الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرواية والهُوية

محمد يوب

2016 / 4 / 10
الادب والفن


الرواية والهُوية
قراءة في رواية (نوميديا) للأديب طارق البكاري
من جماليات الرواية أنها تقوي القدرات التخييلية في وجداننا؛ وتنمي في أذهاننا العوالم المتخيَّلة التي ينتجُها الروائي؛ من خلال أصوات السارد وهو يتحاور داخل الرواية؛ ونشعر بذلك من خلال السياحة في فضاءات نوميديا المتخيَّلة للأديب المغربي طارق البكاري؛ وهي أهم عمل روائي للموسم الثقافي 2016؛ تكللت بجائزة البوكر.
وهي رواية مشوقة بأحداثها وبطبيعة شخصياتها؛ وبأسئلتها المحيرة عن كنه وهوية الشخصية الإنسانية؛ وأثرها المتبادل في المجتمع الأصلي الذي نبذ مراد/أوداد الطفل اللقيط؛ والمجتمع البديل الذي وجد فيه البطل نفسه ذات موعد مجهول مع أناس آخرين في بيئة مختلفة تماما عن البيئة التي ولد فيها؛ ليجد نفسه في صراع دائم للبحث عن هويته المجهولة.
حيث تبدأ مغامرات مراد مع عشيقاته؛ مع خولة التي حملت منه وانتحرت أخيرا عندما هاجرها ولم يعد يسأل فيها؛ ومع نضال زميلته في الدراسة والنضال الحزبي الشيوعي؛ ومع جوليا الشابة الفرنسية التي تروي الرواية بلسانه؛ وتتبع زلاته وغلطاته؛ وأخيرا بنوميديا العشيقة الأمازيغية...
ونتساءل مع السارد الذي يتوارى خلف جوليا؛ ويمدها بخيوط السرد؛ ويوزع الحوارات على الشخصيات الممثلة؛ هل نوميديا رواية تحكي عن شخصيات من دم ولحم أم شخصيات ورقية؛ تتحرك في فضاء ورقي؟
( ترى هل كانت نوميديا إحدى هلوساته أم أنها كانت حقيقية من لحم ودم؟)ص5
إن جوليا (كاتبة شابة) ص420 تكتب روايتها وتحكي بلسان مراد أو (أُوداد) مجموعة من الهلوسات والذكريات الغرامية مع عشيقاته؛ وعلى الخصوص مع نوميديا في (إيغرم) القرية النائية في الأطلس المغربي التي عاد إليها بأمر من الطبيب النفساني؛( فبدل أن أحكي شرعتُ في استنطاق حكايتك) ص421 وقد قدم السارد قرية إغرم كفضاء مفتوح على السحر والجمال، واقتفى أدق تفاصيل الأرض والسماء والبحر والجبل؛ وأناسها الطيبين.
و(مراد) هو البطل المجهول الهوية؛ الذي يعيش حالة التشكك النفسي؛ وانقسام الوعي؛ وتغليب الماضي على الحاضر؛ وتذكره لما تعرض له من خيانة في القيم باعتباره لقيطا منبوذا في المجتمع؛ تحاول القرية قتله رمزيا بالتخلص منه لكن ( مراد لم يمت ولن...ذلك الوعل لا يموت؛ يضع حوافره على شفير الهاوية؛ لكنه يقاوم إغراءاتها بنزق؛ لنقل ولو مجازا؛ إن مراد تبخر...) ص418 لتستمر حكايته على لسان جوليا الساردة التي تغذي رواية نوميديا من ذكريات مراد المسجلة على صفحات الملف الطبي للطبيب النفساني المعالج.
إن جوليا لم تكن عاشقة لمراد/الذات وإنما كانت عاشقة لمراد الذاكرة؛ أي عاشقة لمغامراته ولسردياته؛ التي تفرغها من حين لآخر في صفحات الرواية تمهيدا للانتقام منه (أقول أحبك يا ملاكي الشارد"السارد الحقيقي" بعد ماذا؟ بعد أن عبرتُ لك عن هذا الحب بطريقة سادية؛ أم بعد أن اقتدتك إلى أشد مسالك الحياة وحشة...) ص422 لتفسح المجال واسعا لتوريط القارئ في ملء (فراغات جمة لكي لا يفهموا عنك أكثر من كونك شبحاً أو ظلاً) ص421. و ذلك باستثماره لمجموعة من التقنيات السينمائية، التي تنتج علاقة مباشرة بين القارئ والمشهد الروائي؛ بالتركيز على التفاصيل الصغيرة كمطية جمالية لالتقاط الأنفاس والأحاسيس التي تؤثث الرواية؛
حيث تُعاد كتابتها من جديد من خلال ما تحمله مقروئية القارئ ومرجعياته الفكرية؛ وهكذا تتعدد القراءات بتعدد القرَّاء؛ لأن الرواية التي لا تفتح نفسها للقارئ هي رواية كسولة على رأي أمبرطو إيكو. ومن خلال هذا المشهد يفتح طارق البكاري بوابة جديدة للنقد الروائي الذي ينطلق من الرواية؛ وهي سمة من سمات الرواية الحداثية التي تنتقد نفسها بنفسها (الرواية الناقدة).
وفي الأخير نتساءل؛هل عودة مراد إلى إغرم كان من أجل استرجاع هوية أوداد المفقودة؛ أم من أجل استرجاع الذاكرة المفقودة؟ الذاكرة التي كان لابد لها من إطار سردي عام توالدت من خلاله عدة روايات؛ استطاع السارد تقديمها في قالب جديد؛ تكون البطلة جوليا هي المحرك للأحداث والمؤثث للفضاءات..
محمد يوب
ناقد أدبي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??