف ذاكرة علي بدر الحضارية في رواية الوليمة العارية
عبد الجبار خضير عباس
رواية الوليمة العارية تعد واحدة من الروايات المهمة في تاريخ الرواية العراقية الحديثة، الرواية تؤرخ لحظات التحول التاريخية من العراق العثماني إلى دخول القوات البريطانية واحتلال بغداد وولادة العراق الحديث. سارد الأحداث راوٍ أول يبدأ من الصفحة الأولى حتى الصفحة 270 من أصل 285 صفحة في الرواية عبر رؤية محمود بيك للوليمة العارية بغداد/ العراق على يد العثمانيين..الذي بدوره أصبح وليمة عارية للانكليز، إذ إنهم أعدموه عند احتلالهم القشلة همايوني "صنع منه الانكليز وليمة عارية يوم دخولهم إلى بغداد" ويبدأ راوٍ ثانٍ يمكن توصيفه بالمؤلف الضمني، إذ إنه يقوم بربط مشاهداته في العام 1999ولاسيما المعمارية والحضارية للمناطق، والمدن، والبنايات، والأزقة والحارات، وربطها بالأحداث التي جرت في أثناء الحكم العثماني، وبدايات الاحتلال الانكليزي للعراق عبر خمسة عشر صفحة.
المتلقي سيشعر بالجهد والصبر الذي بذله الكاتب وهو يتابع بعين المثقف الواعي والمتمكن من صنعته، والمثقل بخزين معرفي، وذخيرة ثقافية، وخيال واسع... وهو ينقل لنا ما جرى من ذل، واضطهاد، وتعسف، وتعدد أساليب القتل من الخازوق إلى الشنق، والضرب بالسيف، والخناجر، والسحل، والتعذيب حتى الموت، وانتهاك الحقوق الإنسانية، واستباحة للقرى، والبيوت، والأسواق.... نقل تلك المشاهد بأدق التفاصيل من أسماء السيارات، وتوصيفاتها، والعربات، وأنواعها، وإنارة الأزقة باستخدام الفوانيس، وطريقة الاستحواذ على البقر، والدجاج، والحمير، والبغال... وما يجري من تعسف في ملاحقة الرجال لسوقهم إلى السفر برلك (التجنيد الاجباري) وما يرافق تلك الحملات، من رعب، وذعر في قلوب الناس، وتفاصيل حركة الأسواق، ومتابعة المهن، والحرف، والتقسيم الاجتماعي، والاثني، والطائفي، والديني.. ونمو حركة القوميين العرب، وصراع المثقف مع رجل الدين، والسلطة...عبر الصراع بين الرصافي والزهاوي، والمثقفين من جهة ورجال الدين، والسلطة، والتجار من جهة أخرى حتى إنه حرص على استخدام العبارات التركية للضباط الأتراك، ليوحي لنا صدقية ما يقول، ووظف اللهجة الشعبية ليمنح رؤاه وتصوراته طاقة تعبيرية أكبر.
هذه انطباعات أولية عن الرواية، ولو أنها تغري وتستفز المهتم بقراءة نقدية لها إلا أني هنا اضطررت لكتابة هذه المقدمة السريعة التي يظن القارئ للوهلة الأولى أنه إزاء مقاربة نقدية، لكن في الحقيقة أنا أتناول ثيمة وردت في إحدى صفحات العمل يقول الراوي"شعرنا بالحنين إلى الحياة البدوية –جيهان وأنا- لأن كلانا من أصل بدوي، هي من البدو التركمان وأنا من البدو العرب" هذه الرؤية استفزتني للكتابة عنها وحتى لا أظهر بمظهر المتحامل على الكاتب أو اجتزأت ثيمة من الرواية لذلك اضطررت لكتابة هذه المقدمة حتى أعطي الروائي الكبيرعلي بدر حقه الإبداعي.
ما لاحظته أن الكاتب لم يستحضر رموز العراق السومرية، أو الأكدية، أو البابلية أو الآشورية.... في الرواية، بل ظل سقف ذاكرته الحضارية وشخوصه في الرواية تنتهي برمال يثرب على الرغم من أنه يورد إشارات لمفاهيم تتعلق بالهوية والتاريخ " قلنا لهم: (هذه ثروة تاريخية يجب الاحتفاظ بها..ألا تعرفون مغزى التاريخ..؟) قالوا: (نعم..نعم ولكن ماذا عنا..). قلنا لهم: (أنتم كذلك ثروة تاريخية يجب الاحتفاظ بكم..). 278 "فإن الأفندية-جهان وأنا نموذجها المعاصر بامتياز-نبحث عن نوع صورة قديمة: الهوية، الأصل، الجذور، لتلطيف اللحظة الكولنيالية المعاصرة ورد الفعل المباشر للهيمنة وتأثيرها....على حضورنا المعاصر، وعلى تمردنا الجسدي، وعلى رفضنا للنصية التي تقوم عليها السلطة، ولكل أشكال المحو والتشويه والاحتواء التاريخي، هي أمور تشغل المثقفين- الأفندية على الدوام." فهو مدرك بشكل واع لما تعنيه مفاهيم الهوية، والمحو المتعلق بها، والثروة التاريخية، والحضارة، والأصل، والجذور... فحين يشير إلى أصله البدوي"وقد شعرنا بالحنين إلى الحياة البدوية –جيهان وأنا- لأن كلانا من أصل بدوي " يحيلنا الكاتب هنا لثقافة تعود لأكثر من 1400عام حين جرت عملية تجريف الذاكرة العراقية من مخزونها الأسطوري والفولكلوري وأنساقها عبر عملية تغيير متعسفة خلخلت ارتكاز الفرد في المكان الحضاري، وافقدته للتوازن، وبذلك حلت ذاكرة افتراضية رملية يثربية بدلاً عن ذاكرته المائية الطينية الرافدينية، أصبحت فيها الجزيرة هي المرجعية الحضارية والجذر الجيني الافتراضي. لا نريد هنا محاكمة الكاتب، ولكن لنا الحق في إثارة هذا السؤال هل أن ما ورد على لسان الراوي الثاني في الرواية هو يعود لشخصية في الرواية لا تعبر عن رأي الكاتب؟ وهل من حق الكاتب أن يسوق مثل هذه الأفكار التي تتقاطع مع العمق الحضاري العراقي فضلاً عن محمولها المضلل للوعي والمنطق والانتماء الحضاري الرافديني؟! هل ما ورد هو حالة تبدي لا شعوري جاءت عبر التأثر بالثقافة العروبية التي أنتجتها الماكنة الإعلامية للضباط القوميين الذين تخرجوا في الاستانة وساطع الحصري ومن ثم نظام البعث، وتأثيرات الناصرية فضلاً عن مساهمات المؤسسات الدينية بشقيها التي لا تنظر للآثار العراقية والإرث الحضاري العراقي سوى نتاج مخلوقات كافرة، مما عزل العراقيين عن إرثهم الحضاري بقطيعة تامة، فحققوا عملية تجهيل ومحو لكل ما يتعلق بإرثهم الحضاري في ذاكرة المريدين والتابعيين الخاضعيين لعملية تنويم كبرى عبر الزمن.

ترى لِمَ هذا التناقض الصارخ والمؤلف يسبغ صفة البداوة على من ولد في بلاد الرافدين؟! وإذا أردنا أن نبحث عن تسويغ أو تبرير على أن ما ورد هو تهكم، أو تناص معكوس، أو حالة تماهي، أو أن الكاتب ليس له علاقة بشخوصه، جميع هذه التخريجات غير مقنعة وفي الأرجح أنها تبديات للنسق المضمر الذي غرزته المؤسسة الدينية وتأثيراتها منذ 1400عام والمؤسسة التعليمية ومروراً بالفكر القومي، ووسائل الإعلام المؤدلجة العابرة للوطنية التي اختزلت أعرق حضارة في العالم إلى (قطر عربي) يدور في فلك الآخرين بعد أن كان مركز العالم، فغيبته بالتمام عن عمقه الحضاري.
الكاتب كان حريصاً على أن يظهر حارات ومناطق بغداد بالتفصيل: القشلة ، الحيدر خانة، كوك نزر، الصدرية...وهو ينقل لنا حال تلك الحارات والمناطق قبل نحو قرن، وأظهر بعدها المدني حيث كانت تستوفي اشتراطات المدينة، ومن دون ذكر لأي نشاط عشائري يذكر أو حتى اسم لشيخ قبيلة في بغداد.
السؤال ما علاقة من ولد في العراق بجذوره البدوية؟ ثمة اختلاف كبير بين البدوي الذي لا وطن له ويعيش متنقلاً من أجل العشب.. ولا شعور بالمواطنة لديه فهو في تنقل دائم، غير مرتبط بالمكان. وهذه الرؤية تتشابه مع من يدعي بأن المناطق الغربية هم من جذور بدوية. في حين أن مدن حديثة، وعانة، والأنبار وصولاً إلى سامراء يعود تاريخها إلى عهد سومري ومعظم المدن العراقية يتخطى عمرها آلاف السنين من نينوى وأربيل إلى البصرة (بصراثا). هذه الرؤية أجدها قريبة من الثقافة التي كانت توفر لنا القناعات بأن السودانيين واللبنانيين الفينيقيين من أرومة واحدة!
عموماً ما كتبته هو رد على ما ورد بشأن هذه الرؤية التي أرى نحن نعيش لحظة تاريخية يجب أن يعرف فيها العراقي تاريخه الحضاري، ويسترد ذاكرته المائية لتحل بدلاً عن الذاكرة الرملية اليثربية.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقاء خاص مع الفنان حسن الرداد عن الفن والحياة في كلمة أخيرة


.. كلمة أخيرة -درس من نور الشريف لـ حسن الرداد.. وحكاية أول لقا




.. كلمة أخيرة -فادي ابن حسن الرداد غير حياته، ومطلع عين إيمي سم


.. إبراهيم السمان يخوض أولى بطولاته المطلقة بـ فيلم مخ فى التلا




.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07