الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نداء استغاثة أخير

يعقوب بن افرات

2016 / 4 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


كشفت المقابلة التي أجرتها الصحافية إيلانة ديان مع أبو مازن عبر القناة الثانية عن الضائقة العميقة التي تجد السلطة لفلسطينية نفسها فيها. الرسالة التي أراد أبو مازن أن يمرّرها إلى الجمهور الإسرائيلي كانت عبارة عن إنذار أخير: "السلطة الفلسطينية على وشك الإنهيار". حتى الآن بقى الكلام عن انهيار السلطة في إطار الإشاعات أو تخمينات صحافية واستخباراتية تحاول منذ أن انتهت الوساطة الأمريكية بالفشل ولا أفق للوصول إلى حل أن تقدم تصوراً عمّا يمكن أن يحدث في حال انهيار السلطة. ومقابل كل التحاليل عن خطورة الوضع فالجواب الحكومي بقي ثابتاً لا يتغير: "السلطة بقيت لأن هذا الأمر من مصلحة المجتمع الدولي وما دام يوجد من هو مستعد لأن يمولها فما من دافع فلسطيني لتسليم المفاتيح لإسرائيل".
إلّا أن كلام أبو مازن كان عكس ذلك، وفي هذه المقابلة عاد وكرر عدة مرات بأن وجود السلطة الفلسطينية في خطر، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه اليوم فالإنتفاضة الثالثة ستحدث لا محالة وعندها ستنهار السلطة. هذا التصريح له أكثر من مضمون، أولاً هو يحذر الاحتلال من إمكانية اختفاء السلطة، الامر الذي كان من المفروض أن يؤثر على مراكز القرار الإسرائيلي باتجاه تغيير سياستها، ويشير على أن وجود السلطة كان وما زال مصلحة إسرائيلية عليا أكثر منها مصلحة فلسطينية. والمعنى الثاني لهذا التصريح هو بكل وضوح أن الشعب الفلسطيني ليس مستعداً لأن يتحمل الاحتلال، ونفس الشعب الذي يتحدث باسمه أبو مازن أصبح الخطر الرئيسي الذي يهدد كيانه وبالتالي يطلب من إسرائيل أن تقوم بخطوات عملية لمنع الإنفجار الشعبي القادم.
وبعد أن رفض اللقاء مع نتنياهو لفترة طويلة ما لم يلتزم بوقف الإستيطان إلّا أن أبو مازن عبّر هذه المرة عن استعداده لهذا اللقاء دون شروط مسبقة لمناقشة ما يعتبره الموضوع الأهم الذي من الممكن أن ينقذ الوضع الخطير. كلا، أبو مازن لا يتكلم عن دولة فلسطينية فهو يعرف أن الزمن قد عفا عنها، ولا يصر على تنفيذ اتفاق أوسلو عليه السلام بل ركّز على طلب واحد وحيد: أن يمنحوا له المسؤولية الأمنية المطلقة على المدن الفلسطينية وأن يعود الوضع إلى ما كان عليه قبل الإنتفاضة الثانية في سنة 2000. نعم هذا هو سقف المطالب الفلسطينية اليوم، أن ينسحب الجيش الإسرائيلي من المدن الفلسطينية وفي المقابل ستمنع السلطة الفلسطينية من الشبان الفلسطينيين الاعتداء بالسكاكين على الجنود الإسرائيليين والمستوطنين.
إن الضائقة التي تعيشها السلطة في رام الله تشمل أيضا السلطة في غزة، فالمعلومات المتوفرة حول وضع السكان لا تبقي مجالاً للشك، غزة تحولت إلى سجن كبير مطوق من قبل مصر في جنوبها، إسرائيل في شمالها وشرقها، في الغرب بحر لا سلطة للفلسطينيين عليه والحياة أصبحت جحيماً. وليس صدفة أن عناوين الصحف الإسرائيلية الرئيسة تحذر من احتمال اندلاع حرب جديدة في غزة، فالحكومة الإسرائيلية تعرف جيداً أن حالة بطالة تناهز ال 40%، مياه غير صالحة للشرب، كهرباء متوفر لبضعة ساعات فقط، 100000 مواطن دون مأوى بعد أن دمرت بيوتهم في الحرب الأخيرة ، طلاباً، مرضى، وتجاراً ممنوعين من السفر، من المحتمل أن يقود إلى انفجار كبير. وإذا توجه أبو مازن إلى إسرائيل فحماس توجهت إلى مصر لكي تفتح المعبر الحدودي في رفح. وقد أدت اللقاءات بين المخابرات المصرية وبين قادة حماس إلى التزام حماس بقطع العلاقة مع الإخوان المسلمين في مصر والتزامات إضافية مهينة ولكن الوثوق بوعود نظام الجنرال سيسي ليس أفضل بل أسوأ من الإتفاق مع إسرائيل. إن اسرائيل لا مانع لديها من سيطرة حماس على غزة كونها تعمق الإنقسام الفلسطيني أما النظام المصري فيرى في حماس امتداداً للإخوان ويوجه ضدها حملة دعائية شرسة ويتهمها بالإرهاب.
أما الحكومة الإسرائيلية فتتعامل مع الوضع بكل حذر فهي لا ترغب بانهيار السلطة الفلسطينية من ناحية ولا بحرب جديدة مع حماس، وعليها أن تلعب لعبة التوازنات. إن الهدف الأساسي هو منع هبّة السكاكين من أن تتحول إلى انتفاضة شعبية شاملة وذلك من خلال منع مظاهر التطرف من قبل المستوطنين، أو القتل المتعمد من قبل الجنود مثل ما حدث مع قتل عبد الفتاح شريف في الخليل، منع السياسيين من دخول باحة الحرم الشريف، ومفاوضات مع السلطة الفلسطينية حول إمكانية تسليم المسؤولية الأمنية في المدن الفلسطينية. أما من ناحية ثانية فتقوم إسرائيل بالتخفيف من حدّة البطالة من خلال إصدار 10000 تصريح عمل داخل إسرائيل وتسهيلات اقتصادية إضافية للحفاظ على الوضع كما هو عليه الآن ، احتلال "دي لوكس" بالتعاون بين الأطراف المعنية الثلاث، إسرائيل، والسلطة في الضفة الغربية وإمارة غزة.
إلّا أن هذا الترتيب الغريب مهتزّ ولن يستقر بسبب الضغوط التي تمارس على كل الأطراف وعدم إمكانية تسوية التناقضات بين الأطراف الثلاثة وهي تناقضات عديدة وعميقة جداً. إذا بدأنا من حكومة اليمين فهي تشهد منافسة سياسية بين الأحزاب المختلفة على من هو أكثر "وطنية" ويمينية لدرجة أن وزير الدفاع موشيه يعالون تعرض لانتقادات لاذعة لأنه أوقف البناء في المستوطنات وأدان تصرف الجندي الذي قتل عبد الفتاح شريف في الخليل. وقد يحاول نتنياهو أن يتخلى عن حزب "البيت اليهودي" اليميني المتطرف من خلال ضم حزب العمل إلى الحكومة مما سيضمن له أغلبية مريحة في البرلمان إلّا أن المعارضة داخل حزب العمل للانضمام إلى الحكومة تحول دون ذلك في الوقت الراهن.
أما أبو مازن فإنه موجود تحت ضغط كبير مثل ما أشرنا من قبل، وهو يتحرك في كل الإتجاهات، إنه يصفّي حسابات مع خصومه داخل فتح من ناحية ويمنع المخصصات المالية عن الجبهة الشعبية التي تطلب منه أن ينفذ القرار بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل. وفي الوقت الذي يؤكد للإسرائيليين بأن التعاون الأمني سيستمر، يبعث محمود عباس وزير خارجيته إلى نيويورك ليقدم مشروع قرار إلى مجلس الأمن يلزم إسرائيل بالتوصل إلى اتفاق مع السلطة الفلسطينية في غضون عام وهو يعرف أن القرار لا قيمة له وأن مجلس الأمن لا يمكن أن يعتمده إلّا أنه يريد أن يثبت للجمهور بأنه يفعل شيئاً من أجل الدولة الفلسطينية التي تنازل عنها منذ أمد بعيد.
بعد أن تعثرت الجهود لتوسيع الحكومة الإسرائيلية من خلال ضم حزب العمل لا يبقى أمام نتنياهو إلّا الرضوخ أمام ضغوط شركائه في الحكومة من المستوطنين فيقرر بناء 400 وحدة سكنية جديدة على امتداد الضفة الغربية مما يدل على أن كل المحاولات للحفاظ على نوع من الإستقرار أصبحت مستحيلة بل على العكس فإن الرضوخ أمام المستوطنين يشجعهم على القيام بعمليات إرهابية جديدة الأمر الذي سيؤدي إلى هبّة شبابية جديدة رغم عنف السلطة وأجهزتها الأمنية. أما وفي حال استمر الحصار المصري الإسرائيلي على غزة فالإنفجار قادم لا محالة وستحاول حماس تصدير هذا الضغط الشعبي ضد سلطتها من خلال حرب جديدة ضد إسرائيل حتى لو أدّى ذلك إلى مزيد من الدمار والمعاناة للشعب الفلسطيني في غزة.
إن اليمين الإسرائيلي يتصرف من منطلق مصالح سياسية ضيقة لا رؤية استراتيجية له للحل فهو يعرف ما لا يريد ولكن ليس واضحاً ماذا يريد، إنه يرفض الدولة الفلسطينية ولكنه لا يريد للسلطة الفلسطينية أن تنهار، أما فتح وحماس فتعرفان تمام المعرفة أن لا الحرب ولا المفاوضات ستحرر الشعب من الاحتلال وليس لهما طريق ثالث. ومن هنا لا بد من بناء قوة سياسية ديمقراطية بديلة عن اليمين الإسرائيلي بالتزامن مع بناء قوى ديمقراطية في المناطق المحتلة بديلة عن فتح وحماس من أجل بناء مستقبل مشترك خالٍ من كل مظاهر العنصرية، الاستغلال، الفساد والتطرف الديني الذي يعاني منه كلا الشعبين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تفض بالقوة اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة


.. مسؤول عربي لسكاي نيوز عربية: مسودة الاتفاق بين حماس وإسرائيل




.. جيروزاليم بوست: صحفيون إسرائيليون قرروا فضح نتنياهو ولعبته ا


.. عضو الكونغرس الأمريكي جمال باومان يدين اعتداءات الشرطة على ا




.. فلسطيني يعيد بناء منزله المدمر في خان يونس