الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نبوءة -شافيز- وصدمة النفط الجديدة

إكرام يوسف

2005 / 11 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


صدمة نفطية جديدة.. أم مجرد صعود طارئ ليس وراءه إلا حفنة عوامل طارئة، إذا ولت توقف معها هذا الصعود الوقتي؟ هذا التساؤل صار الآن مطروحاً بقوة ليس فقط في أسواق النفط العالمية وإنما أيضا على المسرح السياسي الدولي؛ وربما بقوة أكبر في أروقة هذا المسرح ودهاليزه.
ولا شك أن الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز عندما قال "إن عهد النفط الرخيص ولى إلى غير رجعة"، كان يلخص بعبارته الوجيزة واقع الحال في عصرنا الحالي وربما في المستقبل القريب على الأقل. فقد أوضحت شواهد أسواق النفط العالمية مؤخرا ـ بعدما تجاوز سعر البرميل 60 دولارا ـ أن ارتفاع أسعار الخام العالمية أمر هيكلي، وليس ارتفاعا عرضيا أو مجرد سحابة صيف سعرية عابرة. ولعل هذا ما دفع وسائل الإعلام الغربية إلى إطلاق اسم "الصدمة الثالثة" على موجة صعود أسعار البترول الحالية.
ونعلم جميعا أن الصدمة الأولى حدثت بعد حرب أكتوبر1973 التي قفزت بأسعار الخام من أقل من تسعة دولارات إلى أربعين دولارا للبرميل. أما الصدمة الثانية فوقعت في أعقاب الثورة الإيرانية عام1979؛ وكانت فرصة ذهبية للدول النفطية التي انهالت عليها المليارات من البترودولارات.
ولا يغيب عن كل ذي عينين الشواهد التي تؤكد أن القوى المسيطرة على الاقتصاد العالمي لا تأل جهدا في محاولات بسط سيطرتها على المناطق الغنية بالذهب الأسود وفي المقدمة منها منطقة الشرق الأوسط؛ بداية من العودة إلى الممارسات الاستعمارية في صورتها القديمة، وحتى تنفيذ كافة الخطط الممكنة لاستنزاف تلك الثروة؛ ومثال على ذلك الأنباء التي ترددت مؤخرا عن عزم الدول الكبرى بيع أسلحة بمليارات الدولارات لعدد من الدول النفطية حتى تعيد الرأسمالية العالمية تدوير تلك الأموال.
ويلحظ المراقب لتطورات الأحوال في أسواق النفط العالمية ستة عوامل تؤكد جميعها صدق مقولة"شافيز"، وتدعو بالتالي البلدان النفطية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط إلى وضع هذه العوامل في الاعتبار عند التعامل مع الأقطاب الفاعلة الحالية ـ والمحتملة مستقبلا ـ على المسرح السياسي، على نحو يمكن من إنقاذ البقية الباقية من أوراق اللعبة التي مازالت في يد بلدان المنطقة.
أول هذه العوامل يتمثل في أن النفط ليس سلعة عادية وإنما سلعة إستراتيجية صارت ـ وستظل لمئات السنين المقبلةـ عصب الحضارة الحديثة، خاصة وأن كل ما طرحه العقل الإنساني ـ حتى الآن ـ عن مصادر بديلة لطاقة غير تلك السلعة لم يثبت جدواه الاقتصادية. فقد برهنت كارثة "تشيرنوبل" في الثمانينيات من القرن الماضي، على أن مخاطر الطاقة الذرية تفوق بكثير جدواها الاقتصادية. كما أنه من الصعوبة بمكان استغلال الطاقة الشمسية في الدول الصناعية التي تغيب عنها الشمس في أغلب أيام السنة. بل وحتى مصادر الطاقة البديلة الجديدة مثل الهيدروجين والإيثانول؛ جميعها في حاجة إلى المزيد من الأبحاث والاستثمارات التي تقدر بالمليارات. وسوف تفكر أي شركة طاقة مائة مرة قبل تضخ سنتا واحدا في مشروع في هذا المجال قد لا يعود عليها إلا بالخسارة.
أما العامل الثاني، الذي قد يزيد من تعقيد العامل الأول، فهو حقيقة أن العالم اكتشف بالفعل كل مناطق إنتاج النفط الرئيسية المهمة. وأن الخبراء اكتشفوا أنه في حكم المؤكد أننا لن نسمع ثانية عن أي اكتشافات نفطية ضخمة في أي مكان في العالم بعد الآن سواء في البر أو في البحار أو المحيطات أو حتى في المناطق القطبية الشمالية والجنوبية. بل أنه حتى الضجة الإعلامية الكبيرة التي أثارها الإعلام العالمي عن نفط منطقة بحر قزوين وكيف أنه سيكون منافسا لنفط منطقة الشرق الأوسط ..هذه الضجة اتضح أنها ضجيج بلا طحن. وينسحب نفس الكلام على نفط بحر الشمال وخليج المكسيك.
وهكذا تبين أن العالم بعد أن مسح الكرة الأرضية بالأقمار الصناعية ووسائل المسح الجيولوجية لن يكتشف مناطق نفطية جديدة أهم من منطقة الشرق الأوسط التي تستحوذ على ستين في المائة من الاحتياطيات النفطية العالمية وهي احتياطيات ستكفي لمدة تصل إلى مائة وستين عاما؛ وهو الأمر الذي يفسر تشبث قوى العالم الكبرى شرقا وغربا بمصالحها في تلك المنطقة ولو بالاحتلال العسكري الذي ظنننا يوما ما أنه وسيلة عفا عليها الدهر.
ويضيف عامل ثالث بعداً آخر لهذه السلعة الإستراتيجية؛ وهو أن السواد الأعظم من الإنتاج النفطي العالمي عبارة عن خامات نفطية ثقيلة أي خامات تقل فيها نسبة المشتقات النفطية المهمة مثل البنزين ووقود الطائرات والكيروسين وغيرها من الخامات التي تشكل روح الصناعة الحديثة , وما يزيد تلك المشكلة تعقيدا إحجام شركات النفط العالمية عن بناء مصافي نفطية جديدة لضآلة هوامش أرباح تلك المصافي مقارنة بأرباح إنتاج النفط الخام. وإذا قارنا ذلك بحقيقة أن معظم الخامات الخفيفة موجودة في منطقة الشرق الأوسط؛ لأدركنا إلى أي مدى يعزز ذلك الأهمية النفطية الإستراتيجية لتك المنطقة، وهي إشكالية لا حيلة للعالم إزاءها.
وهناك عامل رابع يتعلق هذه المرة بجانب الطلب العالمي على النفط؛ حيث صار العالم يستهلك الآن أربعة وثمانين مليون برميل يوميا من النفط. وهذه الشراهة في الاستهلاك ستجعل دولة مثل الولايات المتحدة التي تلتهم ربع إنتاج العالم من النفط تستنفد كل احتياطياتها المؤكدة في بحر عقد من الزمان. أضف إلى ذلك،أن الصين والهند دخلتا بقوة حلبة السباق على الموارد النفطية العالمية بعد أن وصلت معدلات النمو في هاتين الدولتين إلى أكثر من تسعة في المائة سنويا. حتى أن الأمر وصل إلى حد وقوف الحكومة الصينية بكل ثقلها السياسي والمالي ـ هذا العام ـ وراء محاولة شركة "سينوك" الصينية، وهي شركة قابضة تعمل في مجال الطاقة، شراء مصالح نفطية داخل الولايات المتحدة نفسها وهو ما تصدى له الكونجرس الأمريكي بكل قوته.
كما يرتبط العامل الخامس ـ المتعلق بالنفط كسلعة استراتيجية ـ أيضا بقضية العرض والطلب. لكن العرض والطلب هذه المرة يكون في أحيان كثيرة ، إن لم يكن في أغلب الأحيان غير حقيقي؛ أي على الورق فقط. حيث أصبحت الصفقات النفطية ـ بسبب حساسية الأسعار الشديدة إزاء التطورات السياسية الدولية ـ هدفا لعمليات مضاربة هائلة في الأسواق العالمية. ومن المعروف أن هذه الأسواق تتيح إمكانية بيع وشراء كميات هائلة من النفط بمليارات الدولارات على الورق دون أن تتحرك نقطة نفط من مكانها.
ثمة عامل سادس لكنه يتعلق هذه المرة بالدولار بوصفه العملة التي يجري بها بيع السواد الأعظم من إنتاج النفط العالمي؛ وهو واقع تحرص الولايات المتحدة على تكريسه ولو بالضغط السياسي لتعزيز الطلب العالمي على الدولار. والمعروف أن الدولار مني في العام الماضي بأكبر نكسة له على الإطلاق أمام اليورو، عندما هوى بأكثر من عشرين في المائة وهو ما كان معناه تآكل العائدات النفطية بما يعادل تلك النسبة.
ولا شك أن هذا العامل هو ما دفع كثيرين إلى الحديث عما يعرف بالسعر العادل للنفط وهو السعر الذي يتعين أن يأخذ في اعتباره معدلات التضخم العالمية ومعدلات تراجع الدولار في الاعتبار وهو ما يعني وفق البعض أنه يتعين أن يكون سعر البرميل أكثر من مائة دولار للبرميل.
وأخيرا، ألا تستحق هذه العوامل نظرة أكثر موضوعية وتأنيا لدراسة الدوافع والمحركات الحقيقية وراء ما يحدث في عالمنا اليوم، بعيدا عن شعارات نشر الديمقراطية ومحاربة الإرهاب، وما إلى ذلك من طنطنة اتضح لكل ذي عينين زيفها؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تبدو النتائج الأولية غير الرسمية للانتخابات العامة البري


.. مراسل الجزيرة يرصد أبرز تصريحات وزير المالية الإسرائيلي سموت




.. بايدن يعترف: لقد أخفقت في المناظرة وكنت متوترا جدا وقضيت ليل


.. استطلاعات رأي: -العمال- يفوز في الانتخابات البريطانية ويخرج




.. أبرز المرشحين الديمقراطيين لخوض انتخابات الرئاسة في حال انسح