الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نبيُ قلبي

أزهار أحمد

2005 / 12 / 4
الادب والفن


قبلك قلبي وقبلي قلبك :
أنا الأم الرؤوم التي حملتك ذرةَ هواءٍ عالقة بين جوانحي ، وصارعت الريح اشتياقاً لك ، صارعت الشمسَ والليلَ والبشر انتظاراً لخروجك .. وحدي كنتُ أرفرفُ بين الضلع والضلع ، أتحسس صدري حيناً ورحمي حيناً وحضني حيناً آخر . كلُّ شيء كان يوجعني بك ، كلُّ شيء كان يغلي وكنت أصرخ وأعوي وحدي وأرجوك أن تخرج وأرجوك أن تنزلق ، لكنك أبيت إلا أن تأتى في موعدك . ابتلعتُ غصتي وحزني حملته على كتفي وتدلت على ظهري صرةٌ ملأتها حباً وعشقاً ورفضتُ أن أدعها أو أأتمنها أحداً ، فثقلُ حِملي ، وأنا أقفز من حجر إلى آخر وأصعد جبلاً بعد جبل وأعبر نهراً وراء نهر ، وحسبتُ أنكَ لن تخرج ، وحسبتُ أن الرحلة ستنطوي وأنت تمتص وجدي وشجني وتحشر خلاياك أكثر فأكثر فيّ .. عشتُ الانتظار وحيدةً ويدي على صدري حتى اتسع وانبسط واسمُكَ مطبوع في وعلى يدي , حتى قامت قيامتك وخرجتَ ذات صباح بلِّوري دون أن تبكي ودون أن تؤلمني .. دفعتَ بيدك رحمي رأفةً ورحمة لأنك مُتيقنٌ من أنك الدواء ، فأطعمتك ثديي وألبستك يدي وفرشت لك عيوني مهداً وصوتي أغنية تهدهدك دوماً ، وعلى قلبي جعلتك تسكن ومن رائحتي تقتات .

فسَمَّيتُكَ أنت :
أعلم أنكَ كنتَ تسمعني، وأعلم أنكَ وثقتَ بتسميتي ، وأعلم أنكَ فرحتَ بها ، وكنت أعلم كلَّ شيء عنك ، كما تعلم كلَّ شيء عني .. فزاد اتساع صدري وهاج داخلي يوم بَعثتَ لي على جناح فراشة : سأخرج قريبا يا أمي . صدقتك ، فأنت العالق تعلم مكانك وأنا أعلم مكانك ، أنت تدرك أنك تنتظر فصلاً تتشابه فيه الفصول جميعاً ويوماً يكون بألف يوم حتى تنسل إليّ بهدوء قوس قزح خوفاً عليّ من هول الفرح ، وفعلت ككل وعودك ، وكنتَ جميلاً بهياً ومتفرداً ، فسَمَّيتُكَ أنتَ الفرد الأحد الذي مني ولد و إليه أعود ، ليظلَّ اسمُكَ شاهقاً في الأعالي يحرسه اسمي .

وسَمَّيتُكَ ابني :
الذي ما فتئ يصرخ في أعماقي يرجوني أن أنتظر ولا أيأس وأطعمتك كلَّ لقمة وكلَّ شربة كنت أرجوها هناءً لك فجئتَ ابناً حبيباً باراً سيداً عالياً يفوق كونك كل كون , يشبهني ويمسك بيدي ويحنو عليّ قائلاً : سأجمع كلَّ صرخةٍ أطلقتِها وكلَّ دمعةٍ سكبتِ وكلَّ خطوة آذتكِ ، وأغرسها في قلبي وأرعاها بروحي حتى تزهر حديقة تنير زرقة السماء بجمالٍ وبهاءٍ يقلب وجه الأرض ويُطيَّرَ العالم بلا أجنحة ، يُطيِّرَه عبادةً وتبتلاً لرائحة الفيض الذي تدفقَ منكِ ألماً بولادتي .

وسَمَّيتُكَ أنا :
حين كنتَ ذرةً تشبهني ، وبذرةً تحمل عني ومني ما همستُ به وما بكيتُ عليه وحيدة ، وأنا أصارع وأركض وألهث .. حتى جئت أنا يا أنا ، خرجتَ وخرج مني جسد متآكل صدئ وألبستني عمراً وحياةً أنت لهما ولن تكون إلا بهما .. حتى صوتك جاء شفاءً لأذن كان يرهقها كل صوت ، لأذن كانت تسمع الهمس نعيقاً والصمت هديراً .. جئت أنا يا أنا ووضعت يدك على أذنيّ فحلَّ الهمس مكان النعيق وهدأ الهدير كخرير جدول انسلَّ من النهر لينعشَ الأرض ارتواءً وأضاء القلب بنورك وأسمك فكنتُ أنا التي تلبس قميصَ روحك وكنت أناك الذي يلبس قميص روحي .

وسَمَّيتُكَ أمي وأبي :
أنتَ أمي لأني حين أراك يجف دمعي وأنت أبي لأنك حين تهمس لي ينكشف الغيم ويهدأ خاطري ، وأنت أمي وأبي لأنك النعيم والهناء ولا نعيم ولا هناء ولا أمان إلا بأم وأب لا يحملان على ظهرهما غير عيون الأبناء .. أنت أمي وأمي وأمي وأنت أبي وأبي وأبي ، لأنك مبتدأي وآخرتي ، لأنك أصلي وفصلي ولأنك بيتي وأرضي .. أنت أمي وأنت أبي لأنك زرعت الحلم وحققت الأمل وحصدت الحلم وشاركتني الأمل .. أنت أمي وأنت أبي لأنِّي منكَ وإليك.

وسَمَّيتُكَ حبيبي :
لأنكَ حبيبي ولأنك شهيتي ولأنك رغبتي ولأنك هوائي ولأنك حياتي ولأني مبهمةٌ بدونك ، وحيدةٌ بدونك ، ضعيفة بدونك .. سَمَّيتُكَ حبيبي لأن قبلتك برقٌ ورعد ورياح وعواصف أعادت بهجة الروح ، وسَمَّيتُكَ حبيبي ألف مرة لأن لساني لا يعرف النومَ دون غور في لسانك ، وسَمَّيتُكَ حبيبي ألف ألف مرة لأن صدرك في صدري براكينُ تقطر حمماً قبل أن تنفجر وتثور ، وسَمَّيتُكَ حبيبي ألف ألف ألف مرة ، لأنني لا أعرف غيركَ حبيباً ولا أريد غيركَ حبيباً .. وسَمَّيتُكَ حبيبي لأن جسدي يحترق دون جسدك ورائحتك تأسرني وترفعني وتُطيِّرني ، فأنت بمُطلق المعاني ومُطلق الوجود : حبيبي .. أنتَ حبيبي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة -درس من نور الشريف لـ حسن الرداد.. وحكاية أول لقا


.. كلمة أخيرة -فادي ابن حسن الرداد غير حياته، ومطلع عين إيمي سم




.. إبراهيم السمان يخوض أولى بطولاته المطلقة بـ فيلم مخ فى التلا


.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07




.. برنار بيفو أيقونة الأدب الفرنسي رحل تاركًا بصمة ثقافية في لب