الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقوش على الرمال

دينا سليم حنحن

2016 / 4 / 4
الادب والفن


يوميات أنثى عازبة
نقوش على الرّمال
دينا سليم
أخذت تلملم العصي لتشعل بها الموقد، تذكرت أول أزواجها العشرين، والذي أحب احتساء الشّاي المغلي على الحطب، توقفت هنيئة تتنفس الصعداء، عادت إلى عجن العجين، بدأت تطلم العجين بكفيها وتنادي زوجها الثاني باسمه، لكي يعينها على تغذية الموقد لخبز الأرغفة، لكنه لم يرد عليها لأنه كان قد غادر الحياة، وعندما تعبت استراحت داخل كرسيها القديم وراحت في غفوة قصيرة، وإذ بها تحلم بزوجها الثالث الذي نسيت اسمه.
أخذت المنكوش وبدأت تنكش الأرض باحثة عن الفستق، فزوجها الرابع دربها كيف تجني الأثمار من باطن الأرض، لم تجد شيئا، وعندما تسربت إلى مسامعها أغنية قديمة، سارت نحو القرية المجاورة تسأل عن أحفاد زوجها الخامس، ليشعلوا لها النار، والذي كان عازفا قبل أن يطلقها ليتركها لزوجها السادس الذي دبت الغيرة في قلبه عندما سمعها تتلفظ باسم أحد أزواجها، حلف عليها يمين الطلاق وتركها فريسة باقي الأزواج الذين غادروها فيما بعد جميعا، لم تنجب أبناء، ومرت السنون حتى أصبحت في التسعين من عمرها، وعندما دخلت الشاشة الصغيرة إلى قريتها وبدأت تشاهد لأول مرة احتفالات عيد الأم تحسرت وانتحبت!
ثارت ثورتها وبكت، وعندما سألتها جارتها عن سبب بكائها، قالت: لقد هجرني زوجي العاشر وأقسم ألا يقترب من سريري سنتين كاملتين أمضاها مع زوجته الثانية، لو لم يفعلها في حينها لحملت بطفل.
هربت بسيجارتها إلى ناحية النهر، جلست هناك تنتظر اللاشيء، وعندما لحقت بها جارتها وجدتها وهي تخط أسماء أزواجها العشرين بأشكال مختلفة على الرمال، أشكال تدل على عمل كل واحد منهم، بما أنها أميّة لا تحسن القراءة والكتابة، مُزارع، صياد، عازف، فلاح، الخ إلا واحد بقي بدون رأس، لقد رسمته على هيكل شخص مقطوع الرأس، وعندما سألتها جارتها (نهاية) عنه، أجابتها قائلة:
- هذا شيطان ظهر في حياتي واختفى فجأة بعد عشر سنوات من العشرة، لقد عذبني كثيرا، لذلك لن أرسم له في قلبي شيئا يذكرني به.
- ألم تنجبي من عشرين زوجا يا خالة؟
- الله لا يريد، وها هم جميعا أصبحوا بين يديه وأنا ما أزال على قيد الحياة، لقد حصل مثلما قيل "يدفن بعضنا بعضًا ويمشي أواخرنا على هام الأوالي"، لو كنت تعلمين كم كنت جميلة حيث تناحر رجال القرية فيما بينهما بسببي، هيهات أن يعود الزّمان، عمري قد انتهى والذي كان قد كان، لا يؤلمني الموت بل يؤلمني أنني لا أستطيع اختيار الزوج الذي سأدفن بقربه لأنني أحببتهم جميعا، إلا هذا الشيطان رقم خمسة عشر!

تحسست (نهاية) بطنها المدور برفق، نسيت يدها حيث تكوّر جنينها، دارت فكرة ما في رأسها، البوح للمرأة المسنة والتحدث معها عن سرّها العظيم، لعلها تساعد بإيجاد الحلّ قبل أن يكبر الجنين وتظهر علامات الخطيئة، بما أن المسنة مؤهلة بالموت، وكله بإذن الله، ستموت وسيدفن السرّ معها، لكن كيف لها أن تفعل، وإن سألتها هل تخبرها أنها حامل من بائع السحاحير المتجول، حفيد زوجها الخامس عشر وهي ما تزال عزباء... إلا أنها قررت ألا تفعل خشية!
لم تستطع التخلص من الجنين، وجدت نفسها بعد أيام، معلقة على سقف الغرفة التي سكنتها مع والدها وإخوتها، تصرخ متضرعة العفو عنها متوسلة، فكان قضاء الروح أسرع!
وفي مكان آخر من الكرة الأرضية، استيقظت (ندى) باكرا وجهزت نفسها للخروج إلى صالون الحلاقة، بعد ذلك ستذهب لتجلب بطاقات الدعوة، وستعرج إلى محل الزهور لتتفقد الزينة، ثم سوف تتصل بالفنّيين الذين يجهزون الكاميرات في قاعة الفندق الذي سوف يحتضن المناسبة العظيمة، التي سيحضرها جميع أصدقائها ومعارفها، وذلك احتفالا باستلامها وثيقة الطلاق، والتي وضعتها داخل إطار مزخرف وعلقتها على الجدار بعد انتظار خمس سنوات عجاف، سترتدي فستانا أبيض، وستبدو مثل العرائس احتفاء بطلاقها، قبل ذلك ستعرج إلى جدتها لتصحبها من بيت العجزة لكي تخبرها بأنها أخيرا اتخذت الخطوة المناسبة في حياتها، وسوف تستشيرها بالنص الذي نقشته بخطوط مذهبة على بطاقات الدعوة (أدعوكم للمشاركة بيوم حريتي، فقد أصبحت من الآن امرأة حرّة وغير مستغلة ورافضة الاستبداد والتعسف والعنف)، ولكي لا ترهق نفسها بشرح نفسها للجميع أوكلت ذلك لصديقتها العزباء الشاعرة (ناني)، والتي تعدت الأربعين بأن تكتب نصا شاعريا توزعه على الحضور بالمناسبة، يحلل شخصية طليقها الذي ومنذ الطلاق بدأ بمحاربتها بابنيهما، مساوما على تقسيم أملاكهما ومدخراتهما، هاربا من مسؤولياته بالكبير إلى ولاية أخرى بعيدة، ناقضا الاتفاق الذي أبرم بينهما بشهادة المحامي بأن يبقى في الولاية ذاتها تاركا لها ابنهما الثاني الذي يعاني من إعاقة جسمية لتعتني هي به، هكذا يضمن عدم زواجها من آخر انتقاما.
لكن صديقتها (ناني)، قد وجدتها فرصة بأن تبدأ بمغازلة الزوج المطلـّق، نازعة عنها كبرياءها ووفاءها، وبحجة التعرف على مكانه وعنوانه، تقرّبت من صديقتها أكثر، أخذت تنظم الشعر لتتغزل به وبحسناته التي لم تكتشفها الزوجة، وعندما وجدت قبولا منه، سافرت إليه للتعارف ضاربة عرض الحائط بصديقة العمر، هكذا تكون قد تخلصت من قهر العزوبية والخواء العاطفي!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -الفن ضربة حظ-... هذا ما قاله الفنان علي جاسم عن -المشاهدات


.. إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها بالجيزة




.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها


.. الممثلة ستورمي دانييلز تدعو إلى تحويل ترمب لـ-كيس ملاكمة-




.. عاجل.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق