الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا إفراط ولا تفريط

إكرام يوسف

2016 / 4 / 17
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


لم يكن أكثرنا تفاؤلا يتوقع ما كانت عليه "جمعة الأرض" المصرية في الخامس عشر من ابريل الحالي.. كان معظمنا يتوقع ان يكون الحشد ضعيفا ينتهي كالعادة بخطف عدد من الشباب، وإلقائهم في السجون، المكتظة أصلا بعشرات الألاف من شباب مصر، بمناسبة ما أعلنه رئيس الجمهورية، أن هذا العام سيكون عاما للشباب! غير أن ما حدث كان مفاجئا للجميع، حكومة ومعارضة وإعلاما رسميا، فعلى الرغم من ان الدعوة للتظاهر، لم تكن ممهورة بتوقيع شخصيات مشهورة، أو تنظيمات قوية، إلا أن الاستجابة لها كانت مؤشرا على ان الثورة مازالت مستمرة، وأن كل أعمال القمع وإرهاب الدولة من اعتقال وتعذيب واختفاء قسري وقتل، لن تستطيع الصمود أمام إرادة الحرية!
انتزع المتظاهرون حقهم في التظاهر السلمي تعبيرا عن الرأي، في مختلف المحافظات وأظهرواتحضرا واحتراما، فلم نشهد حالة تخريب، او تحطيم لممتلكات حتى في القاهرة التي ضمت الحشد الأكبر؛ ومع ذلك لم تكن الحشود الأمنية على نفس المستوى من التحضر، أو حتى المهارة المهنية! وبدا عليها الرعب والارتباك لحد إطلاق قنابل الغاز من دون أي ضرورة على مواطنين عزل لمجرد أنهم يرددون " الأرض أرضنا"! ويرفضون تمرير قرار فردي بالتخلي عن تراب ورثوه عن الأجداد منذ فجر التاريخ، قبل أن تظهر للوجود معظم الدول المجاورة! خرج المتظاهرون تدفعهم الغيرة على تراب الوطن، يرفضون التسليم بتصرف شاذ يحدث للمرة الأولى في التاريخ: أن تتنازل دولة عن حدودها بقرار فردي من السلطة الحاكمة، من دون حتى إبلاغ الشعب صاحب الأرض! فلم يحدث في التاريخ أن تنازلت دولة عن أرض تحت سيطرتها ـ حتى لو كانت محتلة ـ إلا نتيجة حرب، أو تحكيم دولي!
واستمرت حالة الرعب والارتباك بين حشود الأمن أمام إصرار المتظاهرين على استكمال فعاليتهم، بالوقوف على سلالم نقابة الحريات، المعروفة رسميا باسم نقابة الصحفيين! ونقلتها وسائل الاعلام إلى العالم: جحافل من سيارات مصفحة وقوات تمتد من أول شارع رمسيس حتى منطقة الإسعاف، وتشغل عددا من الشوارع الجانبية المحيطة، كما لو انها قوات لقتال المعتدين على الأرض أو الطامعين فيها، وليس الغيورين عليها والمدافعين عنها، ورافضي التفريط في شبرمنها! وتكررت ممارسات تكشف حجم الارتباك والذعر، من اعتداء غبي وجبان على الدكتورة ليلى سويف ـ الأستاذة الجامعية والعالمة المرموقة، التي تعرف قدرها جامعات العالم، وتفخر بأمثالها البلدان، قبل أن تكون مناضلة عظيمة تواجه طغيان سلطة لم يفلت منه أي من أفراد أسرتها ـ إلى قرار غبي وجبان أخر، بإطلاق قنابل الغاز مرة أخرى، على المتظاهرين، بعد أن أعلنوا انتهاء الفاعلية وشروعهم في الخروج من المكان! كما لو أن قيادات الشرطة سوف تحاسبهم، لو عادوا بالذخيرة من دون استخدامها ضد العزل! وكما لو أنهم لا يقبلون أن يمر اليوم من دون أعمال إرهاب وتخريب، فقرروا أن يقترفوا هم جرائم الإرهاب والتخريب! ثم انقضوا على الشباب يطاردونهم في الشوارع الجانبية ويخطفون منهم العشرات، وينهالون عليهم ضربا بمجرد القبض عليهم، أو عند التحقيق معهم في الأقسام، قبل أن ترد الأوامر بالإفراج عن معظمهم، لأسباب يعلمها قيادات الشرطة، ربما يكون منها عدم الرغبة في تصعيد الأحداث قبيل زيارة رئيس الجمهورية الفرنسي اليوم!
ولا شك أن نجاح المتظاهرين في كسر حاجز الخوف، أمر يثلج صدور كل المؤمنين بالثورة وحتمية انتصارها. ودرس لا أظن أن السلطة سوف تفهمه، وتدرك أن القمع الوحشي لا يمكنه أن يخنق أحلام الشعوب بالحرية العدالة الاجتماعية. غير أنني أجد نفسي مضطرة مرة أخرى لترديد ما قلته منذ الأيام الأولى لثورة يناير 2011 "الإفراط في التوقعات، أقرب الطرق للإحباط"! علينا أن نفرح بانتصاراتنا الصغيرة، ولا نفرط فيها، بل نبني عليها، من دون أن تسكرنا النشوة، فنتوهم أن النصر قاب قوسين أو أدنى!
وينبغي أن نتذكر أن التغيير الحقيقي عملية تراكمية، تحتاج الكثير من الصبر وطول النفس، والاستعداد للتضحيات.. فلم تتحقق بعد إرادة الشعب في اسقاط نظام الفساد والاستبداد، رغم الثمن الباهظ المدفوع من دم وصحة وحرية شبابنا. ولعلي أثير غضب كثيرين من الأصدقاء ـ أرجو أن تتسع صدورهم لتفهم وجهة نظري ـ عندما أقول أنني لم أعد أرحب بشعاري "يسقط" و"ارحل"!! فعلى الرغم من احترامي لإخلاص وحماس وصدق معظم من يرفعون الشعار، إلا أنني أستميحهم عذرا عندما أقول انني أفضل عدم الاستعجال، وأراه يؤخر سقوط نظام الاستبداد والفساد الذي نتمناه جميعا، فلم يحدث أن شهدنا نظاما يسقط مع سقوط رأسه!! اخشى ما اخشاه، أن يعمل النظام نفسه على تغيير الرأس أو القناع، في مسرحية تحمل عنوان "التصحيح"، لنفاجأ برأس جديدة ألعن من سابقتها، وتعلو انغام "تسلم الأيادي" الجديدة، وتعاد نغمة "أدوا له فرصة"، لتستمر دائرة الوهم مرة ثالثة؛ تستنفد فيها قوى الثوار، ويصبح الإحباط سيد الموقف من جديد!! ولا أجرؤ علة مصادرة حق الجميع في اختيار ما يشاء من شعارات، لكنني أفضل ان نستمر في مواجهة الفساد والاستبداد، والضغط بلا هوادة من اجل انتزاع المزيد من الحريات والعمل على نشر الوعي، وتسليط الضوء على كل هفوة او سقطة للنظام وشن الهجوم عليها؛ علينا ان نكرس لدى الجماهير ما اتفقت عليه كل الشعوب المتحضرة، من أن الحاكم ليس الها أو نبيا معصوما من الخطأ، وإنما هو موظف عام بالدولة، يعمل لديهم في إدارة مواردهم وثرواتهم، وتسيير أمورهم الدنيوية، ليس له أن يتصرف في مورد أو ثروة من دون الرجوع لملاكه، وليس من حقه التدخل في معتقداتهم الروحية! فإذا أصاب ربما يكافأ بمد فترة عمله، وإذا أخطأ من حق الشعب ان يقول له "ارحل".. ووقتها لن يكون أمامه إلا أن يرحل فعلا بأيدي الشعب، لا بأيدي أركان نظام يتشبث بالبقاء!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل وبخ روبرت دينيرو متظاهرين داعمين لفلسطين؟ • فرانس 24 / FR


.. عبد السلام العسال عضو اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي




.. عبد الله اغميمط الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم التوجه


.. الاعتداء على أحد المتظاهرين خلال فض اعتصام كاليفورنيا في أمر




.. عمر باعزيز عضو المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي