الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- رهاب الموصوفات ......عازفة البيانو -رواية ألفريدة يلينيك

متعب أنزو

2005 / 11 / 24
الادب والفن


" عازفة البيانو " رواية ألفريدة يلينيك ..... رهاب الموصوفات
- متعب أنزو
لربما كان الخروج المُعلن لرجال الأكاديمية السويدية ¬والذي تُوجت بمفاعيله إلفريدة يلنيك «الروائية النمساوية» بنوبل للآداب للعام 2004 ¬مغايراً «كما جرت العادة» لكل الترشيحات الذكورية التي حملت أسماء من وزن أدونيس ومواطنها بيتر هندكة إلى ذروة الشائعات، التي تسبق عادة إعلان الجائزة.
اللجنة الملكية السويدية جاء في بيان اختيارها ليلنيك ما معناه «تقديراً لأعمالها التي تعالج من بين الموضوعات التي تعالجها، دور المرأة في المجتمع، حيث تصور في رواياتها عالماً بلا رحمة يواجه فيه القارئ نظاماً متصلباً يتأرجح بين العنف المستبد والخضوع، وبين الصياد والفريسة، المعنى الحرفي الذي نجحت يلنيك بإيصاله بفعل الانسيابية الموسيقية للأصوات ونقيضها في الأصوات المضادة والتي تكشف بعذوبة لغوية فريدة عن عبث القوالب الاجتماعية الجاهزة وقوتها المسيطرة.

اليوم... تحضر إلفريدة يلنيك في الذائقة العربية بروايتها المثيرة للجدل «عازفة البيانو»، «دار ميريت» والتي وصفت لحظة صدورها في العام 1983 «بأنها ترف لغوي وفضائحي وحسب». ‏
وبتوصيف ثري يتبنى الكثير من حرارة الذات في المنجز الروائي. ‏
وكأن القائمين على نوبل يريدون تذكيرنا بهذا النوع من الكتابة المفخخة التي وسمت بها يلنيك الذائقة الأدبية الأوروبية بأكملها، تماماً كما فعلت في أعمالها الروائية الأخرى «لذة» 1989 و«طمع» 2000. ‏
الكتابة هنا في عازفة البيانو قوامها فلسفة عميقة في قراءة التحولات الاجتماعية وسلوك أدبي محكم تعرفه الروائية النمساوية كاستهداف أول وتعرف مرجعياته في التاريخ النمساوي تحديداً تلك الحقبة ارتهنت فيها النمسا للفكر النازي والذي شكل في فترة ما جزءاً من الحالة السياسية والثقافية الأوروبية. ‏
في الأثر الأدبي الأول الذي يقدم حاملة نوبل بالعربية، تذهب يلنيك بعيداً في إلقاء الكثير من مفاصل سيرتها الشخصية على التكوين المريب والمرتبك في آن «لإريكا كوهوت» العازفة التي تقود القارئ في متن السرد إلى علاقتها السلوكية المتحللة من منطوق الطبيعة مع والدتها، وبكثير من المدّ والجزر في تناوب نسج حافة الآمان والتي تحول دون وصول التناقضات إلى شكل من أشكال العلانية مع القارئ. ‏
الأم وكما أرادت لها يلنيك تقود نظاماً بطريركياً بديلاً ¬باعتبار أن الرواية تخبرنا منذ البداية أن الوالد قد أدُخل مصحاً نفسياً بفعل الاضطرابات التي ألمت به نتيجة الارتباط مع النازيين. ‏
النهاية ذاتها التي ألمت بوالد إلفريدة يلنيك اليهودي الأصل والذي أنقذته خدماته «ككيميائي» في نظام هتلر من المحرقة النازية فكان أن انتهى في نهاية المطاف إلى الجنون. ‏
هذا العالم الموشح بدخول الموسيقى على خط المنظومة الحياتية والذهنية وربما النفسية هو الذي تفرضه والدة لإريكا كوهوت على ابنتها تماشياً مع فهم مسبق ونرجسي ¬يصل حد الاستحواذ¬ سرعان ما يتلبس الفتاة فتغدو وكأنها مزيج من موسيقى شوبان وباخ وها يدن وبتهوفن. ‏
في الوقت التي كانت فيه تمارس حياتها كمدرسة لطرائق العزف على البيانو، وانتقالها ضمن الإحداثيات الروحية والاجتماعية المرسومة لها من قبل والدتها. ‏
من هذه الزاوية الضيقة تحاول كوهوت التقاط شروط حياتها كمراهقة ذرة.. ذرة واكتشاف جسدها بإحساس أعمى، فلا تطول فيه غير الرسائل المشوشة التي تحيد عن غايات الطبيعة، هذا الإحساس الذي يقودها بدوره إلى تغليف كل حركة فيه بعلاقات موسيقية تكاد تسيطر على كل منظومة وتفكيرها. ‏
في الفضاء الحيوي الموازي لاشتراك كوهوت مع الأشياء والمعاني الهاربة من سلطات والدتها. ‏
تجرب بعثرة حدسها وحواسها في اتجاهات مختلفة من جغرافيا المكان في فيينا من الحفلات الموسيقية إلى الصمت والسكونية المبهجة إلى الرهاب من دهاليز اللذة وصولاً إلى ملاهي البراتر والحدائق المحيطة بها. ‏
هذا الجانب من حياة كوهوت والذي تنجح فيه يلنيك من تسجيل مقاربة صادمة مع فيينا الستينيات ¬وهي الفترة ذاتها التي غلفت شبابها¬ مع الخطوط العريضة من حياة النمساويين، تحديداً تلك المساحات التي يناور فيها الجسد على ما تبقى من الاهتمامات. ‏
وهي لذلك تجهد في توصيف مشاهد اللذة المعلنة في الحدائق والملاهي التي كانت تغص فيها العاصمة النمساوية وانسياق العازفة الشغوفة وراء نداءاتها، ومن ثم دخول المهاجرين الأتراك والألمان على خط الترويج لفنون التماثل والتنازل لفرضيات الجسد. ‏
بعد ذلك تتعرف لإريكا من منسوب مختلف إلى تلميذها «فالتركلمر» لتسلك فيما تبقى من السرد درجات لا تعرفها من الخضوع والارتهان لعاطفة مشوشة، يستمزج فيها كلمر كل طاقاته في الحركة والمناورة والالتفاف كونه متمرناً على التخلص من الفتيات اللواتي يمتلكهن بسهولة متناهية. ‏
على ساتر كل هذه التناقضات تنسج إلفريدة يلنيك نصاً روائياً متفوقاً على احتمالات معلنة في حياة العازفة كوهوت، والمنسحب تلقائياً على رسم يماهي بين المرأة والموسيقى، ويتجاذب مشفرات الذكورة والأنوثة باعتصام واضح، وبلغة مفخخة تعج بالامتياز البصري والصور والمرايا العاكسة. ‏
هذه الفعالية في السرد التي تحتكم لدى الروائية النمساوية إلى أدوات عالية في حياكة الاجتماعي والتاريخي وحتى الروحي لدى شريحة من الأوروبيين فضلت الانطواء تحت أجنحة هتلر على الذهاب بعيداً باتجاه قيم إنسانية مغايرة. ‏
ولأن يلنيك تعمدت في روايتها فرد مساحة مريحة لكتابة الأدوار فلأنها هنا كانت تحاول تطوير فن الكتابة المجردة، والابتعاد عن تابوهات الحكاية كشكل أول ونهائي. ‏
ما فسر خروج الكثير من النقاد إزاء حدة اللغة واجتهادها على الهاجس الأنثوي ¬الذي تطوف به في معظم مفاصل السرد¬ وسط سيادة مطلقة للوصفات البطريركية والتي فشلت «تبعاً لفشل النازيين» في تعميم علاقة طبيعية بين الرجل والمرأة، كما فشلت في تقديم مجتمع منقلب على أزماته الروحية وجذره النازي المشوه. ‏
ربما بفعل هذه الأسباب مجتمعة يتمكن قارئ يلنيك في عازفة البيانو من الوقوف على حافة العنف الذكوري الموجه ضد المرأة والذي يبقيها خارج خطاب التاريخ والاشتراك المتوازي في العلاقة الإنسانية. ‏
هذا الفصل بين امتيازات اللغة والجسد والحركة الانسيابية في توحد الأفكار ما من شأنه أن يدفع النص إلى شاعرية متحللة من موروث الثقافة الأوروبية.. إلى نسق متحرر ومرمز بثقافة تخاطب حق النقض والاختلاف مع الآخر السلبي، هذا الآخر الذي تختزله يلنيك بالرجل.. بكل ما يعتريه من روائز العنف وخصوصيات الامتهان التي يمكن أن ينال من الحضور السحري لشفافية المرأة. يلنيك وصلت بهذا الفهم إلى ذروته ومن نافذة واثقة لإريكا كوهوت.. كعازفة وعاشقة في آن. ‏

الكتاب: عازفة البيانو ‏
المؤلفة: الفريدة يلنيك ‏
ترجمة: سمير جريس ‏
الناشر: ميريت ¬القاهرة ¬2005 ‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي