الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المغرب: بين التهرب الضريبي، الجنات الضريبية و لغز الثروة

عبد الوهاب عتى

2016 / 4 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


ملفات التهرب الضريبي و تهريب الأموال في العالم ليست ظواهر وليدة اليوم، فهي تعتبر من أقدم الجرائم الإقتصادية و الإجماعية التي تؤدي إلى عدم إستقرارية الأنظمة المالية و الإقتصادية في الكثير من الدول. في المغرب مثلا، هذه الملفات كانت و ستبقى من الطابوهات السياسية و الإقتصادية الغامضة التي يصعب مباشرة النقاش فيها، نظرا لما تحمله من حسابات سياسية بالنظر إلى هويات مقتريفيها و المستفيدين منها.
فبالرغم من بعض المعطيات و الأرقام التي تصدرها بعض المنظمات الدولية المتخصصة، يبقى من الصعب التوصل إلى معرفة حقيقة الأموال المغربية التي يتم إخراجها بحرفية كبيرة و بإستعمال وسائل غير قانونية صعبة التفكيك، و تزداد تعقيدا مع مرور الزمن.

هكذا، و حسب التقرير الصادر في شهر دجنبر 2014، لهيأة النزاهة المالية العالمية، "غلوبل فاينانس إنتيكرتي"و التي تعتبر منظمة غير حكومية ذات مصداقية عالمية، فإن الأموال التي تم تهريبها من المغرب بين سنتي 2003 و 2012 تقدر بحوالي 9977 مليون دولار أمريكي. هذه الأرقام المخيفة تضع المغرب في الرتبة 59 من مجموع 145 دولة شملتها الدراسة، و المرتبة الثالثة عشرة على الصعيد الأفريقي. ما يعني أن ما يناهز 998 مليون دولار (ضعف الميزانية المخصصة لوزارة التربية لسنة 2014)، تلقى مصيرها في مختلف الأبناك الأجنبية سنويا. و ما "فضيحة بنما" الأخيرة التي كشف عنها الصحفيين الألمانيين إلا الدليل القاطع على حرفية هذه العمليات اللاأخلاقية. الفضيحة التي تورط فيها العديد من الشخصيات الدولية و المغربية و على رأسهم أمير المؤمنين و كاتبه الخاص التي وردت أسماءهم على رأس شركات وهمية للتهرب من الأداء الضريبي مسببة خسائر كبيرة بالإقتصاد العام و تدفع بالمواطنين إلى الفقر و التهجير.

و في نفس السياق، و بناءا على المعلومات التي صربها الموظف السابق في إحدى الأبناك السويسرية الكبرى (HBSC) السنة الماضية ، حول أسماء و حسابات تضم أكثر من مائة ألف شخص معنويين و غير معنويين معروفين على الصعيد العالمي من ملوك، أمراء، رئساء دول، رياضيين، و كبار أباطرة المخدرات و الأسلحة ، نجد ما يناهز 1068 مغربي ( أشخاص أو شركات)، يملكون حسابات مالية بقيمة 1.6 مليار أورو بهذا البنك السويسري لوحده للتستر على تهريب و تبييض الأموال، مما أثار إستغراب و تساءلات المتتبعين. فحسب "الدستور المغربي" الملك هو المسؤول الأول للدولة و أميرا للمؤمنين و رمز الوحدة الترابية، مما يتحتم عليه أن يكون القدوة في ممارسة و تفعيل ما يسميه الخبير الإقتصادي مصطفى بنعلي "بالمواطنة الضريبية"، أمام المواطنين و المواطنات من جهة و أمام المستثمرين الأجانب من جهة آخرى. فنحن هنا نتحدث عن مسؤوليات أخلاقية و سياسية أكثر منها قانونية.

هكذا، و إضافة إلى هذه الأرقام الضخمة السابقة الذكر، فإنتشار التهرب أو التملص الضريبي في البنية الإقتصادية المغربية يعتبر بمثابة الوجه الآخر لعملية تهريب الأموال. حسب الإقتصادي مصطفى بنعلي، فقط مائة شركة من آلاف الشركات الكبرى هي التي تدفع ما يحق عليها، أما الباقي فيتملص بدعوى العجز المالي. مما يجعل 50 مليار درهم سنويا تذهب بطريقة غير قانونية إلى جيوب الأثرياء تمهيدا لتهريبها إلى مختلف "جنات الضرائب" العالمية.

إن إرتكاب هذه الجرائم الإجتماعية و الإقتصادية في حق الإقتصاد المغربي و في حق المواطنين و المواطنات، ليست بممارسة قانونية، و هي تصبح لاأخلاقية عندما يتعمد المسؤول الأول في البلاد إستعمال حسابات بنكية خارج البلاد قصد التملص من واجبات الأداء الضريبي الذي يعتبر من أهم أسس المواطنة التي تعتبر ممارسة و ليس مجرد كلام فارغ يملأ الدنيا خلال مناسبات إحتفالية فقط. و بعد كل هذه التصريبات يمكن لنا طرح سؤال حول مدى مصداقية التساؤل الذي طرحه الملك محمد السادس في خطاب العرش الذي صادف الذكرى الخامسة عشرة من إعتلائه كرسي الحكم، حين قال متسائلا "أين ذهبت ثروة المغرب، ومن إستفاد منها؟".

كما هو معروف، فالمشرع المغربي يمنع المغاربة من إمتلاك حساب بنكي في الدول الأجنبية، و جعل إخراج الأموال كيفما كان مقدارها إلى أية دولة يجري تحت إجراءات قانونية جد صارمة من طرف مكتب الصرف التابع للوزارة المكلفة بالإقتصاد والمالية، و هو يعمل على ضمان المراقبة الصارمة بغرض كشف و زجر أي نقل غير مشروع للأموال إلى الخارج قصد الحفاظ على التوازنات الخارجية للإقتصاد الوطني. هكذا، فالقانون يقضي بعقوبات تأديبية وعقوبات جنائية على مخالفة النصوص التنظيمية لتحويل الأموال. فقد نص الفصل 136 من القانون 34-03 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها على معاقبة بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 10000 إلى 1000000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل شخص يحترف بصفة إعتيادية ومن غير أن يكون معتمدا قانونيا لذلك مزاولة الوساطة في تحويل الأموال. فكيف إستطاع هؤلاء إخراج كل هذه الأموال الطائلة دون علم الدولة و الوزارة المسؤولة؟

فما هي الخطوات أو الإجراءات التي ستتخذها الدولة المغربية و على رأسها الحكومة الإئتلافية التي يتزعمها إسلاميوا العدالة و التنمية بمباركة شيوعيي التقدم والإشتراكية؟ هل ستعمل الدولة على متابعة هذه الأموال لإسترجاعها إلى الأبناك المغربية أو على الأقل إجبار مالكيها على دفع الضرائب الواجبة عليهم؟ هل سيسلكون طريق الدول الديموقراطية في محاسبة المعنيين من جهة، و مقاضاة هذه المؤسسة البنكية من جهة آخرى، كما أعلنت عن ذلك العديد من الدول الديموقراطية ؟ أم أنها ستغض النظر عن كل شئ، و تطبق قولة رئيسها "عفى الله عما سلف"؟

فكما يبدو الحكومة المغربية عازمة المرور دون الإكتراث لهذا الأمر الخطير، مادمنا نعيش في مجتمع منافق أغلبيته تتقن فن المجاملة و التشدق "بالمنجزات". و قديما قيل: "إذا لم تستحيي، فإفعل ما تشاء". و هذا ما جسده فقهاء العصر، كل من الريسوني و النهاري و الفيزازي الذين أمروا بالمعروف و أنهوا عن المنكر بالقول: " دواير زمان"، أي لأيام العجاف و الجفاف، و إعتبارها غنيمة لفقراء و مستضعفي المغرب الجريح".

و من جهة آخرى، في عرض جوابه على أسئلة أحد نواب البرلمان يوم 11 فبراير 2014، السيد محمد بوسعيد، وزير الإقتصاد و المالية، أكد "بأن الإحصائيات المتداولة حول ظاهرة تهريب الأموال من المغرب إلى الخارج، تظل مجرد بيانات تقريبية تقتضي الإحتياط في التعاطي معها و مع مصادرها، مشيرا إلى أن هذه الإحصائيات خاصة منها الصادرة عن البنك الدولي للأداءات، تبين أن الظاهرة ليست مستفحلة بالشكل الذي تتناوله بعض الأوساط". محاولين بشكل أو بآخر التقليل و التخفيض من مدى خطورة هذه التصرفات المنبوذة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قطر تعلق على مساعي الجنائية الدولية لإصدار مذكرات توقيف بحق


.. من بينهم طبيب ومعلم وطالب.. مقتل 7 فلسطينيين بنيران إسرائيلي




.. مستقبل السياحة في جزر المالديف لن يعتمد على سحر شواطئها فحسب


.. مقتل 7 فلسطينيين وإصابة 9 باقتحام الجيش الإسرائيلي لجنين




.. بين سليماني ورئيسي .. ما هو سرّ الخاتم؟