الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموقف من صدام والإحتلال ونظام العار الحالي

جعفر المظفر

2016 / 4 / 11
مواضيع وابحاث سياسية



لقد سوقت إدارة بوش كراهية العراقيين لحكم صدام حسين, خاصة بعد كارثة إحتلال الكويت, لكي تنفذ تحت مظلتها إحتلالا عسكريا وسياسيا ادى إلى وضع العراق في مأزق تاريخي مؤلم بات من الصعب الخروج منه. ولقد كان ذلك الإحتلال ثنائي الضلالة, فلقد تبث خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل, وهو الغطاء القانوني للإحتلال, مثلما فشل فشلا ذريعا ما سمي وقتها بمشروع بناء الديمقراطية في العراق, وهو الغطاء الأخلاقي للإحتلال.
والحال أن كراهية صدام قد تكون كراهية ( مُحَبَبَّة ) إلا أنها يجب أن لا تكون كراهية ( مُضَلِلَة ). فبين هذين النوعين من الكراهية ربما يكون الفرق اللغوي بين المفردتين قليلا, لكنه في المعنى هو فرق قيمته المسافة ما بين الأرض والسماء.
وقد كان لنسيان هذا الفرق, أو التغاضي عنه, أو تجاهله, أو عدم إدراكه, أثرا في خلق الكثير من الضلالات, فالبعض صار مع أمريكا لأنه كان ضد صدام, وعلى الرغم من أن صدام يتحمل النصيب الأكبر في خلق هذه الضلالة, لأن ظلمه كان بلغ الحد الذي أعمى كثيرا من العيون وأصم الكثير من الآذان, إلا أن البقاء على تلك الضلالة, بعد أن بانت كضلالة, هو بحد ذاته ضلالة لا تغتفر.
ولا أظن إن بإمكان إنسان ولو بربع عقل وبربع ضمير أن لا يرى ما حصل للعراق بسبب الإحتلال, حتى يجلس مع ربع عقله وضميره, لكي يعيد بناء رأي كان اضطر لاتخاذه وهو في الموقف المضغوط بظلم صدام ولامعقوليته.
فإذا نحن ذكرناهم بذلك, ودعوناهم لأن لا يتمسكوا بموقف بدأ الجميع يتخلى عنه حتى في أمريكا, ما عدا صاحبنا بوش وبعضا من صحبه, فإننا أيضا نذكر هنا البعض, إن انكشاف أمر بوش وصحبه, كونهم على باطل, لا يعني أننا بحاجة إلى مراجعة موقفنا من صدام, بما قد يملي علينا القول: ما دامت أمريكا على باطل فإن صدام كان على حق, على الأقل في ما يخص حماقة وجنون مواقفه ومغامراته , إن لم نتوقف أمام طريقة حكمه.
أبدا ليس المطلوب منا كعراقيين أن نحب صدام, وتكفينا سياسته القمعية في الداخل العراقي لكي نكرهه بقوة, لكن هذا الرصيد من الكراهية يجب ان لا يبقى مفتوحا دون حساب ما يمكن أن يلحقه على صعيد الإضرار بالمصلحة الوطنية العراقية, وخلاف ذلك سوف لن يمر الوقت الطويل حتى يجد العراقي نفسه غير قادر أبدا على التفريق بين صدام والمصالح الوطنية واعتبارهما معا يشكلان معادلة واحدة أخشى أنها ستغطي تدريجيا حتى على سياسته القمعية في الداخل.
إن الإقرار بوجود نظام عراقي طائفي كان قد إضطهد الشيعة يجب أن يكون دافعا أكيدا للنضال من أجل بناء نظام لا طائفي وليس لاستبدال طائفية بطائفية, فالطائفية في الحالتين, حالة الفعل أو حالة رد الفعل هي حالة مريضة مقرفة ومرفوضة وهي اقصر طريقة لتغييب السلام الاجتماعي عن الدولة أو تحويلها إلى ألعوبة بيد الجيران.
وما زال هناك من بين الكتاب من يشيد بمهمة الجيش الأمريكي التي كان هدفها إزاحة الدكتاتورية الصدامية وبناء الديمقراطية, والعجيب ان بين أولئك الكتاب من يدين تجربة الفتوحات العربية تحت راية الإسلام ويعتبرها إستعمارا في حين يصف الإحتلال الأمريكي بنبل الأهداف ويعتبره فتحا ديمقراطيا وكأن بوش كان مبعوثا إلهيا لنشر رسالة الديمقراطية في العالم. ولا ندري بأي ميزان يزن هذا الكاتب عقولنا وأي وهم يريد ان يعممه حين نراه, إذا ما ذكرنا له مأسي ديمقراطيته في العراق وأهوالها, يذكرنا بالنجاحات التي حققتها أمريكا في ألمانيا واليابان ويعزي فشل التجربة العراقية إلى جهل العراقيين وتخلفهم الذين لم يوفروا لهذه المهمة الإنسانية سبل النجاح مثلما وفرها اليابانيون والألمان.
هؤلاء يتجاهلون حقيقة الإختلاف الجوهري بين الهدف الأمريكي في ألمانيا عنه في العراق, وما أدى إليه هذا الإختلاف سواء على صعيد عملية البناء التي باشرتها امريكا في أوروبا بعد الهزيمة النازية, أوعلى صعيد عملية التهديم التي باشرتها في العراق بعد سقوط صدام. الحقيقة أن أمريكا سجلت نجاحا باهرا في الساحتين الألمانية والعراقية, وإذ كان من بين أهم أهدافها الإستراتيجية وقف الزحف الشيوعي السوفيتي على أوروبا فقد سعت إلى إعادة بناء ألمانيا وإحياء إقتصادها ونهضتها بحيث تكون حاجز صد حقيقي وفعال في وجه ذلك الزحف. أما في العراق فلأن الهدف كان, بعد إزاحة صدام, هو فتح الساحة العراقية وجعلها مركز جذب لإرهابي القاعدة, بعد زلزال الحادي عشر من أيلول,, فإن هدف الإحتلال كان خلق حالة من الفوضى الكفيلة بنصب سرادق للحرب لا للبناء, وهكذا كان للهدف الإستراتيجي تاثيره على تحديد نوعية المهام, من البناء في ألمانيا إلى التهديم في العراق.
إن هناك من يذكرنا بالضرائب التي يجب أن ندفعها من أجل الوصول بالديمقراطية العراقية إلى بر الأمان مدعيا أن تجربة بناء الديمقراطية في الدول التي أتمت إنجاز بنائها لم تأتي بدون تضحيات وإنما إقتضى الأمر صبرا وتجارب ومراجعات وتضحيات! فيا لبؤس هؤلاء, بل يا لقباحتهم حينما يسمون ما يجري في العراق تحولا ديمقراطيا ويراهنون على إمكانية أن يؤدي إلى نتائج قريبة من قرينتها الأوروبية, ناسين أن أهوال هذه الديمقراطية العار, إن هي أدت إلى شيء, فهي ستؤدي إلى إعادة تلميع التجربة الدكتاتورية ذاتها وحتى تمني عودة نظام صدام نفسه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المقال لا شك متوازن مع بعض التحفظ!
ملحد ( 2016 / 4 / 11 - 19:13 )
المقال لا شك متوازن مع بعض التحفظ
اقتباس: ( إن الإقرار بوجود نظام عراقي طائفي كان قد إضطهد الشيعة يجب أن يكون دافعا أكيدا للنضال من أجل بناء نظام لا طائفي وليس لاستبدال طائفية بطائفية, ....)

تعقيب: على الاقل طائفية صدام( نظام الحكم) كانت شبه علمانية بينما طائفية رد الفعل طائفية دينية فاشية متخلفة....
وهذا ليس دفاعا عن صدام ....


2 - المقال لا شك متوازن مع بعض التحفظ!
ملحد ( 2016 / 4 / 11 - 19:25 )
المقال لا شك متوازن مع بعض التحفظ
اقتباس: ( ...إذا ما ذكرنا له مأسي ديمقراطيته في العراق وأهوالها, يذكرنا بالنجاحات التي حققتها أمريكا في ألمانيا واليابان ويعزي فشل التجربة العراقية إلى جهل العراقيين وتخلفهم......)

تعقيب: هذا الكلام صحيح مائة في المائة فالفشل يعود بالتاكيد الى جهل العراقيين وتخلفهم وغطوسهم حتى انفهم في افيون الدين........
ونفس الامر ينطبق على بقية ما يسمى بالشعوب العربية والاسلامية


3 - المقال لا شك متوازن مع بعض التحفظ!
ملحد ( 2016 / 4 / 11 - 19:32 )
المقال لا شك متوازن مع بعض التحفظ
اقتباس:( ....أما في العراق فلأن الهدف كان, بعد إزاحة صدام, هو فتح الساحة العراقية وجعلها مركز جذب لإرهابي القاعدة...)??!!

تعقيب: من اين جئت بهذا الكلام?!
هل لك بذكر مصادر موثوقة تدعم هذا الكلام?

تحياتي


4 - إن الإقرار
جعفر المظفر ( 2016 / 4 / 11 - 19:37 )
كني يا استاذ لم آت بها هنا إقتناعا بوجودها السياسي سابقا ولذك قلت (إن الإقرار) وهي جملة تعني أن المسألة مفتوحة على المراجعة .. لقد كتبت أكثر من مقالة بهذا الشأن وهي جميعها تنفي وجود طائفية (سياسية) في العهود السابقة, لكن الإشارة إليها هنا تعني (حتى لو كان هناك موافقة على وجودها فإن التمسك بها كحل وكرد فعل هو عمل هدام .. تحياتي

اخر الافلام

.. إيران.. صلاحيات وسلطات المرشد والرئيس


.. أمم أوروبا.. إسبانيا تكرس عقدة ألمانيا على أرضها | #هجمة_مرت




.. إغلاق مراكز الاقتراع في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية الإ


.. توقيف مسؤولين سابقين بالكرة الجزائرية في قضايا فساد.. هل هو




.. مراسل الجزيرة يرصد سير المفاوضات بين حماس وإسرائيل في العاصم