الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسائل إلى الرئيس - الرسالة الأولى جدلية المجتمع والدولة

تامر البطراوي

2016 / 4 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


رسائل إلى الرئيس
الرسالة الأولى جدلية المجتمع والدولة
البند الأول: قِدم النشأة
عليك حسم جدلية الدولة والمجتمع بما يتحقق معه التوافق العام ، فالوجود الإنساني في أي نطاق جغرافي والذي ترتب عليه نشأة شخصان معنويان بنفس النطاق وهما المجتمع والدولة ، أدى إلى ظهور التساؤل الجدلي عن ماهية العلاقة السببية بينهما (السبب والمُسَبَب).. الرأي الأول يذهب إلى أن المجتمع الأصل ، والذي خلق بدوره الدولة لإشباع حاجات عجز هو عن إشباعها بنفسه ، وبغير المجتمع لا تنشأ ولا تستمر دولة بينما العكس ممكن ، لإمتناع وجود دولة ذات سيادة على نطاق جغرافي بأكمله يخلو من المجتمع ، في حين أنه قد توجد مجتمعات لا تحكمها دول (ويذهب أيضاً إلى أنها مرحلة قد تنتقل إليها المجتمعات في المستقبل) ، هذا الرأي يوجه له انتقاد بأن امتناع عدمية مجتمع الدولة ليس دليلاً للمجتمع على السبق وإنما امتناع الحالة ككل ، كما أن التسليم بإمكانية وجود مجتمع بمعزل عن دولة أمر محل شك ، فالدولة لاتزال أشكالها تختلف باختلاف المجتمعات ولكنها لا تختفي كُليةً طالما وجد المجتمع ، بل على العكس فقد تظهر عدة دول داخل نفس النطاق الإجتماعي تتنازع حق السيادة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر في العديد من الحالات ، وفي المقابل الرأي الثاني القائل بأسبقية الدولة والتي ينشأ بنشأتها المجتمع ، وأن الدولة تنشأ فتجذب المجتمع إليها بقدر كفائتها أو تنفره بقدر إخفاقها ، وليس أدل على ذلك من نشأة الدول الجديدة وخاصة دول القارات الجديدة والتي جذبت المجتمعات بنشأتها ، وارتباط معدلات ذلك الجذب بمعدلات كفائتها وقوتها ، وهو ما يفسر أيضاً تركز المجتمعات بأكثر نقاط الدولة تركيزا للسلطة وهي العواصم ، ويرد على ذلك الرأي بأن الدول الجديدة لم تنشأ من عدمية للدولة ، وإنما نشأت نشأة تطورية لأشكال سابقة لها ، أما الدول الجديدة التي شهدتها القارات الجديدة فقد نشأت متلازمة مع مجتمعات جديدة جمعت ما بين السكان الأصليين والمهاجرين ، ومؤدى رفض المذهبين ظهور مذهب ثالث وهو القول بالعلاقة الجدلية التلازمية للدولة والمجتمع ذات الإرتباط القوي.
البند الثاني: أصالة حق السيادة
هذه الإشكالية ستلحق بها بالضرورة مسألة أصالة حق السيادة ، فالأول هو صاحب الحق الأصيل ويمنحه للآخِر ، فإذا كان المجتمع سابق للدولة فهو صاحب الحق الأصيل في السيادة ، ويمنحه للدولة منح إداري (كالأنظمة الديمقراطية) لخدمته ، خدمة يتحقق معها الرضا العام ، وبمقتضى ذلك المعنى فإن الدولة في حالة مخالفة المجتمع صاحب الحق الأصيل فهي مغتصبة للحق ، وهو معنىً غير منصف في الواقع ، فليست كل مخالفة من الدولة للمجتمع هي ضد الصالح العام ، بل قد تكون وجهة نظر الدولة الأصوب في كثير من الحالات أو العكس ، لا سيما إذا كان رأي المجتمع يشوبه الزيف ، ففي هذه الحالة قد يؤدي رأي المجتمع إلى عواقب وخيمة على كلاً من المجتمع والدولة ، ولا شك أن تحقيق الصالح العام بعدالة أعلى من أي حق سيادي لأنه يمس الوجود ببعديه المادي والمعنوي ، بل إن واقع صور تنازع حق السيادة بين كليهما لاتزال إعتيادية بدرجة يصعب معها حسم الحق لأحدهما ، وهي إن دلت على شئ دلت على أن السيادة لم ولن تكن حكرا لأحدهما ، أما إذا كانت الدولة الأصل فهي صاحبة الحق الأصيل في السيادة ويحق لها منحه للغير ، كالدولة الدينية التي تكتسب سيادتها من مبادئها لا من المجتمع ، والممالك الإقطاعية التي ترث السيادة لا تكتسبها من المجتمع ، فهي دولة لم تكتسب حق السيادة من المجتمع لتحقيق دور منوط بها حدده المجتمع ، وإنما على العكس فالمجتمع في خدمتها لتمويلها بالمنافع الضرورية والتي تحددها ، ولذلك فهي دولة تختلف أهدافها شكلاً وموضوعاً للنقيض عن الأولى ، إلا أن هذه المصادرة والتجريد التام ، أفضت دائماً إلى عواقب وخيمة على كلاهما ، فرؤية الدولة للصالح العام وإن كانت صحيحة بمعزل عن المجتمع لن تؤدي إلى الرضا العام ، وإن لم تكن موفقة إلى الصحة فعواقبها وخيمة على كلاهما وكثيرا ما شهدته الدول والمجتمعات ، مما يدلل على أن عدالة أصالة الحق السيادي للدولة مسألة محل نظر ، أما القول الثالث بجدلية النشأة التلازمية ما بين الشخصان تفضي بأن السيادة حق مشترك بينهما لا حِكراً لأحدهما ، مع التفريق ما بين الشخصان المعنويان والأشخاص الطبيعية الممثلة لهما ، فالحقوق السيادية للأشخاص المعنوية لا الطبيعية.
البند الثالث: من يخدم من؟
كما أن حسم جدلية الأصل لم يكن ببساطة الأثر بمكان ، وتبعه حدث جلل وهو أصالة حق السيادة ، فإن حسم أصالة حق السيادة ليس بقاصر الأثر هو الآخر ، بل سيتبعه الأهم وهو من يخدم من..؟ ، فهل دور الدولة خدمة المجتمع كما ادعى أصحاب نظرية خلق المجتمع للدولة ومنحها الثقة لتشريع الحق بنيابة تمثل رأيه ومن ثم حمايته ، وباعتبار أن المجتمع لديه من الأهلية ما يغنيه عن سلطة عليا لإملاء حقوقه ، أم أن دور المجتمع خدمة الدولة ، باعتبارها صاحبة الحق الأصيل في السيادة ، وصاحبة الرؤية الأصح على طول الخط والتي يتحقق معها دائماً الصالح العام..؟ ، الرأي القائل بأهلية المجتمع وصحة رأيه دائما يتنافى مع الواقع ، فلا تزال شواهد سوء اختيارات المجتمعات قائمة ، وأن المجتمع مهما بلغ من درجات الوعي فإن التلاعب به أمراً ممكناً (أو تزييف رأيه الحقيقي) ليصدر عنه رأي ليس في صالحه في الحقيقة ، وفي نفس الوقت لا يمكن القبول بالرأي القائل بالصحة المطلقة لرؤية ومهمة الدولة دائماً وبمنطق عادل ، فإن مصادرة الدولة لحق الرأي كليةً بمنطق الصالح مصادرة للحريات أشبه بمنطق حبس طيور وأسماك الزينة بمنطق رعايتها ، وهو ليس بمنطق عادل في كثير من الأحوال ، بل إن الدولة في كثير من الأحيان لا تتوجه لتحقيق النفع العام للمجتمع ، وإنما لتحقيق مصالح خاصة لممثليها ، مع تعمد إحداث تصدعات طائفية وحزبية وأخلاقية بالمجتمع لإضعاف سلطة وإحراجه ، أما القول بتلازم النشأة وتشارك حق السيادة ، كون كلا الشخصين وجهين لعملة واحدة (البشر بنطاق مكاني) ، بينهما علاقة تلازم تام وإفراز للآخر (لا علاقة عكسية) ، فهو أكثر توازناً في توزيع الأدوار بين الشريكين ، ومؤدى هذا التلازم أن وجود أياً من الشخصين يمتنع دون وجود داعم من الآخر ، ليس مجرد وجوداً وحسب..! ، فوجود الشخص الذي ينتفي معه أصل الدعم للآخر يعني اندثار الآخر ، وبإندثار الآخر يندثر الآول ، وعلى العكس فبأقصى دعم ممكن من كل شخص للآخر يتحقق أقصى ازدهار ممكن ، وعليه فأدوارهما وفقاً لذلك المعنى تبادليه ، واجبة بالقدر الضروري من دعم الآخر ، ومحظورة بالقدر الذي يؤدي للتدليل المفرط الضار بالآخر.
البند الرابع: دور الدولة
دور الدولة* في دعم وخدمة المجتمع يمكن تقسيمه من حيث المعيار الشكلي إلى تشريع وتحكيم وتنفيذ ، أما دور الدولة من حيث المعيار النوعي فينقسم إلى أدوار سيادية (إختصاص حصري للدولة بنطاقها المكاني والإجتماعي تؤديه بأدوات السلطة العامة ، كالدور الأمني والعدلي والدولي والمالي..) وأدوار غير سيادية (وهي المهام التي تمارسها الدولة ويمكن للمؤسسات الخاصة أن تمارسها في سبيل المصلحة العامة مثل التعليم والصحة والنقل العام وغيرها..) ، وفي تحديد طبيعة دور الدولة يتشعب الفكر السياسي ما بين الدولة المُمْتدة والدولة المحصورة ، ففي الدولة الممتدة يتسع دور الدولة ليشمل نطاقه كافة شئون الحياة ، فتتسع معه المهام السيادية والتي يدخل بنطاقها مهام لا تشتهر بسيادتها الدول عادةً ، ومن أهم روادها أفلاطون وأرسطو ومن المتأخرين ماركس ، أما الدولة المحصورة فتقوم على تقليص دور الدولة إلى أقل درجة ممكنة ، بحيث يقتصر على حفظ الأمن وتنسيق مهام المنظمات السياسية ، والتي تقوم بأداء معظم المهام نيابة عن الدولة ، فتخرج بذلك مهام تشتهر بسيادتها عن عبادة الأدوار السيادية للدولة ، ومن دعاة الدولة المحصورة (والأحدث نسبياً) مذهب النفعية (مهمة الدولة تمكين كل شخص من تحقيق رغباته ومنع الآخرين من تعويقه ، أو منع تعدي الأفراد على بعضهم البعض) مثل جيمي بنتام ، والفلاسفة الليبراليين (حرية السوق) مثل جون ستيوارت ميل ، وفلاسفة العقد الإجتماعي مثل هوبز وروسو ولوك ، ويتضح من ذلك أن بتحديد الفلسفة السياسية المتبعة لدور الدولة يتحدد هيكل الطبيعة العامة أو الخاصة أو المختلطة لأدوار الدولة ، والتي تتحدد بوضع القواعد القانونية المنظمة لحدود (المسموح والمحظور) وأبعاد (التدخل التنظيمي) المرفق محل العناية ، بحيث يتقاطع بالقانون بُعد عمق التدخل التنظيمي للأشخاص العامة (شخص الدولة والأشخاص العامة التابعة لها) مع إطاري المسموح والمحظور لتنشأ نطاقات يظهر بها أقصى تدخل تنظيمي وأخرى بها تدخل معتدل وأخيرة بها أقل تدخل ممكن بإطاري المرفق محل العناية ، فعلى سبيل المثال الأمن كدور نوعي أو التشريع كدور شكلي ، تمارسهما أغلب الدول حصراً بصفة السيادة ، فتحتكر تشريع وتحكيم وتنفيذ حق الأمن ، وتحتكر حق إصدار القواعد القانونية العامة الملزمة بشكل عام ، أما مرفق الإنتاج أو التعليم أو الصحة.. كدور نوعي فعادة لا تمارسه أغلب الدول بصفة السيادة ، وإن كانت تجعله محل عناية كموضوعات خاصة ، أي وإن مارست الدولة أنشطتها لا تمارسها بصفة السيادة وإنما بصفة خاصة.. والآن عليك حسم الجدل حول أصل النشأة وأصالة حق السيادة ودور كلاً من الدولة المجتمع بما يتحق معه التوافق العام (الداخلي والخارجي) ، وإلا فستتضخم إشكاليات بين كلاً من الدولة والمجتمع مرجعها إلى حسم تلك القضايا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي متواصل على غزة وحصيلة القتلى الفلسطينيين تتجاوز


.. إسبانيا: في فوينلابرادا.. شرطة -رائدة- تنسج علاقات ثقة مع ال




.. من تبريز.. بدأت مراسم تشييع الرئيس الإيراني رئيسي ورفاقه


.. أزمة دبلوماسية -تتعمق- بين إسبانيا والأرجنتين




.. ليفربول يؤكد تعيين الهولندي آرني سلوت مدربا جديدا له