الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإرهاب - الديني - كما أراه

تركي لحسن

2016 / 4 / 16
الارهاب, الحرب والسلام


يبدو لي أن الإرهاب الذي يتقمص عباءة الدين ، بعيدا عن التأويلات الإيديولوجية و التوظيف السياسي، هو هوس ديني في شكل إفراط في التدين يستسلم من خلاله الشخص المستلَب لقوى غيبية ما ورائية سعيا منه للحصول على ما عجز عقله الواعي عن تحقيقه في عالم الحس.
فإلى جانب الحقد الدفين الذي يكنّه المتشددّون في الدين للحضارة الغربية بوصفها الشماعة التي يعلقون عليها فشلهم على كل المستويات، و بوصفها كذلك رمزا للعقل الذي قتلوه من أيام المعتزلة، هناك كذلك استسلامهم المفرط للعالم الغيبي، الذي أصبح في اعتقادهم المخلِّص الوحيد من هذا الشرّ المستطير لليبرالية الغربية في زيها الأمريكي.
لا يمكن أن نقرأ في تفكيرهم الشاّذ و المروع أو في سلوكهم المرعب و المهول إلا التغييب الشامل و الكامل للعقل الذي كرّم الله به خلقه من بني البشر. فالعمليات الانتحارية ( الاستشهادية في اعتقادهم ) يستحيل أن نجد لها مبررا في عالم المعقول، اللهم إلا في منظومة فكرية تنهل من عالم ما ورائي باحثة بذلك عن خلاص من شيطانية العقل، و تطهير للنفس البشرية مما علق بها من نجاسة الصليبيين و النصارى و الكفار المسلمين.
لقد أكدّ " دوركهايم " في كتابه عن الانتحار على أن هذه الظاهرة كان السبب فيها قلة أو غياب الوازع الديني لدى الفئة البروتستانتية. إلا أن الانتحار " الاستشهاد " لدى الجماعات الدينية المتطرفة هو بدافع الوازع الديني المفرط، و أقصد بالمفرط الإفراط في التدّين الذي ينمّي لدى المتدين الإحساس بالكره تجاه الدنيا و زينتها، و كذلك الإحساس بالحقد و الضغينة تجاه من يجبون هذه الدنيا.
يقودنا هذا للقول أن للانتحار دافعين، الأول يتمثل في انعدام الوازع الديني أو ، كما يفضل المختصون تسميته، فقدان معنى الحياة أو أيضا الفراغ الوجودي، أما الثاني فيتمثل في فائض الوازع الديني الذي ينمّي لدى الأفراد الرغبة في الانتقال للعالم الآخر، وكرههم و مقتهم للدنيا و المتمسكين بها، حسب معتقداتهم. أي، بمعنى آخر، هو فقدان معنى الحياة في الحالة الأولى، وكره الحياة في الحالة الثانية.
إلا أن الانتحار في الحالة الأولى يقتصر على الفرد الذي يفقد معنى الحياة، أما في الحالة الثانية فيأبى المنتحر إلا أن يأخذ معه، إلى العالم الآخر، أرواحا أخرى أو قرابين أخرى إن صّح القول للتقرب بها إلى الله.
وإذا كان الإسلام قد أمر بالإيمان بالغيب فليس معنى ذلك هو السقوط الحر في غيابات هذا الغيب.
فبقدر ما أمر الإسلام بالإيمان بالغيب و بالملائكة و الجنة و النار أمر كذلك بالتدّبر العقلي لهذا الكون و استعمال و توظيف العقل لإعماره. فالإيمان بالغيب هو الآلية الروحية التي تعيد توازن النفس البشرية وتعصمها من الوقوع في فخ المغالاة في ماديات عالم الحس و الشهادة.

إن السقوط في متاهات عالم الغيب عادة ما يؤدي بهؤلاء المتطرفين في الاعتقاد إلى النظر، بعين ملئها الحقد و الضغينة، للناس العاديين أو حتى المؤمنين الوسطيين، نظرة الجلاد للمحكوم عليه. فهؤلاء الناس ( المتطرفون في الاعتقاد ) محكمون بعقائد دوجماطيقية أٌسست بنيتها على أشلاء لا تاريخية من أساطير و خرافات الموروث القديم للغنوصية و المانوية و الهرمسية.
ثم أن الإيمان في الإسلام، بما في ذلك الإيمان بالغيب، مقرون بالعمل الصالح، والصالح هنا على إطلاقه، أي النفع للبشرية جمعاء دون استثناء، عكس الفساد و الإفساد الذي تنكره و تحرمه جميع الديانات بما في ذلك قتل النفس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تطبيق يتيح خدمة -أبناء بديلون- لكبار السن الوحيدين ! | كليك


.. تزايد الحديث عن النووي الإيراني بعد التصعيد الإسرائيلي-الإير




.. منظمة -فاو-: الحرب تهدد الموسم الزراعي في السودان و توسع رقع


.. أ ف ب: حماس ستسلم الإثنين في القاهرة ردها على مقترح الهدنة ا




.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يلاحقون ضيوف حفل عشاء مراسلي البيت ا