الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات مخرج في مستشفى الرشاد للامراض النفسية الحلقة الثالثة (تباً للمستحيل عاشت التكعيبية ...؟؟ !!

كريم عبدالله

2016 / 4 / 15
الادب والفن


يوميات مخرج في مستشفى الرشاد للامراض النفسية
الحلقة الثالثة
(تباً للمستحيل عاشت التكعيبية ...؟؟ !!
كتبت الفصل الاول من مسرحية ( الغريب ) والفصل الثاني بقي مجهولا لي كيف ساكتبه وماذا ساقول فيه .. !
كان يرافقني في هذا العمل المعالج التاهيلي ( اياد جاسم ) كان هو الاخر طموحا وجادا في عمله ويلحّ عليّ بان اكتب مسرحية من خلالها نقول للعالم بان المريض النفسي والعقلي مازال انسانا يحلم ويفكر ويحسّ ويتألم وله امنياته وتطلعاته رغم المرض كما نحن وعلى الاخرين ان يقدموا له يد العون والمساعدة وانتشاله من عمق الهاوية وهذا الظلام الدامس الذي يعيش فيه . فاجأني في احد الايام وقد وضع لافتة كبيرة على جدار المستشفى وبخط عريض وبلون احمر ( لأول مرة في مستشفى الرشاد مسرحية الغريب من تأليف وسيناريو واخراج كريم عبدالله ) , كانت مفاجأة كبيرة بالنسبة لي وتحدي لابد منه فالامر اصبح جديا والتملص او الهروب منه اصبح مستحيلا . ذهبت الى ردهات المستشفى واتصلت بالمرضى والمريضات وقررنا البدأ في التدريبات وتمّ الاتفاق على ذلك , لكن اين سنقيم هذه التدريبات ولا يوجد مسرح في المستشفى او حتى مكان مناسب نستطيع الاجتماع فيه , لم يكن امامنا سوى أروقة المستشفى وممراتها فهي افضل ما موجود وبامكاننا العمل . كان الجميع يبدي استهزاءه بالعمل فكلما مرّ احد علينا يضحك شامتا ومستغربا من فكرة المسرحية وبان المريض هنا لا جدوى منه فهو ( مجنون ) لا بحاجة الى مسرحية ! .
كان اللقاء الاول تاريخيا حين اجتمع لأول مرة مرضى ومريضات في مكان واحد ووجها لوجه , كانت نظراتهم تحمل الكثير وكنت خائفا وقلقا مما قد يحدث ويسبب لي كارثة عظيمة , كانت المريضات يجلسن في جانب بينما المرضى في الجانب الاخر , كانوا متمحسين للعمل في بداية الامر وأعتبروا الامر كنزهة خارج الردهات وفسحة ثمينة بالنسبة لهم والالتقاء والحوار والاستماع وشرب الشاي بعد ذلك , كان العدد كبيرا فقررت ان ابدأ مع مجموعة واحدة منهم وانتظر النتائج ومدى مقدرتهم على التحمّل والصبر والمشاركة ثم انتقل الى المجموعة الثانية واعمل معهم كما في المجموعة الاولى . كان الامر بالنسبة للجميع شاقا ومرهقا حتى بالنسبة لي , لم اتصور الامر هكذا فكنت اقول مع نفسي أي مأزق وضعت نفسي فيه ولماذا انا اعمل هكذا عمل وهو ليس واجبا عليّ فبامكاني الاستمرار في عملي وواجبي الخاص بي وعدم تحمل المسؤولية وهذا الجهد المضني .. !
خلال الاسبوع الاول قرر اغلبهم ترك التجربة ( المسرحية ) والعودة الى ردهاتهم فمنهم من كان يعتقد بعدم جدوى هذه المسرحية وبان وصمة المرض ستبقى ترافقهم مهما فعلوا وبعضهم لم يتحمّل الوقوف والتدريبات اليومية وبعضهم بسبب المرض والعلاجات التي كان يتناولها لم يتمكن من حفظ الحوار وبعضهم بسبب التاثرات الجانبية للعلاج النفسي لم يتمكن من السيطرة على حركة جسده , ومنهم من وجد بالحياء والخجل سببا مناسبا للهروب من المسرحية . لكن في الجانب الاخر وجدت مجموعة جيدة من المرضى والمريضات بالامكان تطوير قابلياتهم بعد تقديم الاسناد النفسي والمادي البسيط والمعنوي لهم ان يستمروا في العمل معي الى نهاية المسرحية . خلال الاسبوع الثاني اصبحت الامور اكثر جدية وبدأ المرضى يحبون ادوارهم ويتأقلموا مع بعض كمجموعة ناجحة يسود الهدوء والتعاون والاستماع الى تعليماتي وتوجيهاتي والاخذ بها وتقبّلها وازدادت ثقتهم بانفسهم وكذلك بالنسبة لي اصبحت ثقتي بنفسي قوية وبان الامر لا محالة سيكون ناجحا . لكن الفصل الثاني كان مقلقا بالنسبة لي لانني لم اكتبه بعد ولم اعرف ماذا ساقول فيه , لكن في يوم ما حضرت مسرورا واعلمتهم بان الفصل الثاني قد كتبته وانه جاهز فاستخرجت من جيبي قصاصات ورقية صغيرة وقلت لمن معي هذا هو الفصل الثاني , ضحك الجميع من قولي هذا أي فصل مسرحي هذا ..!
فعلا كانت هذه القصاصات عبارة عن فكرة الفصل الثاني فشرعت بكتابته وتوزيع الادوار على المرضى الممثلين وكان الجميع متحمساً والرغبة شديدة لديهم بعدما انتشر الخير في المستشفى بوجود فرقة مسرحية من المرضى ستعرض قريبا مسرحية هي الاولى في تاريخ المستشفى وربما الاولى ايضا في تاريخ المصحات النفسية والطب النفسي في العالم من حيث عدد المرضى المشاركين والوقت التي تستغرقه ( 1.45 ساعة ) وهذا يتطلب جهدا كبيرا من المرضى ومقدرة على التحمّل والحفظ والاداء . وبدأ عدد من العاملين في المستشفى يتواجدون في اماكن اقامة البروفات وهذا ما شجع المرضى على الاستمرارفي العمل حتى النهاية , ومن الطريف في احد الايام واثناء البروفات كان بطل المسرحية يمثل دور المشرّد في الشوارع وملابسه ممزقة وهمل لنظافته ولنفسه فجأة دخل مدير المستشفى وحالما شاهده بهذه الهيأة المزرية صرخ ( لماذا هذا المريض هكذا ... من المسؤول عنه ... هذا امر يجب ان يكون في المستشفى .. ؟! ) فأجبته ( نعم نتدريب الان على مسرحية وهذا المريض هو بطل المسرحية والدور يتطلب ان يكون هكذا ... ) , صدم المدير واندهش ( معقولة .... مسرحية ... وابطالها مرضى عقليين .. !! ) , كانت الفكرة غريبة جدا ومدعاة للسخرية من البعض وهذا ما جعلني أصرّ على متابعة العمل في المسرحية وان تعرض امام الجميع بشكل مقبول ولائق . اكتملت التدريبات واصبح كل شيء جاهز للعرض لكن مشكلة عدم وجود مسرحة لعرضها كانت صعبة جدا وكادت ان تنهي هذه الجهود , أرّقني هذا الامر كثيرا فكنت بعد كل تدريب أتجول في المستشفى ابحث عن مكان مناسب للعرض كثيرة هي الاختيارات هل نعرضها في احدى الحدائق ام في ممر ما من ممرات المستشفى او في غرفة من غرف المرضى اصبح الامر شبه مستحيل , الى ان وجدت اخيرا مدخلا لمدرسة التمريض في المستشفى , كان مناسبا نوعا ما فقررت مع الفريق الذي معي ان نباشر ببناء ( منصّة ) في هذا الممر وعمل ديكور بسيط وستائر , بدأ العمل بصورة جيدة جدا وتعاون الجميع في
ذلك وشارك معنا بعض المرضى الممثلين ايضا . اكتملت المنصّة وبقيت مشكلة الملابس الخاصة بالممثلين ( المرضى ) فيتمّ الاستعانة ببعض الملابس المتوفرة واصبح كل شيء جاهزا للعرض . كانت ادارة المستشفى مترددة في عرض المسرحية لئلا تحدث كارثة تسيء لها وللمريض فقبل العرض بيوم واحد قال المدير لمدير الحسابات ( يعني لازم نسوّي مسرحية وندعو لها مسؤوليين ) فاجابه ( والله اني خائف من النتائج ... ) فقلت لهم ( لاتخافوا سيكون كل شيء على مايرام والمسرحية ستنجح حتما لان وقوف المريض على المسرح وامام الجمهور هو نجاح كبير ) .
كان 25 / 2 /2003 يوما مشهودا في تاريخ المستشفى حيث توافد الضيوف بصورة غير طبيعية واحتشد المكان بهم ليشاهدوا لأول مرة في تاريخ المستشفى والطب النفسي عرضا مسرحيا ابطاله من المرضى الراقدين في المستشفى , بينما كنت انا ومن معي والممثلين نرتجف هلعا خلف الكواليس مما سيحدث على المسرح , كنت اتابع كل ممثل وممثلة واعطيهم التعليمات وازرع الثقة في نفوسهم واشجعهم وان مجرد وقوفهم على خشبة المسرح فهذا انجاز كبير لهم فالكثير من الناس لا يستطيعون تقديم ما سيقدمونه اليوم , أزيحت الستارة واذا المكان يعجّ بالتصفيق واذا بجميع الممثلين يتعملقون على ادوارهم ويقدمون اكثر مما توقعت منهم , فعلا كانوا مبدعين حقيقين وتقمّصوا الشخصيات واتبعوا لتعليماتي بصورة ممتازة ورائعة , فهذا ( ضياء ... ) يكسب عطف الجمهور بادائه المتميّز وهذه ( جمهورية ...) جعلت الجميع يبكي ويتعاطف معها بينما الزوج المتغطرس جلب انتباه وحقد الجمهور عليه , والممرضة الجميلة جعلت المكان يعجّ بالضحك على تعليقاتها وتندرها بالواقع بينما المريض ( سعدون ... ) جعل الجمهور يصفق ويرقص معه على انغام اغنية ( الله عليك ياسيدي ) , لكن الامر اختلف كثيرا مع دور الممثل ( فاضل ... ) السكران حين اندفع كثيرا في ادائه وصعق الجميع بعبارته المدوّية ( تباً للمستحيل عاشت التكعيبية ) كل الحضور تسمّروا في مقاعدهم وأحسوا بان الارض تميد بيهم , من الذي يستطيع ان يتجرأ على نقد حكم القائد المفدى .. !
هنا كانت الطامة الكبرى حين وقف الرفاق البعثيين بباب المسرح ينتظروني وحالما خرجت سالني احدهم ( كيف تجرأ على الاستهزاء بافكار السيد الرئيس .... من سمح لك بذلك ) , تجمّد الدم في عروقي وعرفت بانني ذاهب الى الجحيم لا محالة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي


.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان




.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال


.. الفنانة ميريام فارس تدخل عالم اللعبة الالكترونية الاشهر PUBG




.. أقلية تتحدث اللغة المجرية على الأراضي الأوكرانية.. جذور الخل