الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحب في زمن الغضب

محيي الدين ابراهيم

2016 / 4 / 7
الادب والفن


حب في زمن الثورة

بقلم محيي الدين ابراهيم
كاتب واعلامي مصري
يوليو .. 18 .. الساعة السادسة .. ينظر إليها العجوز من بعيد بينما يضع الدخان في فوهة ( الغليون ) قبل أن يشعله ويدخن يبطئ ليتأملها وهي شاردة تنظر في الفراغ .. كانت المرة الأولى التي تلتقي فيها برجل .. المرة الأولى التي يداعب فيها رجل خصلات شعرها بأنامله .. كادت أن تتوقف عن التنفس من شدة الخوف .. قامت منتفضة حتى كادت أن تقع على وجهها من شدة الارتباك بينما هو يضحك مندهشاً ومحاولاً التودد لها بالمصالحة وأن لا يفعلها معها ثانية .. لن أداعب شعرك ثانية .. بل سأجلس على بعد مترين منك مادمت هكذا .. تضحك هي الأخرى .. تلكزة في كتفه من الغيظ وهي في قرارة نفسها تكاد تنفجر من السعادة .. لم تعرف الحياة مع رجل أبداً .. أي رجل .. تركها الأب مع أمها ولم يعد .. خرج ولم يعد منذ أن كانت في الثانية من عمرها .. صارت الأم كورقة شجر انتزعتها الرياح في يوم هائج فتاهت وسط العاصفة .. لا هي زوجة .. ولا مطلقة .. ولا أرملة .. قررت أن تكون الأب والأم معاً لأبنتها .. عملت في مصنع ( الجوت ) بشبرا الخيمة بأجر زهيد في صناعة أجولة ( الخيش ) حتى تم بيعه لأحد المستثمرين كأرض فضاء بنى عليها أبراج سكنية ليتم فصلها هي و كل العمال دون رحمة عام 2001 .. الحياة لا تعطي كل شئ .. لكنها كأم اختارت أن تعمل كخادمة في البيوت لتنفق على ابنتها التي لم تبلغ سنها العاشرة بعد .. لم تعرف رجلاً بعد زوجها الهارب .. لم يدخل منزلها رجل واحد منذ أن هجرهما و ( طفش ) حتى جاء الشيخ رجب .. كان رئيس وردية في مصنع الخيش .. يعلم حكايتها تماماً ويعتبرها كأبنته .. كفر الشيخ هي الحل .. هناك مصنع سجاد يحتاج لعاملات ذوي خبرة ومرتب محترم .. مرة ونصف ما كانت تتقاضاه في مصنع الخيش .. لم يعد لها وأبنتها في القاهرة ما يدفعهما للبقاء فيها .. تتنهد .. كانت سنتها الثانية في كلية التجارة حين زارت أمها في مصنع السجاد لأول مرة .. كانت تنتظرها في غرفة العاملات بالمصنع حتى تنتهي من ورديتها حين سمعت صوتاً عالياً يصيح بالخارج منادياً على احداهن ويدفع الباب بقدمه ليجدها أمامه فيتسمر في مكانه وكأنه ابتلع لسانه .. مهندساً وسيماً ويبدو من مظهره أنه لا يهوى المشاكل رغم صوته العالي الذي رأته فيه أول مرة .. لا تعرف كيف وافقت على أن يتحدث معها ساعتين كاملتين حينما زارها فجأة في كلية التجارة .. إنه جرئ جداً .. وكان كل خمس دقائق يهدئ من روعها الذي كادت بسببه وبسبب عيون زميلاتها اللواتي فجأة لم تغب منهن واحدة أن تنهار .. تنهار تماماً .. هذا بخلاف أنها لم تستطع أن تفتح فمها معه طيلة الساعتين .. فقط هو يتكلم .. فقط هو يحمل عذوبة في كلماته .. فقط هو .. لقد تأخرت كثيراً عن أمها وعليها الرحيل للمنزل الآن .. عام كامل يذهب للجامعة كي يراها ويتحدث معها في كل شئ .. كانت الأجازة الصيفية بالنسبة له كالمعتقل حيث تمنعها أمها من الخروج تماماً .. كان يحتال أحياناً على الأم بعمل حفلة للعمال يأتون فيها بأبنائهن بين الحين والآخر .. لكن هذه الحفلات لم تكن تروي ظمأ عشقه .. أصر يوم ظهور النتيجة أن يأخذها في رحلة على دراجته البخارية .. صرخت بأن ذلك لن يحدث .. لن يحدث .. ولكنها لم تشعر بأنها انثى إلا وهي تحتضن خاصرته وتضع رأسها فوق كتفه بينما يقود دراجته في شوارع مدينة كفر الشيخ التي تكاد تراها لأول مرة حتى توقفا هنا .. 18 يوليو الساعة السادسة عام 2010 .. أجلسها بجواره وحين نظرت اليه وهي خائفة وجدت عجوزاً يدخن غليوناً في هدوء ويتأملهما في تأني .. خافت .. تشك أن يكون العجوز على معرفة بأمها .. تريد أن ترحل الآن .. الآن .. لكنه طمأنها .. أقترب منها .. داعب خصلات شعرها بأنامله .. قامت منتفضة حتى كادت أن تقع على وجهها .. سينهي رسالة الماجيستير خلال عام ثم تكون زوجته .. سيعلن للعالم كله أنه الرجل الوحيد في العالم الذي حظى بالسعادة في هذا الوجود .. قام من جوارها .. سحبها من يدها .. قفز .. صرخ .. دار بها في المكان .. ليس على العاشق حرج .. هكذا قالها العجوز وهو يراهما ويبتسم بين دخان غليونه .. خرجت الجموع بعشرات الآلاف غاضبة .. عيش حرية عدالة اجتماعية .. يسقط يسقط حكم الظلمة .. ظلت تجري وسط الجموع باحثة عنه .. كان يؤمن بأن هذا الشعب يستحق حياة أفضل .. ظلت تبحث عنه .. لم تكن ملامحة بين الجموع .. اختفى .. أفاقت على صوته وهو يداعبها وفي يده زجاجتي مياة غازية .. لقد غابت عن الوعي .. غابت تماماً .. نظرت في عين زوجها معتذرة .. دعنا لا نأتي هذا المكان مرة أخرى .. كانت على وشك ولادة مولودهما الأول .. استعادة الذكرى خيانة هكذا راودتها هذه العبارة وهي تسير متثاقلة بجوار زوجها .. لن تخون زوجها حتى بمجرد استعادة ذكرى أول حب في حياتها .. لن تعود لهذا المكان الذي أضيئت أنوثتها فيه لأول مرة .. من مات سيظل في أعماق الروح سراً من أسرارها .. أما من هو على قيد الحياة فمن حقه أن ينعم بزوجة لا تسترجع ذكرى حبها القديم ولو سراً .. لن نعود لهذا المكان ثانية .. فتح باب سيارته وهو يعدها .. لن نعود لهذا المكان ثانية .. كانت السيارة تقلهما عائدة بينما العجوز وسط دخان غليونه ينظر في اتجاههما حتى تلاشيا عن الأنظار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب


.. -صباح العربية- يلتقي فنانة الأوبرا السعودية سوسن البهيتي




.. الممثل الأميركي مارك هامل يروي موقفا طريفا أثناء زيارته لمكت


.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري




.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض