الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فخ سلمان في صنافير وتيران

جوزيف بشارة

2016 / 4 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


تيران وصنافير مصريتان أم سعوديتان؟ لم يعد هذا السؤال يشغل بال أحد، فالجميع اتخذ موقفاً من القضية بناءً على موقفه من الرئيس عبد الفتاح السيسي. من يقبلون بالسيسي رئيساً يجدون دوماً الأسباب الكافية لتبرير أية أفعال يقوم بها، حتى ولو كانت خاطئة أو ساذجة أو غير مقبولة، بينما من لا يقبلون بالرجل، أو قبلوه في الماضي على مضض بغرض إبعاد الإخوان عن الحكم، يجدون أيضاً من الأسباب ما يكفي لتبرير كراهيتهم له ولكل أفعاله حتى وإن كانت جيدة أو تفيد البلاد والمواطنين. قليلون هم من يعرفون ويفهمون حقيقة وطبيعة الجزيرتين، وكثيرون هم من لا يعرفون ولا يفهمون ولكنهم ينجرفون وراء مشاعرهم الشخصية وولاءاتهم الحزبية والجماعية.

تقول الجغرافيا أن مصر والسعودية تمتلكان الحق في المطالبة بالجزيرتين، فالجزيرتان تقعان تقريباً في منتصف الممر الملاحي الضيق الذي يقود إلى خليج العقبة والذي يفصل بين مصر والسعودية. جغرافياً إذن يمكن القول أن الجزيرتين متنازع عليهما. أما التاريخ فيؤكد على أن مصر كانت دائماً اللاعب الأساسي في الجزيرتين، ويضاف إلى ذلك أن مصر هي التي وقعت اتفاقات دولية نصّت على وجود الجزيرتين ضمن حدود أراضيها، وهي التي دافعت عنهما عندما تعرضتا للعدوان، وهي التي قدمت شهداءً في الدفاع عنهما، وهي التي أعادتهما مرة أخرى للسيادة المصرية بعد سنوات الاحتلال الإسرائيلي لهما.

لكن يبدو أن النظامين الحاكمين في مصر والسعودية آثرا الاحتكام للسياسة والاقتصاد ومصالح النظامين، والأمور الداخلية والإقليمية دوناً عن الجغرافيا والتاريخ. كان من الطبيعي أن يزعج هذا الأمر الوطنيين من المصريين. (ملحوظة: عن الوطنيين أتحدث وليس عن المزايدين والمنتفعين والحقودين والمُشَوَشْين.)

جاءت ردود أفعال المصريين متفاوتة، مريدو السيسي قبلوا بالأمر وبرروه، وظهر الإعلام الرسمي وشبه الرسمي كعادته بوجهه المنافق المؤيد للسلطة. في المقابل أظهرت المعارضة الاتفاق المصري السعودي على أنه خيانة عظمى وبيع لأرض الوطن. واستغلت جماعة الإخوان الموقف وزاحمت المعارضين بهدف تحقيق مكاسب على حساب النظام. بين القلة المؤيدة والقلة المعارضة وقفت الأغلبية حائرة تائهة تتسائل من المحق ومن المخطيء، وإن كان الإحساس بالمرارة بدا واضحاً على الكثيرين بسبب الاسلوب السري الذي تعاطى به النظام مع الأمر. ومن المؤكد أنه لو كان النظام تعامل مع الأمر بشفافية ووضوح لاختلفت ردود الأفعال ولِما أثار الاتفاق الشبهات ولِما جاء الإعلان عن التخلي عن الجزيرتين مفاجئاً وصادماً.

المثير في الأمر أن النظام المصري لم يكن واثقاً من رد فعل المصريين على قرار التخلي عن الجزيرتين، بل أنه توقع حدوث ردود أفعال غاضبة، حتى أن عبد الفتاح السيسي ذكر في حوار له بعد الزوبعة أنه لم يشأ الإعلان عن المسألة حتى لا يتدخل ’الأشرار‘ فيعكّرون العلاقات مع السعوديين. لكن حجة السيسي الهزيلة لا يمكن قبولها أو تبريرها لأن رئيس الدولة يستمد شرعيته من شعب بلاده وليس من حكام الدول الأخرى، وهو مطالب بمراعاة شعبه قبل مراعاة الدول الأخرى. لكن قد يكون السيسي محقاً بعض الشيء في حذره من استغلال عناصر إخوانية تخريبية للموقف، غير أن هذه المخاوف لم تكن أبداً لتعطيه الحق في اتخاذ قرارات وطنية مصيرية من دون استشارة المصريين.

تعكس الأزمة التي أوجدها النظام بشأن مستقبل جزيرتي تيران وصنافير ضعف الخبرة وغياب الرؤية عن القيادة السياسية. بدا أيضاً أن ملك السعودية استغل سذاجة النظام فنصب له فخاً وضعه في صفوف المتهاونين في حقوق الوطن، وهي الصفوف التي تضم قادة جماعة الإخوان المسلمين التي عزلها النظام الحالي بعد ثورة الثلاثين من يونيو. ربما لا يخفى على الكثيرين هنا أن الملك السعودي يرتبط أيديولوجياً بالفكر الإخواني، وعمل منذ اعتلائه عرش المملكة على تقارب الفصائل الإسلامية السنية المحافظة ومنها جماعة الإخوان لمواجهة المد الإيراني الشيعي في المنطقة. وفي هذا الصدد ذكرت دراسة أعدتها مبادرة الإصلاح العربي أن العاهل السعودي يتبنى استراتيجية جديدة لا تقوم على الصدام مع جماعات الإسلام السياسي ومنها جماعة الإخوان، وإنما تقوم على استخدام هذه الجماعات لتحقيق مصالح مشتركة.

لعل التوقيت السيء للاتفاق المصري السعودي بشأن الجزيرتين، والذي لا يصب في مصلحة النظام المصري يؤكد على أن سعي الملك سلمان لفك ارتباط الجزيرتين بمصر ليس إلا فخاً لعبد الفتاح السيسي والمؤسسة العسكرية التي تقف وراءه وتسانده، وفخاً لمصر حتى تنزلق من جديد في مستنقع جماعة الإخوان. كان بإمكان سلمان الانتظار حتى يتخطى السيسي بعضأ من العقبات الاقتصادية القاسية والتحديات الداخلية الجمّة التي تواجهه في الوقت الحالي، ذلك لو كان سلمان يسعى لدعم النظام المصري ويرغب في تخفيف الأعباء عنه ويخشى استغلال معارضيه، بخاصة جماعة الإخوان، المسألة ضده. لكن سلمان أراد، على ما يبدو، أن يحرج السيسي ويدعم حجج المعارضة المشروعة وغير المشروعة ضده. والخلاصة هي أن سلمان وضع السيسي في موقف الخائن الذي يتخلى عن حقوق وطنه ويفرّط في أراضيه، وهي نفس التهمة الي يوجهها النظام لقادة جماعة الإخوان ويحاكمهم بسببها.

السؤال الذي يفرض نفسه الأن هو هل كان بإمكان النظام المصري عدم التخلي عن الجزيرتين؟ الإجابة السهلة للسؤال التي يتداولها المعارضون للنظام الحاكم هي نعم، لكن إجابة المقربين من النظام تختلف تماماً، وبين الإجابتين تكمن حقائق كثيرة.

يتعرض النظام المصري لضغوط رهيبة داخلياً وخارجياً ويواجه تحديات جمة لا يبدو قادراً على حلها، وربما دفعته رغبته في تخفيف هذه الضغوط والتحديات إلى الرهان الخاطيء؛ صفقة التخلي عن جزيرتين ظن أنهما فقدتا أهميتهما الاستراتيجية بتوقيع مصر اتفاق السلام مع إسرائيل طمعاً في دعم سياسي واقتصادي غير محدود من المملكة السعودية.

بالنسبة للدعم السياسي، يدرك النظام المصري أن دعم السعودية لجماعات الإسلام السياسي جعلها تتحكم بشكل كبير في خيوط اللعبة في المنطقة وبخاصة في الدول المشتعلة بصراعات داخلية، ومن ثم فربما كان التخلي عن الجزيرتين محاولة من السيسي لتحييد السعوديين في الصراع المصري الداخلي الدائر بين النظام وجماعة الإخوان. وعلى جانب أخر، فقد اراد النظام المصري التودد للسعوديين بغرض اختراق التحالف السعودي التركي الذي يمكن أن يهدد استقرار مصر لو استمر في عملية زرع أنظمة إسلامية في المنطقة. أما بالنسبة للدعم الاقتصادي، فالقاهرة لازالت تطمع في الحصول على المزيد من المعونات المالية التي تحتاجها بصورة ماسة لمواجهة الأزمات التي تكاد تحكم قبضتها على رقبة النظام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ولكن
هانى شاكر ( 2016 / 4 / 19 - 03:27 )

اما كان أجدر بالسيسى و الحكومة المصرية ان تتعامل مع الشعب المصرى بافتراض انه شعب ذكى و له كرامة؟

افتراضاتك متهافته ... و حتى تبعث على الضحك. السيسى عسكري غبى نرجسى ... اما سلمان فهو سلمان و هيفضل طول عمره سلمان على روحه ... فاى شيطان اذا اوحى لك ان فى احدهما ذرة من الذكاء تجيز لنا ان نصدق افتراضاتك و استنتاجاتك

بعيدة قوى حكاية ذكاء سلمان اللى عايز يحرج السيسى عشان عيون الاخوان

السيسى بعتر مصر و اكمل اهترائها الذى بدأه ناصر و ابدعه مبارك

عليه الاعتراف بالفشل و تسليم الأمور الى حكومة جديدة منتخبة شرعيا .. تستطيع ان تقول للشعب المصرى : تجوع الحرة ولا تاكل بصنافيرها

عندها ، و عندها فقط تبدأ مصر لعق جراحاتها و لملمة شملها و العمل لسنين طويلة لإزالة اثار عدوان عسكرها عليها


.....

اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا