الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المرحلة الانتقالية والانتخابات الرئاسية، وأسباب غموض ومخاوف المعارضة السورية منهما

ميشيل حنا الحاج

2016 / 4 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


ماذا تريد المعارضة السورية المسلحة من مؤتمر جنيف؟
1) هل تريد انهاء النزاع، أم المماطلة فيه بانتظار الرئيس الأميركي القادم؟ وهل المماطلة في مصلحتها أم ضارا بها، بل وهل هناك أسباب موضوعية وواقعية لتشبثها بالحكومة الانتقالية كاملة الصلاحيات، ووجوب رحيل الرئيس بشار الأسد؟

2) هل بقيت للمعارضة المسلحة المسماة بالمعارضة المعتدلة، قدرة فعلية وحقيقية على التأثير وفرض الشروط، أم أن المعارضة الفعلية الوحيدة المؤثرة، باتت هي المعارضة المتطرفة، أي المعارضة الارهابية ممثلة بالدولة الاسلامية وجبهة النصرة، اللتان تشتركان في معارك متواصلة مع القوات الحكومية، بل ومع المعارضة المعتدلة أيضا، التي تخسر موقعا تلو الآخر لمصلحة المعارضة الارهابية المتشددة، مما قد لا يترك للمعارضة المعتدلة في نهاية المطاف، وخصوصا اذا انتهت مرحلة الهدنة المعلنة لصالحها، (فعادت تواجه قتالا مع القوات الحكومية أيضا) مواقع جدية غير بعض الأرياف.. تسيطر عليها، وباسم سيطرتها الضعيفة تلك، تذهب مفاوضة الى جنيف؟

الاجابة على هذين السؤالين، تستند الى الحقائق الفعلية الجديدة على أرض الواقع، وليس على الأحلام والتمنيات، وهي حقائق يفرزها فن الممكن في السياسة والاستراتيجية، مرجحة اقتراب المعارضة السورية المسلحة الموصوفة بالمعتدلة...من الانقراض، أو التحول الى مجرد كومبارس له دور ثانوي في الصراع القائم حاليا على الأرض السورية.

وما يرجح توجه المعارضة المسلحة الموصوفة بالمعتدلة، الى التأخير والمماطلة انتظارا لرئيس أميركي جديد، متجاهلة احتمال انكماشها، ان لم يكن انقراضها (على ضوء التطورات العسكرية المتلاحقة)...هو هشاشة الأسباب التي تتذرع بها لرفضها طرح الحكومة الائتلافية، أو لمشاركة الرئيس بشار الأسد في انتخابات رئاسية قادمة، مع اصرار على وجوب تشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات، وعلى تنح فوري للأسد، مما يعني بطبيعة الحال عدم أحقيته في المشاركة في انتخابات رئاسية قادمة.

ولكن هناك مشكلة هامة لا يدركها هؤلاء، وهي أن الحكومة الانتقالية كاملة الصلاحيات، لا يمكن تنفيذها عمليا، لكونها تشكل قفزة في الفضاء، وقد تؤدي الى فراغ دستوري يشكل هشاشة وعدم وضوح في السلطة، ربما يؤدي الى الفوضى والى عودة الاضطراب الى البلاد عوضا عن تحقيق الاستقرار فيه.

فمطلب المعارضة المسلحة الذي تتشبث به، وهو رحيل الرئيس بشار الأسد وتشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات ... بحاجة الى تعديلات دستورية كبيرة، بل الى دستور جديد. وصياغة دستور جديد كهذا تستند اليه تلك الحكومة الانتقالية، يفترض أولا تشكيل لجنة لصياغة الدستور القادم، وصياغة دستور جديد ثم طرحه على استفتاء شعبي لاقراره. اذ بعد ذلك فحسب، يمكن تشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات، بل ذات صلاحيات دستورية تمارس السلطة بموجب هذا الدستور الجديد. وهذا كله، يتطلب تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها الحكومة الحالية وممثلين عن المعارضة المسلحة المعتدلة، بل والمعارضة التي لم تحمل السلاح، اضافة الى مشاركة الأكراد بأطيافها اذا تنوعت حقا أطيافها...بحيث تتحول بعدئذ هذه الحكومة الوطنية التوافقية، الى حكومة انتقالية، دون أن تترك فراغا دستوريا قد يؤدي بالبلاد الى فوضى تتذرع بها الحركات الارهابية كمبرر للحاجة لها لملء ذاك الفراغ ولو بقوة السلاح والارهاب.

فالمطلب العنيد بتشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات، ورحيل فوري للرئيس، انما يعني على أرض الواقع، انقلابا عسكريا، لا يقوده عسكريون كما جرت العادة في الانقلابات العسكرية التي توالت على سوريا منذ عام 1949 بدءا بانقلاب حسني الزعيم، بل يقوده هذه المرة مدنيون مزودون بالسلاح، ويتلون البيان رقم واحد عبر مذياع جنيف، وليس عبر الاذاعة الرسمية (كما جرت العادة في الانقلابات العسكرية السابقة)، ويمارسون سلطتهم من خلال قرارات تتخذ في جنيف، وليس من خلال استفتاء شعبي كما تقتضي الدواعي الدستورية رغم حصول أي اتفاق في جنيف مهما كان نوعه ودرجته....أي ليس من ارادة الشعب الذي يزعمون أنهم يدافعون عن مصالحه وحقوقه.

فالعودة لنهج الانقلابات العسكرية التي رذلها الشعب السوري منذ عام 1970، والفراغ الدستوري الذي يفرزه انقلاب كهذا، هو جوهر الضعف في هذا الطرح غير المقبول من الطرف الآخر. وتحاول المعارضة الأكثر اعتدالا، والتي لم تحمل السلاح في وجه الدولة، ويوصفون بمجموعة موسكو ومجموعة القاهرة، الايضاح بأن المطلوب هو تخلي الرئيس عن بعض صلاحياته لتلك الحكومة الانتقالية التي تسعى جنيف لتشكيلها، (مما يعني بقاء الرئيس ولو لفترة انتقالية ولكن بصلاحيات منقوصة)... كما قالت رندا قسيس،(وهي من المنتسبين لاحدى تلك المجموعتين) لقناة بي بي سي، في16 نيسان (ابريل).

ولكن حتى التخلي عن بعض تلك الصلاحيات، انما هو تعديل دستوري جوهري ينبغي أن يوافق عليه الشعب، أو البرلمان الجديد، فيلتئم باعتباره هيئة دستورية وليست برلمانية، ويتوجب عليه أن يوافق على تلك التعديلات بأكثرية خاصة. ولكن المعارضة لا تعترف بالبرلمان المنتخب حديثا ولا تثق فيه، لكونه قد يحابي الرئيس في قراراته كما يعتقدون، وهم أصلا لا يعترفون بصحة هذا البرلمان أو بوجوده، مما يعني مرة أخرى ضرورة العودة الى الشعب في استفتاء شعبي لاقرار التعديلات الدستورية المطلوبة.

ولكن لماذا يخشون بقاء الرئيس مع الاتفاق الودي على بعض التعديلات على سلطاته يقرها البرلمان المنتخب حديثا... بل لماذا لا يرغبون ببقاء الرئيس أصلا، أو بمشاركته في انتخابات رئاسية قادمة ليقرر الشعب بنفسه، عبر صندوق الاقتراع، ما يريده حقا. أم ترى أن المعارضة المسلحة ليست واثقة بنفسها، أو بشعبيتها، أو بالنتائج التي قد يفرزها صندوق الاقتراع، عكس الرئيس الذي فقد شعبيته كما تقول المعارضة ويقول الرئيس أوباما؟ فهو لا يرفض الخضوع لهذا الامتحان الانتخابي الدستوري. فما الذي تخشاه اذن المعارضة من امتحان دستوري كهذا، يقرر الشعب من خلاله مصير بلده ومصير رئيسه؟

ومن الحقائق الأخرى التي تتجاهلها المعارضة المسلحة المعتدلة، أنها تروج لكونها تسيطر على 78 بالمائة من الأراضي السورية، وكأنهم لم يسمعوا بحدوث تغيير على هذه النسب. اذ تقول آخر التقارير، أن الدولة السورية بعد التطورات العسكرية الأخيرة، باتت تسيطر على 32 بالمائة تشكل الجزء الأهم من الأراضي السورية، لكونها تتضمن معظم المدن الرئيسية كدمشق وحمص وحماة وتدمر والقريتين واللاذقية وطرطوس والشيخ مسكين، واجزاء من دير الزور ودرعا وحلب، اضافة الى أجزاء كبيرة من محافظة الحسكة التي تهيمن عليها قبائل شمر المؤيدة للرئيس بشار الأسد، ويقودها الشيخ حميدي دهام الجربا، شيخ مشايخ عشائر الشمر الواسعة الانتشار في سوريا وفي العراق، كما ورد على قناة بي بي سي..

أما ال 68 بالمائة من الأراضي التي تسيطر المعارضة عليها، فان معظمها، وخصوصا المدن منها، فان من يسيطر عليها هو الدولة الاسلامية وجبهة النصرة الموصوفتين بالجماعات الارهابية، وهناك اتفاق روسي أميركي على محاربتها وعدم شمولها بوقف اطلاق النار. كما أن المعارضين الارهابيين يسيطرون على بعض المدن، ومنها الرقة وادلب وجسر الشغور، وأجزاء من درعا وحلب ودير الزور. أما المعارضة المسلحة الموصوفة بالمعتدلة والتي تفاوض في جنيف متشبثة بمواقفها المتعنتة، فلا تسيطر الا على أجزاء صغيرة جدا من الأراضي السورية، ربما بينها بعض القرى والأرياف، لكن ليس بينها مدنا أو مواقع استراتيجية ذات أهمية خاصة.

فعلى أرض الواقع هي لا تسيطر الا على أقل من عشرة الى خمسة عشرة بالمائة من أراض سوريا جلها في الريف السوري. ولولا حالة وقف اطلاق النار التي شملت المعارضة المعتدلة بغية تشجيعهم على المشاركة في مؤتمر جنيف3 سعيا لحل المعضلة الأصغر تمهيدا لمواجهة المعضلة الأكبر والحقيقية وهي التجمعات الارهابية، لما بقي شيء يذكر من الأراضي تحت سيطرة المعارضة المعتدلة. ومع ذلك، وفي غياب القدرة لدى تلك المعارضة على ادراك الحقائق السياسية والاستراتيجية التي باتت قائمة بعد المشاركة الروسية في المعركة، تظل متشبثة بموقفها المتعنت، وباصرارها على حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات، وعلى رحيل الرئيس بشار، دون أن تدرك وتقدر بأن فشل مؤتمر جنيف3، انما يعني انتهاء وقف اطلاق النار، والدخول في مواجهات جدية مع القوات السورية المؤازرة من سلاح الجو الروسي، اضافة لمواجهتها الجارية حاليا في ريف حلب الجنوبي (وفي مواقع أخرى) مع الدولة الاسلامية، مما سيؤدي قريبا الى انكماشها بشكل واضح، بحيث لن يترك لها دور في جنيف أربعة (اذا فشل جنيف 3)، وان وجد فهو عندئذ دور الكومبارس الذي ياتي الى جنيف للمشاركة في مجرد عملية استعراضية احتفالية تعلن وفاة المعارضة المسلحة المعتدلة، خصوصا وأن تلك المجموعات التي شكلتها الولايات المتحدة كمعارضة معتدلة أيضا، تحت اسم جيش سوريا الديمقراطي، هي أيضا تخسر بعض مواقعها في معارك تجري في المناطق القريبة من مدينة اعزاز الحدودية مع تركيا، وقد فر بعض مقاتليها تاركين وراءهم أسلحتهم الأميركية لتستولي عليها الدولة الاسلامية.

وهكذا يبدو أن اطالة أمد التفاوض ووضع العراقيل بغية التأخير انتظارا لوصول رئيس أميركي جديد، قد لا يفيد المعارضة المعتدلة، لأنهم قد يجدون انفسهم في نهاية المطاف، رغم وصول (غودو)، أي الرئيس الأميركي الجديد ( خلافا لما جرى في مسرحية صموئيل بيكيت..عندما انتظر الرفاق وصول غودو، لكنه لم يصل)، فان هذا الرئيس قد يصل متأخرا، في وقت باتت فيه المعارضة المعتدلة قد خسرت كل شيء، فلم يعد لها دور أو شأن يذكر ويحسب له أي حساب.

اذ قد يأتي فعلا رئيس اميركي اكثر تشددا، لكنه لدى مجيئه لن يجد امامه معارضة مسلحة معتدلة يؤازرها، لأنها الى التلاشي والاضمحلال التدريجي، بحيث لن يبقي في ساحة المعركة، الا المعارضة المتشددة التي لن يحاورها أحد الطرفين الروسي والأميركي، الا بلغة السلاح، وليس بلغة الحوار في جنيف، خصوصا وأن السلطة الأميركية قد حسمت الآن أمرها في مواجهة جبهة النصرة التي طالما ترددت في مقاتلتها على أمل اقتناعها بفك ارتباطها بالقاعدة وبأيمن الظواهري، لكنها لم تفعل، وتشبث أميرها أبو محمد الجولاني بمؤازرته للظواهري ولتنظيم القاعدة، مما دفع الولايات المتحدة أخيرا، للشروع بالاغارة على مواقعها بطائرات درون من غير طيار، مما تسبب مؤخرا بمقتل بعض قادة تنظيم جبهة النصرة.

ميشيل حنا الحاج
مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الارهاب – برلين
عضو في مركز الحوار العربي الأميركي – واشنطن
كاتب في صفحات الحوار المتمدن – ص. مواضيع وأبحاث سياسية
عضو في رابطة الكتاب الأردنيين – الصفحة الرسمية
عضو في مجموعة صوت اللاجئين الفلسطينيين، ومجموعات أخرى









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تساهم ألمانيا في دعم اتفاقية أبراهام؟| الأخبار


.. مروان حامد يكشف لـCNN بالعربية سر نجاح شراكته مع كريم عبد ال




.. حكم غزة بعد نهاية الحرب.. خطة إسرائيلية لمشاركة دول عربية في


.. واشنطن تنقل طائرات ومُسيَّرات إلى قاعدة -العديد- في قطر، فما




.. شجار على الهواء.. والسبب قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرا