الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة الفساد في العراق وقضية تواجد خلايا نائمة للدولة الاسلامية في داخل بغداد

ميشيل حنا الحاج

2016 / 4 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


العراقيون ومعهم حكومتهم، منشغلون في هذه الأيام بقضايا مكافحة الفساد، وبتشكيل حكومة من التكنوقراط، وبتجنب المحاصصة أيضا حسب الأحزاب والطوائف, ولا شك في كونهم على حق في مسعاهم ذاك، لكون هذه الأمور من الأساسيات الضرورية التي ينبغي التصدي لمعالجتها والتعامل معها على عجل، وذلك بايجاد الحلول لها في أسرع وقت ممكن. كل ما في الأمر أنني آمل الا ينصرف اهتمامهم عن قضية أخرى، هي بدورها لها أهميتها، وباتت بحاجة أيضا لاهتمامهم الفوري والسريع، وتلك هي احتمال وجود خلايا سرية للدولة الاسلامية...خلايا متعددة الأعضاء ونائمة في المدن العراقية، وخاصة في العاصمة العراقية بغداد الرشيد... بغداد التي كانت بغداد ألف ليلة وليلة، وباتت الآن بغداد الألف تفجير وتفجير.

فالتفجيرات بسيارات مفخخة، أو بقنابل موقوتة يفجرها الارهابيون عن بعد، أو بأحزمة ناسفة يفجرها صاحبها بنفسه، فيقتل معه عشرات آخرون، هي ظاهرة باتت معروفة ومألوفة في المدن العراقية وخاصة في عاصمة الجمهورية العتيدة. وفي البداية، في مراحل الاحتلال الأميركي، اعتقد البعض لوهلة أن سلطات الاحتلال تقف وراء بعضها، في مسعى منهم لاقناع العراقيين بحاجتهم للابقاء على الاحتلال، كي يضبط لهم الأمن ويحبط بعضا من هذه التفجيرات التي تذهب بأرواح بعضهم يوميا، أو بين يوم وآخر.

وفي مرحلة لاحقة شهد فيها العراق على مدى سنتين، حربا أهلية بين طائفتي السنة والشيعة، كان التفسير المنطقي وربما الحقيقي والواقعي خلالها، ان مفجريها هم السنة من ناحية والشيعة من ناحية أخرى. فتفجير ينفذه منتمون لطائغة السنة في منطقة شيعية، يرد عليه بتفجير مقابل ينفذه بعض أبناء الشيعة في منطقة سنية، كرد على تفجير سابق في منطقتهم. أو قد يكون الأمر معكوسا من حيث من يبدجأ بالتفجي. لكن تبادل عمليات التفجير بين الطائفتين، كان في مرحلة ما، أمرا حقيقيا وملموسا.

أما الآن، وبعد انقضاء الحرب الأهلية بين الطائفتين الى غير رجعة، كيف نفسر المضي بوقوع هذه التفجيرات المتكررة بين يوم وآخر، حاصدة أرواح العشرات من العراقيين المدنيين الأبرياء؟ هل يمكن تفسيره بغير كون منفذيه هم من الدولة الاسلامية الراغبين في اشعال الفتنة، كخطوة نحو اشاعة الفوضى، تمهيدا لبسط سيطرتهم قريبا على مزيد من الأراضي والمدن، وبغداد في مقدمة أحلامهم وتطلعاتهم تلك؟ ويعزز هذاالاحتمال، أنهم قد باتوا الآن يواجهون تراجعا ملموسا وانحسارا واضحا غير تكتيكي في مساحة الأراضي والمدن التي يسيطرون عليها، ولذا باتوا يتطلعون للاستعاضة عما فقدوه من مساحات ومدن، بالسيطرة على مدن جديدة. ورغبة منهم في اشاعة مزيد من الخوف في نفوس أعدائهم، أي الشعب العراقي، يبادرون علنا عبر وسائلهم ونشراتهم الأليكترونية "أعماق ودابق" وغيرهما من النشرات، الى تبني تلك التفجيرات دون خجل أو وجل، كاشفين علنا وصراحة، دون تسميتهم أو الاشارة الواضحة اليهم، عن وجود خلايا تائمة في داخل المدن العراقية وخصوصا في العاصمة البغدادية.

وأنا وبكل تواضع، أود أن اذكر بمقالات لي نشرت قبل عامين أو أقل، وعلى وجه التحديد في النصف الثاني من عام 2014 ...أي بعد بضعة شهور من سيطرة الدولة الاسلامية على المحافظات العراقية الثلاث في شهر حزيران (يونيو)، وفي مرحلة رئاسة نور المالكي لمجلس الوزراء العراقي، عندما أخذ المالكي بعد تهديد الدولة الاسلامية بالزحف نحو بغداد، يعد الخطط للدفاع عن العاصمة العراقية.

فرئيس الوزراء نور المالكي، بالتعاون مع مساعديه في الجيش وأجهزة الشرطة والأمن ومن يعاونهم من المنتمين للحشد الشعبي، كان يرسم الخطط الاستراتيجية ويوزع القطعات العسكرية والأمنية في المداخل الشمالية للعاصمة العراقية، باعتبار أن المهاجمين قادمون من شمال العراق. وهنا نبهت في مقالي ذاك، بعد التذكير بالتفجيرات شبه اليومية، بوجود خلايا نائمة في الداخل البغدادي، الأمر الذي لم يكن يدور في حدود الاحتمال، بل كان في مساحة المؤكد والأمر المحسوم أو المرجح في أدنى الحالات، ذاكرا في مقالي ذاك، بأن الهجوم الأولي قد لا يأتي من الشمال العراقي حيث تتواجد الدولة الاسلامية - آنئذ - في محافظات صلاح الدين والتأميم ونينوى، بل قد تأتي الهجمة الأولى من الداخل...من الخلايا النائمة التي بات منذ ذلك الوقت، من المؤكد تواجدها في داخل المدن العراقية وخصوصا في العاصمة. وبهبتها تلك، ومشاغلتها للقوات المتواجدة في شمال المدينة، قد يتسببون بارتباك واضطراب في صفوفهم يساعد القوات المهاجمة على اختراق صفوفهم. ولم يأخذ المالكي آنئذ بتلك النصيحة المجانية. ولحسن حظه، لم تنفذ الدولة الاسلامية تهديدها، ولم تهاجم آنئذ بغداد.

أما الآن، وهذه نصيحة أخرى مجانية وبدون أي مقابل، أقدمها هذه المرة للدكتور العبادي رئيس الوزراء الحالي، أنبه فيها الى تجدد احتمال مهاجمة بغداد بشكل أقوى مما مضى رغم عدم الاعلان عنه مقدما أو التهديد به هذه المرة. ولكن هذه هي رؤية متواضعة لمحلل سياسي دارس لاسترتيجية الدولة الاسلامية وكيفية تخطيطها. فبعد أن خسرت الدولة الاسلامية مواقعها في محافطتي صلاح الدين والتأميم، وكذلك في الرمادي وأجزاء من الأنبار، وباتت مهددة بمجابهة هجوم قوي في الموصل مدعوم أميركيا بشكل قوي، بل أقوى مما مضى، تأكيدا منها ولو متأخرا، لجديتها في مقاتلة الدولة الاسلامية، وتحقيقا لقدرتها على الدخول في تنافس مشروع مع النشاط الروسي في سوريا الذي لا يكل ولا يهدأ ...

فبعد هذا كله، لم يبق أمام الدولة الاسلامية مجالا الا الاختيار بين أن تندثر وتختفي، أو تقوم بعمل جبار مذهل يعيد جريان الدم في عروقها، ورص صفوفها، واستعادة من بدأوا ينقشعون من حولها مغادرين صفوفها. وهذا العمل لن يكون مجديا الا باحتلال عاصمة دولة عربية، والعاصمة الأكثر ترجيحا والقادرة على احداث زلزال في صفوف دول المنطقة، ويصيبها، ويصيب معها العالم كله بالدهشة والانبهار، هي بغداد الأكثر احتمالا وامكانية للنجاح في السيطرة عليها كليا أو جزئيا، تظرا لما يوجد فيها من خلايا نائمة، مما سيساعد على انجاز تلك المهمة بنجاح كلي أو جزئي. أنها بغداد اذن...ثم بغداد...ثم بغداد. وقد تكون طرابلس الغرب في ليبيا مدينة أخرى بديلة. لكن السيطرة على طرابلس، قدلا يثير ذات الضجة أو نفس الزلازال الذي سيحدثه السيطرة على بغداد أو أجزاء منها. كما أنه لا توجد للدولة الاسلامية خلايا نائمة بعدد كاف في تلك العاصمة الليبية، خصوصا وأن تواجدها في ليبيا هو تواجد حديث أصلا ولم يمض عليه بعد زمنا طويلا وكافيا.

أما العراق، فهو الدولة التي تشكلت فيه الدولة الاسلامية ابتداء، ولها في مدنه أعدادا كبيرة من الخلايا النائمة والموزعة على عدة مدن عراقية، وقد يكون أكثرها في بغداد، ولكن من الممكن العمل على أن تجتمع كلها سرا في بغداد تحت مظلة من الكتمان، يساعدها على نجاحه، كونها خلايا نائمة ومجهولة الهوية للسلطات..، مما سيوفر في نهاية المطاف، في العاصمة العراقية، أعدادا كافية منها قد تكون قادرة على احتلال المدينة، وفي أدنى الحالات على السيطرة على بعض أجزائها (وليس بالضرورة على كامل العاصمة)... كحي الأعظمية مثلا، كنقطة انطلاق للسيطرة على مزيد من الأحياء ذات الأكثرية السنية.

ومن هنا بات من الضرري أن يتجه المسؤولون العراقيون أيا كانوا: حزبيين، سياسيين، أو تكنوقراط، الى أن يضعوا على راس قائمة أولوياتهم، البحث الجدي والجاد عن تلك الخلايا النائمة، لا لوقف عملياتها التفجيرية شبه اليومية فحسب، بل وسعيا لاحباط خطة يرجح المراقبون ومنهم شخصي المتواضع، احتمال وجودها، لكونها تمثل النهج المنطقي للتوجه الداعشي في التفكير والتخطيط، اذا واجه مزيدا من الأخطار.

فهي ان لم توجد بعد في مخيلة مخططي الدولة الاسلامية، فان التطورات المتسارعة والتي لم تعد في مصلحتها، خصوصا مع مضي القوات الروسية في ملاحقتهم في سوريا، وبداية السعي الأميركي لملاحقتهم جديا في العراق أيضا...ستفرض عليهم...عاجلا أو آجلا، اعتماد خطة يائسة كهذه، باعتبارها السهم الأخير أو الأقوى في أدنى الحالات، لاستعادة موقعهم على خارطة التتنظيمات الارهابية. أضف الى ذلك، أن العدو الأكثر شراسة، هو عادة العدو الذي أصابه اليأس أو بات مقدما على بلوغ أعلى درجاته.
ميشيل حنا الحاج
مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الارهاب – برلين
عضو في مركز الحوار العربي الأميركي – واشنطن
كاتب في صفحات الحوار المتمدن – ص. مواضيع وأبحاث سياسية
عضو في رابطة الكتاب الأردنيين – الصفحة الرسمية
عضو في رابطة الصداقة والأخوة اللبنانية المغربية
عضو في مجموعة مشاهير مصر
عضو في صوت اللاجئين الفلسطينيين
عضو في مجموعات أخرى: عراقية، سورية، لبنانية وأردنية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على خطى حماس وحزب الله.. الحوثيون يطورون شبكة أنفاق وقواعد ع


.. قوة روسية تنتشر في قاعدة عسكرية في النيجر




.. أردوغان: حجم تجارتنا مع إسرائيل بلغ 9.5 مليارات دولار لكننا


.. تركيا تقطع العلاقات التجارية.. وإسرائيل تهدد |#غرفة_الأخبار




.. حماس تؤكد أن وفدها سيتوجه السبت إلى القاهرة