الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حب بطعم التحدي -الجزء الاول -

الرفيق طه

2016 / 4 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


حب بطعم التحدي - الجزء الاول -

كان صباح يوم ربيعي . كل من بلغه الخبر يسري في اعماقه كالصاعقة . اختفاء حجيبة بنت الشيخ المكي بن المدني اربك الحياة في القرية و قبيلة جنب الواد قاطبة . ليس فقط لان حجيبة شابة وقورة و طيبة و لا تشبهها أية امرأة في المنطقة جمالا . و لكن لانها ابنة الشيخ المكي سيد اسياد قبيلة جنب الواد .

كل قرى القبيلة تؤدي للشيخ المكي اتاوة سنوية عن الحصاد عيناََ ، كما له على كل راشد من القرية يوم عمل في فصل الحرث .

يقول الكبار سنا ان هذا العرف توارثته الاجيال منذ ان خلقت قبيلة جنب الواد . و قد وثقته سلطات المستعمرين . بل يدعون ان تمرد قرية اولاد المهدي على الشيخ المدني والد الشيخ المكي ايام الاستعمار نتج عنه تشريد القبيلة كاملة بسجن كل البالغين من الذكور و منع دخول المؤونة للنساء و الشيوخ و الاطفال طيلة المدة السجنية و بحراسة من المخازنية و بقيادة من المستعمرين . و يقال ان تلك القبيلة تاهت مشردة بين هضاب الشرق .

فالشيخ المكي و ابوه الشيخ المدني كانا اليد الطولى للسلطات في العاصمة و سلطات المستعمر على قبيلة جنب الواد . لذلك كانوا ينفذون اي حكم يصدره الشيخ باسمه في حق ابناء القبيلة بما فيه حكم الطرد و الابعاد و لو جماعيا . يقال ان الشيخ المكي وحده له بطاقة تسمى الورقة الخضراء يدخل بها كل الابواب في العاصمة بما فيها قصر المقيم العام و قصر السلطان فريطيس .

اختفاء حجيبة بنت الشيخ المكي اوقف كل نشاط في القبيلة و اتجه الناس للبحث عنها في كل مكان . بين الاشجار و الصخور و الأماكن الخالية و البيوت المهجورة ، و تم تفتيش القوافل المارة من تراب القبيلة . بل ان التفتيش شمل كل بيوت ، منازل و خيام القرى التي تحت امرة الشيخ المكي و قبيلة جنب الواد . عشرة ايام كاملة و ليس هناك اي اثر لا لحجيبة و لا عن حياتها او وفاتها .

الشيخ المكي حرص كل الحرص عن عدم اخبار السلطات باختفاء ابنته ، لان ذلك سيجلب له العار و يفقده هبته امام الباشاوات و القياد ، و يوضح مدى رخاوة تحكمه و قدرته على ضبط انفاس اهل قبيلته ، مادام لم يحرص حتى اسرته .

كل الشكوك اصبحت تحوم حول عبد اللطيف ولد زرويل الملقب بقنزول . خاصة لما تجاوز تواريه عن الانظار ثلاثة ايام كاملة . صحيح ان قنزول معروف بغيابه عن الانظار ، لكنه لا يتعدى يومين او ثلاث ايام ليزور امه و اخوته في خيمتهم المبنية بالقصب و اعواد و اعشاب .

قنزول قليل الكلام ذو نظرات حادة . بنيته قوية جدا . منزو على نفسه . لا يعاشر احدا سوى احد السياح الذي يزور المنطقة مرتين في السنة .وحده يوسف جورجي يرافقه القنزول في الصيد . هذا السائح اسر لاحدهم ان قنزول يختلي بنفسه في كوخ البحيرة .

كوخ البحيرة لا يقترب منه احد منذ القدم . الكل مجمع على انه معبد الجن و الشياطين . و لم يسبق لاحد ان دخل الكوخ و خرج منه حيا . فاما ان الكوخ يبتلعه او يغرق في البحيرة التي لا يمكن دخول الكوخ دون السباحة فيها . حتى من ياكل سمك البحيرة يصاب بامراض لا يشفى منها حتى يوارى الثرى .

اكد السائح ان قنزول يجعل من الكوخ مسكنا له بل اكد للناس انه دخل معه الكوخ و عرف كل اركانه . و رغم ان اغلب الناس لا حظوا ان قنزول يدخل البحيرة و يسير اتجاهها الا ان لا احد يعتقد انه دخل الكوخ . لكن الفقيه سي علي المرابط افتى ان عبد اللطيف زرويل الملقب بقنزول مسكون بالجن ، و لذلك لا يعاشر الناس و خلوته المحبوبة مع الشياطين في الكوخ . و دليله على ذلك ان قنزول لا يصلي و ربما لا يصوم . كما ان دخوله للكوخ هو انسجام بين الشياطين التي تسكنه و التي تحتل الكوخ و البحيرة منذ زمان . و بما ان الشياطين لا يمكنها الخروج و معاشرة الناس بصفتها فانها تخالط الناس من خلال احتلال اجساد بني آدم . و قنزول الذي يغيب مدة طويلة دون عمل او تجارة و يعود لأمه محملا باشياء كثيرة لا يحصل الا على اجره من الجن و الشياطين مقابل خدماته لهم .

و مازاد من قوة ادعاء الفقيه لدى الناس هو قدرة القنزول على جر الاثقال التي لا يجرها خمسة او ستة اشخاص . لذلك يشغله بعضهم في نقل الصخور الضخمة و ما شابه ذلك من اعمال شاقة .

يقال ان ان قنزول يختطف اي جحش يصادفه و يحمله على كتفه و يسبح به في البحيرة و يدخل به الكوخ و هناك يذبحه و ياكل لحمه . و لذلك لم يستبعد احد ان يكون هو مختطف حجيبة بنت المكي .

كلما غاب قنزول و غابت حجيبة تتاكد الشكوك في انه هو مرتكب الجريمة . بل ان الناس اصبحوا يتساءلون عما اذا حافظ عليها حية في الكوخ ام انه ذبحها و اكل لحمها .

بعض اهل القرية تملكته الرغبة في ارضاء الشيخ المكي بالمغامرة و الدخول للكوخ . لكن شجاعة الليل تتحلل نهارا ، اولا خوفا من دهاليز الكوخ و اللعنة التي قد يصاب بها من يسبح في البحيرة و ما قد يتعرض له في الكوخ . و قد اشترى بعض الناس تمائم من الفقيه للحماية من الجن او الشياطين . و لكن الخوف من قنزول و ما يمكن ان يتصرف به تجاههم اذا وقع بين يديه احد في الكوخ . و حتى لو ان احدهم وجد الشابة مذبوحة او وجد آثارها هل يمكنه تبليغ الشيخ المكي .

يحي الاوائل من القبيلة ان المستعمرين لم يدخلوا الكوخ و لكنهم ضربوا ما بداخله بالقرطاس و البارود ، كما اطلقوا فيه قنابل دخانية و لم يخرج منه لا حيوان و لا بشر . و منذ ذلك لم يقترب احد من الكوخ و لا من بحيرته .

ثلاث ايام متتالية و الكل منشغل بالبحث عن الشابة حجيبة دون ان يظهر لها اثر . البحث جار و ترقب المآسي قائم و متزايد . لا أحد يشعر انه آمن او بريئ من التهمة . عم الرعب كل الرجال و كل النساء مرهبات من امر مجهول قد يحل بالأسر او بالقبيلة .

كل مساء تتلاشى الآمال . و يتزايد الحديث الثنائي في الخفاء . يتم النبش في الماضي للبحث عمن يمكن ان يكون الفاعل بدافع الانتقام . لا احد نجى من بطش الشيخ المكي ، بل ان جراح ماضي ابيه من قبله بتعاون مع المستعمر لازالت حاضرة و غائرة . لكن لا احد سبق وأبان عن كرهه او حقده للشيخ المكي . لا أحد رفض يوما أداء الخدمة المجانية له في المزارع او تبليغ المراسلات او نقل الحطب من الغابة او حفر الساقية . بل ان كل رجال القبيلة يخدمون ضيوفه الذين لا يعدون و لا يحصون . حتى النساء يشتغلن لدى نسوة الشيخ المكي بلا مقابل في طحن الحبوب او الغربلة و غسيل الزرابي و غير ذلك .

توالت الايام و لم يصدر عن الشيخ المكي اي رد و لم يتهم احدا . في كل صباح كان الناس ينتظرون ان يروا احدى الاسر مشردة بهدم بيتها او احراقه بمن فيه . كل الناس يتذكرون يوم احرقت اسرة بنسائها و رجالها لما شهد احد الخماسين ان احدهم اعطى حصانا من فرسان الشيخ المكي سما فقتله . تلك الحادثة يحكيها الاباء لابنائهم ليتقوا شر غطرسة آل الشيخ المكي .

تاكد الكل ان الشيخ المكي اصبح شخصا آخر . لا يتكلم مع احد في الموضوع و لا احد له الجرأة للحديث معه و لا حتى بالمواساة . حتى النسوة اللواتي زرن ام حجيبة و نساء الشيخ المكي عدنا الى بيوتهن خائبات لما قالت نساء الشيخ ان الشابة المختفية بالنسبة للاسرة ليست الا في سفر و ستعود ، لان دار الرجال تعود عيالها على عجل . عادت النسوة و كانهن صفعن بعدم الترحيب وعدم قبول العودة للمواساة .

تآمر كل الناس على الصمت و على اخفاء الواقعة . لا احد يتكلم عن الموضوع في الاماكن العمومية . حتى البوهالي المعروف بحمقه و ثرثرته في السوق لما صاح في الناس قائلا ان الشابة حجيبة اكتراها الشيخ المكي للنصارى للهو بها اياما و ادعؤه انها اختطفت ليس الا كذبا ، جعل الناس يخلون السوق حتى لا يعدون ممن ساهم في نشر الادعاء و يحشرون مع البوهالي .

البوهالي رغم حمقه الا ان خلاصته منطقية الى حد بعيد ، ذلك لما اكد ان حجيبة ليست من صلب الشيخ المكي ، و لكنها ابنة احد الشغالين ببيته الذين يختلطون بنسائه . كما قال ان الشيخ المكي لو له القدرة على الانجاب لانجب مع سبعة عشرة امرأة تزوجت منه لم تحبل في عهدته الم حجيبة . هذه التي وضعت ذكرا و انثى . يقول البوهالي ان الذكر لم يكمله الشغال مع الزوجة (...) لذلك ليس عاديا بل انه مختل عقليا .

البوهالي معروف بسلاطة لسانه و كلامه غير متزن احيانا و لكنه دائم الارتباط بالمستجدات التي تعرفها القرى و القبائل و المنطقة ، و لا يسكت عنها حتى ينشرها في السوق بطريقته الخاصة .

الشيخ المكي تضاعف هدوؤه الى درجة يثير الريبة لدى من يعرفه . لم يتغير شيء من سلوكه في الحياة غير تخليه عن ركوب حصانه الذي يسميه "البرقي " . لكن اهل القبيلة بقوا دائمي الحذر . لم يتجرأ احد على اعلان فرح عرس و لا عقيقة منذ اختفاء حجيبة . الوفيات يدفنون في صمت رهيب . المواسم التي يحضرها الشيخ المكي و اصدقاؤه بالتبوريدة لم يعد اهل القبيلة يحضرونها لان الشيخ المكي اعتزل ركوب الخيل .

ثلاث سنوات متتالية و القبيلة في اضراب عن الفرح و كتمان السرور . تآمر جماعي على الحزن و الصمت . في بعض الاحيان لا يمزق الصمت من اعلى الجبل الاخضر المطل على قرى القبيلة غير صوت بعض الحيوانات ،ربما لانها ملت التآمر على على الصمت القاتل . اما في النهر الذي تحيط به القرى فالضفادع وحدها تغني سمفونيتها الليلية معلنة على ان هنا حياة و ما يستحق الحياة .

مجموعة من القرى متراصة و تحت قبضة اسرة الشيخ المكي كما هي المقبرة تتشابه فيها القبور و يتوسطها ضريح . كذلك بيوت و منازل اهل القبيلة عبارة عن خيام من قصب الخيزران او من حيطان مهترءة . وحده بيت الشيخ المكي عال و بازغ ببياضه و جماليته .و لكنها كلها تآمرت على الحزن و الصمت .

كل ابناء القرية يشعرون بالحضيض الذي يعيشون فيه منذ طفولتهم حتى الكهولة و ربما حتى في قبورهم . لان قبورهم تكون غرب المقبرة و قبور اهل الشيخ المكي تكون يمينا اتجاه القبلة و قرب الضريح .

لا احد منهم يطمح في الزواج من بنات عائلة الشيخ المكي . و حتى بنات القبيلة لا تطمحن في الزواج من شبان عائلة الشيخ المكي . و اذا كتب لاحداهن ذلك فلن يكون نصيبها الا شيخ طاعن في السن فقد زوجاته و أراد من تعتني به و يلهو بها حتى ياتيه اجله . وحده القنزول اصيب بحب بنت الشيخ المكي و بقي يكتم حبه الذي كان مشتعلا في دواخله .

سي محمد طه 13/04/2016
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بدء التوغل البري الإسرائيلي في رفح


.. طفل فلسطيني ولد في الحرب بغزة واستشهد فيها




.. متظاهرون يقطعون طريق -أيالون- في تل أبيب للمطالبة الحكومة بإ


.. الطيران الإسرائيلي يقصف محيط معبر رفح الحدودي




.. دول عربية تدرس فكرة إنشاء قوة حفظ سلام في غزة والضفة الغربية