الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الحاجة إلى تدريس الفلسفة من المهد إلى اللحد

المريزق المصطفى

2016 / 4 / 13
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية



مرت اليوم أزيد من 30 سنة على صدور العدد الأول من مجلة "الجدل" التي كان يديرها سليم رضوان، و هي المجلة التي كانت تبحث عن إعادة الحياة إلى جثة الفلسفة الباردة، في زمن بداية انهيار "محبة الحكمة" في بلادنا. حيث كانت المجلة تعرف بالفلاسفة و تنشر نصوصا و دراسات في مجالات و حقول معرفية مختلفة، و تولي اهتماما بالمشاكل التي تواجه تدريس الفلسفة بمؤسساتنا الثانوية و بميادين فكرية و ثقافية و اجتماعية أخرى.
و لعل ما كانت تنشده "الجدل" هو التربية على القراءة بعمق و التنقيب عن المعنى بين سطور الدراسات و الأبحاث و الكتب، و رفض البديهيات و التحليلات السطحية و التأويلات الباهتة، و التعرف على إشكالات و قضايا و مواقف مرتبطة بالمجتمع و الأفكار السائدة فيه، و التعريف بتجارب المدرسين و بأفكارهم و اقتراحاتهم، من أجل تطوير تدريس الفلسفة و الرفع من مستواهم. كما كانت تهدف إلى خلق نقاش حي، حر و موضوعي حول مستقبل الفلسفة بمدارسنا الثانوية و الجامعية.
إن استحضار ذاكرة "الجدل" اليوم، هو تكريم لجيل قاوم العتمة، و حارب اليأس و الاندحار و الفراغ الذي كان يستقطب لصفوفه الطوائف و المذاهب. جيل كان يؤمن بسمو الفكر الإنساني ( و ليست الفلسفة سوى استعارته)، جيل كان لا يريد للناس أن يكونوا نسخة متكررة من بعضهم البعض، جيل كان يناهض الموت و الجمود. في زمن كانت علاقة الدولة بالفلسفة علاقة حذر و احتياط إن لم نقل عداء و حرب علانية، و هو ما كرس غياب الفلسفة عن النسيج الثقافي لمجتمعنا عبر إغراق المنظومة التعليمية في الوحل و الخطط الترقيعية. و هو من جهة أخرى هجوم ممنهج على الفلسفة كفضاء للسؤال، للشك و للنقد، و كفضاء للمغامرة و الحرية و للهجرة و الترحال.
وانه لمن المشروعية بمكان اليوم، استحضار" الحق في الفلسفة " كما طالب به الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا، للتعبير عن الواقع الفلسفي ببلادنا و للتحرك العاجل و القوي من أجل إعادة الاعتبار للمؤسسة التعليمية ووقف تفكيكها و انهيارها. ذلك أن المسألة التعليمية هي مسألة فلسفية كلية، و أن كل برنامج أو نوع أو أسلوب من التدريس تخترقه فكرة فلسفية يستند عليها، و توجه –ضمنيا- و باستمرار فلسفة بكاملها.
فإذا كان العلم يستهدف و صف الظواهر ويجيب عن كيف تحدث، فالفلسفة تحاول تفسير ما وصل إليه العلم و تحاول أن تجيب عن لماذا تحدث. فما الذي دفع السيد رئيس الحكومة عبد الاله بنكيران للحديث عن الفلسفة و كأنما يتحدث عن "سوق الغزل"؟
إن حرمان المغاربة من الحق في الفلسفة من المهد إلى اللحد بالنقص من عدد ساعات تدريسها و تشجيع خطاب و فكر شعبوي لإخضاع التعليم لغاية معينة، و لتكوين مهني معين، و جعل التعليم سلعة، هو ضرب للأسس و نظريات و مبادئ الفلسفة التي تقوم على الاختلاف باعتبارها صنو الحرية، بل هي الحرية ذاتها. و الدليل هو أن الفلسفة ظهرت في اليونان، و لم تظهر في مصر رغم عراقة و عمق الحضارة الفرعونية.
إن سيادة الأمية اليوم في مجتمعنا، تضع كل مكونات المجتمع أمام مسؤولية تاريخية استثنائية، فإما إصلاح المنظومة التربوية و الاعتناء بالفكر الإنساني و دمج الفلسفة في كل الأطوار التعليمية من الروض إلى الجامعة، و إما سنحول مجتمعنا إلى قبلة للتطرف و الإرهاب و العنف.
لقد أكد التاريخ عداء الفكر الديني للفلسفة و الفلاسفة ( من تمنطق كفر، الإسلام لا يحتاج إلى فلاسفة...)، و منع تدريس الكندي و الفرابي و ابن سيتا و ابن رشد و غيرهم. و نتذكر جميعا حين طالب راشد الغنوشي رئيس "حركة النهضة الاسلامية" التونسية بوقف تدريس الفلسفة في الثانويات و استبدالها بنصوص حسن البنا و سيد قطب و غيرهم من مؤسسي التارات الإسلامية المتطرفة.
لهذا لم يعد مسموحا للدولة التشجيع على سيادة معارف مضادة لدور المدرسة الحديثة، و لم يعد مسموحا لها بدخول أي إصلاح محمول على صهوة التبعية و التخلف و النكوصية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أنصار ترمب يشبهونه بنيسلون مانديلا أشهر سجين سياسي بالعالم


.. التوافق بين الإسلام السياسي واليسار.. لماذا وكيف؟ | #غرفة_ال




.. عصر النهضة الانجليزية:العلم والدين والعلمانية ويوتوبيا الوعي


.. ما الذي يجمع بين المرشد الإيراني وتنظيم القاعدة واليسار العا




.. شاهد: اشتباكات بين الشرطة ومتظاهرين يطالبون باستقالة رئيس وز