الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألمرجعية ولعبة السياسة

سعد الشديدي

2005 / 12 / 4
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


ما عاد العراقيون ليصدقوا ما يشاع عن مواقف المرجع الشيعي الأعلى السيد على السيستاني المعلنة في وسائل الأعلام. فقد صدر ألف تصريح عن المرجعية التي يقودها سماحته تلاه ألف تكذيب او نفي من قبل ممثلي تلك المرجعية ذاتها. فماعدنا نعرف حين قرائتنا أو سماعنا أخبار المرجعية الشيعية في مدينة النجف الأشرف ان كانت تلك الأخبار صادقةً أم كاذبة وما حجم الصدق أو التلفيق فيها. ويشعر العراقيون، الشيعة منهم على وجه الخصوص، يخيبة أملٍ كبيرة جرّاء ما يحدث. فقد كان شيعة العراق، واقصد هنا من يسميهم رجال الدين بالعامة وهم الأغلبية الساحقة المكوّنة للجسد الشيعي، يعتقدون - او يتخيلون - ان المرجعية هيكليةً ضخمة لها من الأمكانيات المادية والمعنوية ما يجعلها تستطيع العيش في أكثر الظروف قسوةً والخروج منها قويةً معافاة. والسيطرة على اكثر الظروف تعقيداُ. لمَ لا وقد فعلت ذلك حقاً عبر مئات السنين ناجحةً في الحفاظ على وجودها ومكانتها. فقد تعرضت لأختبارات عديدة على مدى التاريخ كانت تخرجُ منها بنجاح. وكتبت لنفسها مكاناً مرموقاً بصفتها واحدةً من أقدم المؤسسات الدينية وأعرقها في بلادنا.
لكنّ ما تعّرض له العراقيون اثناء حكم البعث الدموي من هجمةٍ شرسة طالتهم جميعاً وفي مقدمتهم الشيعة جعلهم يعيدون النظر بحساباتهم خصوصاً تلك التي تتعلق بقوةِ ومكانةِ ومنعةِ مؤسساتهم ورموزهم السياسية والدينية والقومية والطائفية والعشائرية...الخ. أذ حاول النظام البائد خنق كل القيادات التي كان بأمكانها أن تشكل ولو تهديدا بسيطاً له. فبدأ العراقيون في البحث بين أنقاض ولائاتهم التاريخية عن بدائل ممكنة ليتمكنوا عن طريقها تجنب السقوط في محرقة الأرهاب التي هندسها رأس النظام السابق مستعيناً بأجهزة أمن ومخابراتٍ على مستوى عالٍ من الكفاءة والفاعلية.
ولم تنج المرجعية الشيعية من ادخالها، ولو قسراً، في تلك المعادلة الصعبة التي أجبر المواطن العراقي على اجرائها ليستطيع، على الأقل، ايجاد القوى والمؤسسات التي يمكنه الاحتماء بها ليستطيع البقاء على قيد الحياة.
حوصرت المرجعية الشيعية مثل غيرها من القيادات التي كان النظام الدموي الساقط ينظر اليها بعين الشك والريبة. وأصبح المواطن الشيعي يسمع بأسماء المراجع ولا يراهم. فقد حددت أجهزة أمن نظام البكر – صدام تحركاتهم ووضعت اتصالاتهم تحت المراقبة الصارمة. الأمر الذي ابعد المرجعية عن مقلديها وعزلها في محيط لا تكاد تُرى فيه.
وهكذا كانت القيادة الروحية لشيعة العراق هي الغائب الحاضر في حياتهم. فالأكثرية منهم ارتبطت بها من الناحية المعنوية على الأقل وظلّت مخلصةً في الولاء لها حتى سقوط النظام. ورغم جبروت الديكتاتور صدام حسين في التعامل مع من يُشّكّ في ولائهم، فأنه ما استطاع إلا محاصرة القيادة الروحية لشيعة العراق طالما كانت هي تنأى بنفسها عن الخوض في ساحة السياسة مستعينة بتقاليد تاريخية ورثها السادة المراجع كابراً عن كابر في اللجوء الى التقية السياسية والعقيدية عند الحاجة.

بعد سقوط النظام الديكتاتوري الفاشيّ تقدمت المرجعية العليا للشيعة في النجف بصفتها القائد الروحي التاريخي لجماهير الشيعة التي تكوّن أكثرية النسيج السكّاني العراقي. وبدأت بلعبِ دور مميز في الحياة السياسية. متحملةً الوزر الأكبر في ظرفٍ سياسيّ يتميز بالفوضى واستخدام العنف ومحاولة جرّ شيعة العراق الى حربٍ طائفية من قبل أطرافٍ عديدة.
بالأضافة الى تحميلها مسؤولياتٍ لا تقع ضمن مجال اختصاصها، من قبل قيادات حزبية شيعية هشّة لم تستطع أن تمررّ برامجها السياسية حتى الى جماهير الشيعة انفسهم إلا ياستخدامها اسم المرجع الديني الأعلى، ووزراء يمتازون بالضعف الشديد وعدم القدرة على السيطرة على شؤون الحياة السياسية والأقتصادية والعسكرية في عراق ما بعد الديكتاتورية.
ويبدو ان المرجعية كانت لا تمانع في زج اسمها في أي ظرف ومكان طالما ان من يطرحه هو من ابناء المذهب. واعتبرت ذلك دليلاً على قوتها. ولكن، ومع ظهورعجز القيادات السياسية الشيعية في ادارة شؤون البلاد واخفاقها في توحيد صفوفها ومع اتساع حجم ورقعة الأخفاقات التي منيت بها تلك القيادات، بدأت المرجعية بإعادة حساب ما تستطيع أن تقدمه لتلك القيادات الحزبية التي ادخلتها في تفق مظلم قد لا تخرجُ منه أبداً. ولكنها وحتى هذه اللحظة لم تستطع أتخاذ خطوةٍ حاسمة لتحديد موقفٍ واضح من التدخل في الحياة السياسية أو عدمه.
ولذلك كانت التصريحات المتناقضة تصدر عن المقربين اليها دون أن نستطيع التأكد من صحة تلك التصريحات. وظلت القيادات الحزبية الشيعية تستثمر اسم المرجعية حتى في اصغر الأمور وبقيت تلك المرجعية صامتة لا يستطيع المواطن العراقي، سواءاً كان شيعياً أو لا، ان يوقن ما إذا كانت تلك التصريحات والمواقف صادرة عنها حقاً إم ان هناك من يريد جعلها جسراً للوصول الى أغراض خاصة.
هناك من يقول بأن المرجعية مازالت محاصرة مثلما كانت تحت نظام الديكتاتور صدام حسين، ولكن من يحاصرها الآن هم من أبناء المذهب الشيعي نفسه. لأن هناك من يريد عزلها عن اتباعها ومقلديها وينفرد بأتخاذ القرارات والمواقف بإسمها. وهناك من يؤكد أن المرجعية لا تعرف بما يجري على أرض الواقع ولو كانت تعرف لأتخذت مواقف اشد حزماً!!!. في الجانب الآخر تؤكد قيادات الأحزاب السياسية الشيعية بأن المرجعية قد وُضعت في الصورة بشكل صحيح ولديها كافة المعطيات التي تجعلها قادرة على اتخاذ قراراتها في الشأن السياسي العراقي لتزكية من تراه ملائماً لقيادة البلاد ممثلاً لها ولشيعة العراق.
ولا يستطيع احدٌ، كائناً من كان، أن يؤكد أو ينفي ذلك. وتلك هي المشكلة التي قد تؤدي تباعاً الى تقويض الثقة بهذه المؤسسة التي كانت القائد والموّجه الروحي لشيعة العراق والعالم عبر القرون.
أن ترك المواطن العراقي في محيطٍ من الحيرة وعدم اليقين سيؤدي بلا ادنى شك الى زعزعة مكانة ودور المرجعية الدينية الشيعية ليس في الحياة السياسية فحسب بل قد يمتدّ ذلك لينال من مكانتها الدينية. ففقدان الثقة سينسحب على كامل دور المرجعية الدينية العليا وعلى شخص المرجع الأعلى نفسه ومن سيأتي بعده.
فهل هي مستعدةٌ لذلك؟ وهل المرجعيةُ مستعدة للتضحية برصيدٍ من الثقة جمعته عبر مئات السنين من خلال عملٍ دؤوبٍ استمر تحت كل الظروف والمناخات.
أن من يدخل ساحة السياسة، خصوصاً في بلد حديثُ عهد بالديمقراطية مثل العراق، عليه أن يتوقع اسوأ الأحتمالات. ابتداءاً من حملات النقد "الخفيف" وانتهاءاً بحملات التشهير والتسقيط. فهل استعدت المرجعية لذلك؟ فطالما رغبت هي في لعبِ دور سياسي مهما كان صغيراً فأن عليها أن لا تستبعد اصابتها ببعض الشظايا الحارقة المندلعة من براكين الحملات الأنتخابية والمقالب النظيفة والمؤامرات الخبيثة. ولن يكون بوسع المرجعية إذ ذاك أن تطالب العراقيين، من مختلف الديانات والطوائف والقوميات، بعدم ابداء النقد لمواقفها أو التعرض لها أو مهاجمتها. فمن يدخل ساحة اللعبة الديمقراطية لا يمكنه إلا أتباع قوانين اللعبة ولا يمكنه مطالبة اللاعبين ولا المتفرجين بأن تكون له مكانه خاصة لا تُمَسّ بأي حال من الأحوال. فليس في الديمقراطية عصمة لأحد ممن يدلون بدلوهم في الشأن السياسي. ومن يتخذ موقفاً ما عليه أن يعرف أن هناك من سيتضرر من موقفه هذا. الأمر الذي يؤدي حتماً الى ردود أفعال قد لا تكون المرجعية مستعدة لتقبلها.
ومن يمدّ يده الى وكر الدبابير فعليه ألاّ ينتظر سوى لسعاتها. فهل أخذت المرجعية الرشيدة لقاحاً ما ضد لسعات الزنابير التي لن تستطيع اتقاءها مهما فعلت اذا ما دخلت عالم السياسة؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تغلق -الجزيرة- والقناة القطرية تندد بـ-فعل إجرامي- •


.. حسابات حماس ونتنياهو.. عقبة في طريق المفاوضات | #ملف_اليوم




.. حرب غزة.. مفاوضاتُ التهدئة في القاهرة تتواصل


.. وزير الاتصالات الإسرائيلي: الحكومة قررت بالإجماع إغلاق بوق ا




.. تضرر المباني والشوارع في مستوطنة كريات شمونة جراء استهدافها