الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أردوغان: الفراشة التي تتراقص حول المصباح المضيء الساطع، متى تحترق بحرارته؟

ميشيل حنا الحاج

2016 / 4 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


طباخ السم يذوقه، وقد بدأ ألرئيس التركي يتذوق مرارة السم القاتل الذي زرعه للأخرين، وفي مقدمتهم سوريا بشكل خاص، دون أن ننسى العراق الذي عاني أيضا من سموم الارهابيين الذين عبروا الحدود التركية مرارا وتكرارا، ليقتلوا الكثير من أبناء العراق. وهو قد بدأ يذوقه على يد مقاتلي الحزب الديمقراكي الكردي المتواجد في تركيا، والذي هب منتفضا على الطاغوت التركي الأردوغاني الذي يتشبث برفضه منحهم الحد الأدنى من حقوقهم القومية. كما أخذ يتذوق مرارته عبر التفجيرات الارهابية التي نفذتها الدولة الاسلامية في بلاده، والتي كان السباق مع بعض دول الخليج في عملية تغذيتها، اضافة الى دور الولايات المتحدة واسرائيل في ذلك.

ولكن السم الذي تذوقه أخيرا، لم يردعه عن السير في طريق الخطأ، بل ازدادا اصرارا على ركوب مخاطره. فتشدد في نزاعه مع عبد الله غولن، رفيق دربه السابق الذي ساهم ومجموعته في ايصال أردوغان الى مركز القيادة في تركيا... وبعد أن قدم الدعم لمحمد مرسي اكراما لكونه عضوا في أخوية الاخوان المسلمين التي ضلت طريق الصواب، أصر بعد سقوط مرسي نتيجة ثورة شعبية مصرية أعلن فيها ثلاثة وثلاثون مليون مواطن مصري رفضهم لقيادة مرسي الضالة لمصر..أصر أردوغان على مواصلة تقديم الدعم المادي والمعنوي لحركة حماس، المشاركة لمرسي، والمتحالفة مع توجهه الخاطىء نحو التزمت والأفكار السلفية الساعية لاعادة مصر، بل العالم العربي والاسلامي كله، أربعة عشر قرنا الى الوراء.

ولم يتوقف أيضا لدى تحديه لمصر الشقيقة، اذ بلغ به التهور، حد اعلان راية التحدي في وجه روسيا، الدولة الكبرى، باسقاطه طائرة عسكرية روسية وهي تحلق في الأجواء السورية، كما تسبب في مقتل أحد طياريها، مما اضطر روسيا الى فرض العديد من العقوبات على تركيا الأردوغانية، المصرة بعناد نادر لا يستفيد من أخطائها وأخطائه. فقد أثرت تلك العقوبات على سعر الليرة التركية، وعلى الاقتصاد التركي الذي أخذ في التراجع بعد أن بنى أردوغان شعبيته المضللة على كونه باعث الحياة والحرارة في شريان ذاك الاقتصاد.

ومرة أخرى، لم يستوعب أردوغان درسا..بل دروسا من أخطائه المتلاحقة، اذ أقدم على ركوب موجة تحد آخر لجارته الروسية، من خلال اثارة التوتر لجارته الأخرى، وجارة روسيا وصديقتها الحميمة، وتلك هي جمهورية أرمينيا المستفلة التي ذاق شعبها قبل قرن من الزمان على يد أسلافه العثمانيين، مرارة الاضطهاد والمذابح التي أودت بحياة ما يقارب المليون أرمني... وذلك في مسعى منه، أو كرد غير مباشر منه، على الضغوط الروسية عليه. وقامت روسيا على الفور، قبل أربعة شهور من الزمان، بارسال جنودها للمرابطة على الحدود الأرمنية التركية، كبادرة حماية للأرمن الذين باتوا مهددين مرة أخرى بطاغوت الغول التركي.

الا أن أردوغان تركيا، لم يستطع في حينها، تصعيد التوتر المباشر مع أرمينيا، وبالتالي مع صديقتها روسيا، لكون الرئيس أوباما، لم يكن عندئذ راغبا في تصعيد مباشر مع أرمينيا، وبالتالي مع جارتها وصديقتها روسيا، لكون نزاع كهذا أحد أطرافه تركيا، العضو في حلف الأطلسي، مع روسيا ولو من خلال نزاع مع أرمينيا، قد يستفز حربا قد يتسع مداها، ويضطر معها حلف الأطلسي للتدخل دفاعا عن أحد أعضائه، أي عن تركيا.

وهنا تفتق ذهن أردوغان الذي لا يتوقف أبدا عن البحث عن وسائل اثارة النزاع مع جيرانه، بدءا بسوريا، شرع يبحث عن وسيلة أخرى للتصعيد مع أرمينيا، وبالتالي مع روسيا، حتى وجد في النزاع الأذربيجاني مع أرمينيا حول قضية ناكورني كاراباخ، الهامد منذ عام 1994، أي منذ قرابة الربع قرن، وسيلة لتحقيق أهدافه الخبيثة. وهكذا ثار فجأة النزاع حول كارباخ مرة أخرى، وواكب انبعاثه تصريحات لاردوعان معلنا فيها تأييده المطلق للأذرباجنيين لكونهم من العرق التركي، تماما كما انبرى قبل عدة شهور مدافعا عن تركمان سوريا ذوي العرق التركي أيضا، متناسيا أن أسلافه في قيادة تركيا في عام 1979، لدى انتصار الثورة الاسلامية في ايران، فانتفض العرب بعدها في الجنوب الايراني، والتركمان في شماله، والبوشتيون في شرقه ... مطالبين بالاستقلال عن ايران، لم ينبر حكام تركيا آنئذ، للدفاع عن تركمان ايران، تماما كما اكتفي أردوعان نفسه بالدفاع عن تركمان سوريا حرصا على عرقهم التركي، دون أي محاولة منه للدفاع عن تركمان العراق مثلا، المنتمين أيضا للعرق التركي.

ولكن ما ساعد أردوغان على رفع صوته معلنا تأييده لأذربيجان، وتطمينهم الى امكانية الاعتماد على دعمه المطلق، أمرين هامين لا بد أن يلاحظهما المراقب. فالنزاع الآن ليس نزاعا مباشرا مع أرمينيا، وبالتالي مع جارتها وصديقتها روسيا، بل هو نزاع بين أذربيجان وأرمينيا. والسبب الثاني أنه قد جاء في وقت أخذ فيه الرئيس أوباما يشعر بالاحراج نتيجة تراجعه المتواصل أمام الاصرار الروسي على دعم الموقف السوري المتضمن تأخير مناقشة مصير الرئيس الأسد الى مرحلة لاحقة.

فالرئيس الأميركي كثيرا ما ردد في تصريحاته، رغبته في اسقاط الرئيس الأسد لكونه قد قتل أبناء شعبه كما قال أوباما مرارا. فاضطراره لتقبل الموقف الروسي المتشبث ببقاء الرئيس السوري الى أن يقرر الشعب السوري مصيره، عبر صناديق الاقتراع المباشر في انتخابات رئاسية قادمة بعد ثمانية عشر شهرا، لا المعارضة السورية المسلحة، وذلك استنادا للموقف الروسي القائل بأن الأزمة الملحة ليست الرئيس الأسد، بل الدولة الاسلامية بارهابها الذي أثار الرعب في العالم كله بما فيه الدول الأوروبية الحليفة.

فالموقف الروسي المتشدد تشبثا مطلقا ببقاء الرئيس الأسد في السلطة لمدة ثمانية عشر شهرا تقربه من موعد انتهاء ولايته الحالية، واضطرار أوباما لتقبل ذلك على مضض، انما يشكل فعلا تناقضا واضحا، من ناحية مع موقفه الشخصي المعلن والمعادي للرئيس السوري، كما يؤدي من ناحية أخرى، الى أغضاب حلفائه في دول الخليج وفي تركيا، اضافة الى اغضاب حليفة الاستراتيجي الآخر وهي اسرائيل، رغم النزاع الشخصي المعلن بينه وبين نتانياهو.

وهكذا لاحظ الرئيس أوباما أن اشعال جبهة أرمينيا وأذربيجان، وما قد تؤدي اليه من انشغال روسيا بها ولو الى حين، قد يساعده على التخفيف من حدة التشبث الروسي في موقفها الداعم للأسد، مع ادراكه بأنه لن يخفف من حدة تأييدها لبقاء سوريا موحدة، وتقودها حكومة علمانية ديمقراطية متعددة الطوائف، لا دولة دينية متشددة، كما ترغب تركيا وتسعى اليه بعض دول الخليج.

ولا بد أن يلاحظ بعض المراقبين، أن ضوءا أخضر أميركيا قد أعطي كما يبدو لتركيا، لتسعير الخلاف فجأة ودون مقدمات، والساكن على مدى قرابة الربع قرن بين أذربيجان وأرمينيا، الدولتين العضوين السابقين في الاتحاد السوفياتي. فالاندلاع الفجائي لتلك الأزمة، قد جاء عشية لقاء الرئيسين أردوغان وأباما في واشنطن على خلفية المؤتمر الدولي لمكافحة الانتشار النووي.

ففور انعقاد ذاك اللقاء الحميم، رغم كل الخلافات التركية الأميركية. وكانت تلك الخلافات قد تبلورت بوضوح منذ نهايات عام 1994، لدى قيام الدولة الاسلامية بمحاصرة مدينة كوباني السورية التي تقطنها أغلبية تركية، ورفض أردوغان يومئذ المطالب الأميركية باستخدام قاعدة أنجرليك التركية الأطلسية، لانطلاق الطائرات الأميركية منها للاغارة على داعش التي حاصرت كوباني، اضافة الى رفض تركيا السماح للأميركيين بمرور الدعم العسكري والانساني الى كوباني المحاصرة عبر الأراضي التركية، وما رافقه من وعود تركية كثيرة (لم تتحقق) باغلاق الحدود التركية في وجه المسلحين وخصوصا المنتمين منهم للدولة الاسلامية، كوسيلة للضغط على المعارضة وعلى الدولة الاسلامية، تحقيقا للاتفاق الروسي الأميركي (المعلن على الأقل) الساعي لوضع نهاية للحرب في سوريا تمهيدا للتفرغ لمقاتلة الدولة الاسلامية.

ولكن أوباما الذي يبشر بالسلام، لا يعلم بعد مدى الخطأ الذي وقع فيه نتيجة اعطائه الضوء الأخضر للماكر المراوغ أردوغان، باشعال محدود لتلك الأزمة مجددا. فهو (أي أردوغان)، منذ اللحظة التي تلقى فيها ذاك الضوء الأخضر باشعال محدود لآزمة ناكورنو كارباخ، فاشتعلت الأزمة فعلا في اليوم التالي للقاء... لم يتوقع من ناحية تلك التصريحات التركية العنيفة المشجعة والداعمة لأذربيجان، كما أنه قد تناسى مراوغة أردوغان المستمرة، والتي أثبت فيها بأنها تشكل نهجه المألوف طوال أزمة الحرب السورية على مدى خمس سنوات. فهو ماكر مكر الثعلب، ووقع الآن أوباما في شباكه مرة أخرى، دون أن يتعلم من تجاربه السابقة مع الرئيس التركي العتيد.

ويقول بعض العالمين بالوضع الحقيقي للقوات الأرمنية، بأنها أقوى كثيرا من القوات الأذرباجينية، وهذا كان سبب انتصارها السابق في الحرب التي وقعت بينهما في عامي 1993 و 1994. ولكن التدخل التركي الى جانب أذربيجان، ولو عن طريق ارسال الخبراء والمستشارين... وربما بعض المتطوعين، باعتبارهم مواطنين أتراك يؤازرون على مسؤليتهم اخوتهم الأذرباجينيين من العرق التركي... قد يطلب موازين القوى لصالح أذربيجان. ويحشى بعض المتابعين للشأن الأرمني، وكما يتمنى أردوغان، بأن تطورا كهذا، قد يضطر روسيا للتدخل المباشر لاعادة توازن القوى بين الطرفين، مما سيفرز تطورا هاما قد يستدرج خلف شمال الأطلسي للتدخل. الا أن أولئك قد نسوا المسألة الأوكرانية التي رغم أهميتها، لم تستدرج روسيا للتدخل رسميا ومباشرة بقواتها العسكرية، مكتفية بتقديم السلاح، وربما الخبراء، للأوكرانيين الروس الذين قاتلوا لوحدهم في أوكراتيا على مدى سنتين.

ومع ذلك، فان أردوغان نفسه، الذي يبدو كالفراشة التي تدور وتدور حول المصباح الكهربائي شديد الاشتعال، لا يعلم أو يقدر بأنه آجلا أو آجلا، سيحترق بتلك النار. فهو قد يستطيع اللعب والاحتيال على الرئيس أوباما، ولكنه لا يقدر أنه يقابله في المعادلة ثعلب آخر أكثر مكرا ودهاء منه، وهو الرئيس الروسي بوتين، الذي لن أكون متفاجئا اذا ما وجه له عبر عون غير منظور لأرمينيا، تماما كما في أوكرانيا، ضربة ما قد تفاجئه، وقد لا تقتصر هذه المرة على عقوبات اقتصادية وسياحية، بل قد تمتد لتجعل قوة الضوء الذي تدور حوله الفراشة الأردوغانية بقوة مائة شمعة، ليزيد قوة اشتعالها ربما بشكل غير مباشر، لتصبح بقوة ألف شمعة، تعجل باحتراق الفراشة الأردوغانية المتراقصة مبتهجة حولها.

ميشيل حنا الحاج
مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الارهاب – برلين
عضو في مركز الحوار العربي الأميركي – واشنطن
كاتب في صفحات الحوار المتمدن – ص. مواضيع وأبحاث سياسية
عضو في رابطة الكتاب الأردنيين – الصفحة الرسمية
عضو في رابطة الصداقة والأخوة اللبنانية المغربية
عضو في مجموعة مشاهير مصر
عضو في صوت اللاجئين الفلسطينيين
عضو في مجموعات أخرى: عراقية، سورية، لبنانية وأردنية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهاجم أردوغان.. أنقرة توقف التبادلات التجارية مع تل


.. ما دلالات استمرار فصائل المقاومة باستهداف محور نتساريم في غز




.. مواجهات بين مقاومين وجيش الاحتلال عقب محاصرة قوات إسرائيلية


.. قوات الأمن الأمريكية تمنع تغطية مؤتمر صحفي لطلاب معتصمين ضد




.. شاهد| قوات الاحتلال تستهدف منزلا بصاروخ في قرية دير الغصون ش