الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يسارية الاحرف الاربع

هيثم بن محمد شطورو

2016 / 4 / 7
الادب والفن


سافر الى توهج الحرية المطلـقة شاعـر تونسي استـثـنائي اسمه : "صغير ولاد حمد" بعد يوم واحد من عيد ميلاده الموافق لـ 04 فيفري، ليكون في 2016 قـد عتب الـ 61 أرضية. هذه الارض التي لم تكن له إلا تونس. اختـتم آخر فيضانات روحه الشعرية باخـتـزال اللغة العربية و العالم و الوجود بالأحرف الاربع التي تـشكل كلمة "تونس". الاحرف عند الشاعـر ليست مجرد احرف و انما اعمدة وجود، و الكلمة وجود.
"صغير ولاد حمد" تونسي الى النخاع. هكذا بكل بساطة. التونسي اصيل قرية من قرى سيدي بوزيد الثائرة. التونسي اليساري. التونسي العاشق للحياة. التونسي المتصوف بطريقـته الخاصة و ان كان ماركسيا. ذاك التصوف الذي يعني ان الحياة هي الله و ان الله هو كل شيء و في كل شيء. و انه يستـقر في القلوب و ليس على عتبات اللسان، و في اخلاق الشفـقة و التضامن و التطير من الكـذب و النفاق و الاستغلال و الغباء.
هكذا تودع تونس شاعرها الاستـثـنائي لتضيء سماؤها بنجم آخر لا ينطفئ. نجم مضيء فرمز ينضاف الى معمارية تونس الروحية. انه ليس من الغريب ان يكون يساريا و لكن مكمن كل الغرابة ان لا يكون كل تونسي يساريا و كل مسلم نقي السريرة يساريا. ها هو نجم جديد مضيء الى جانب النجوم الاخرى. شكري بالعيد، محمد البراهمي، فرحات حشاد، ابو القاسم الشابي، الطاهر الحداد و غيرهم كثيرون..
حين تـقول "صغير ولاد حمد" فانك تـقول :
"أحب البلاد كما لا يحب البلاد احد
صباحا مساءا
و يوم الأحد"
تـقول كذلك : "المدينة اثـقـل من خطاك يا ابن خلدون". فالمفكر خطواته خفيفة متسارعة و شجاعة مقارنة بواقعه المتـثاقـل الغبي الذي لا تحركه إلا الضرورة. و سفر التكوين ليس انجازا و انـتهى و قد قُـذف به في كتاب منسي بين الادراج. سفر التكوين دائم الحياة و دائم التجاوز و التقـلب و التـلون بألوان الارض ما استطاع الى ذلك سبيلا. سفر التكوين محاولة دائمة لابتلاع العالم في ذهني. يستـنـشق بعمق هواء الارض و رائحتها، هواء الوطن و رائحته، هواء الاجداد و الاجيال التي لم تولد بعد. هواء التركيـبة الكلية التي يغـدوها المفكر بفكره في تجلياته الساطعة، بينما المدينة تـتخبط في ضلال تحركاتها الثـقيلة المملة الخائفة المترددة. للشاعر و المفكر ان يسبق هذه المدينة بكل ما فيها من ديناصورات و صراصير و احجار ليقول ان الوجود هو الوطن، هو الاربعة أحرف، الاربعة أعمدة، الاعمدة التي لا ترونها و التي رفع بها فاطر السماوات دعامات السماوات..
و هكذا فيسارية الارض هي يمينية السماء، و بقـدر الحزن الذي يعتمل في الوجدان لعـدم قـدرة من يفـترض فيه تمثيل هذا اليسار الممتد الواسع الفني الثـقافي الروحي الاصيل سياسيا بمستوى الوطن و الوجود، بقـدر شحنة الأمل المتـدفـق ان لا ينحصر اليسار في جبهة و انما في عموم الفاعلين السياسيـين.
و لعله قـد اصبح من الواضح ان رئاسة الجمهورية تسعى الى التعبير الاسمى عن الكل في تطور واضح عن سابقاتها. من ذلك العمل على التوافقات السياسية و ارشاد المعارضة ان تكون جزءا من السلطة بما انها في اطار التعددية السياسية، و ليس ان تكون عازفا منفردا و كأنها في الخلاء او لازالت في طور النضال السري ضد الاستبداد السلطوي. و هذا التعبير يجد صداه الاوسع حين نَعَت رئاسة الجمهورية تونس و الشعب التونسي في وفاة شاعر تونس "صغير ولاد حمد".
يؤكد هذا الموقف وعيا بماهية تونس الجديدة. تونس اليسارية. انه ليس مجرد موقـف منعـزل. فالسيد "الباجي قايد السبسي" كان قد أقـر بمناسبة ذكرى اغتيال الزعيم الرمز الملهم "شكري بالعيد"، ان الشهيد هو رمز الثورة التونسية، بينما كانت الجبهة الشعبية قـد اكـتـفت بتحويل الشهيد الى مجرد قضية جنائية، مما يعني تـقـزيما لحجمه الكبير الذي يمتـد عبر تونس و جل الاجواء العربية في ثورته التحررية الديمقراطية. نعلم ان الامر كان عن حسن نية و لكنه في نفس الوقت ينم عن قصور في الوعي بالأحرف الاربع التي اختـتم بها "صغير ولاد حمد" حياته الدنيوية. الاحرف التي تؤسس في عـشقها لحياة ممتدة بين الاولى و الآخرة.. الوعي الذي اصبحت تريد تمثله حركة النهضة الاسلامية و التي اصبح زعيمها السيد "راشد الغنوشي" يصف "شكري بالعيد" و "محمد البراهمي" بالشهيدين. الشهيدين الزعيمين للجبهة الشعبية التي قـزمتهما في مجرد قضية جنائية، بينما المدينة رغم تـثاقـلها فحركتها بدت اسرع لتـقـف على حقيقة يسارية تونس الثورة...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أون سيت - الأسطى حسن .. نقطة التحول في حياة الفنان فريد شوقي


.. أون سيت - أولاد رزق 3 .. أعلى نسبة إيرادات .. لقاء حصري مع أ




.. الكاتب علي الموسى يروي لسؤال مباشر سيطرة الإخوان المسلمين عل


.. بيت الفنان الليبي علي غانا بطرابلس.. مركز ثقافي وفضاء إبداعي




.. العربية ويكند | جيل بايدن تقود الرئيس بايدن إلى خارج المسرح