الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو إقامة نظام نفطي آسيوي بقيادة الهند و الصين

عبدالله المدني

2005 / 12 / 5
العولمة وتطورات العالم المعاصر


هناك أكثر من مبادرة و تحرك يشير إلى قرب انتقال العملاقين الآسيويين ، الهند و الصين، إلى التعاون و التفاهم في قطاع الطاقة الحيوي بالنسبة لكليهما، بل انتقالهما إلى قيادة عمل آسيوي جماعي يستهدف تنظيم سوق الطاقة في منطقة جنوب و شرق آسيا و تأمين شبكة دائمة من إمدادات النفط و الغاز لها، إضافة إلى الاستثمار المشترك في اكتشاف و إنتاج و تصنيع النفط ومشتقاته.

هذا النهج الجديد، لئن كان بتأثير الارتفاعات المتواصلة لأسعار النفط في الأسواق العالمية في الفترة الأخيرة و تراجع الإنتاج المحلي للدولتين، معطوفين على ازدياد حاجتهما المتواصل لهذه السلعة للوفاء بمتطلبات نموها الاقتصادي المدهش، فان الدافع الآخر ربما كان اكتشافهما أن منافستهما لبعضهما قد سمح لأطراف ثالثة بالاستفادة على حسابهما.

المبادرة جاءت من الهند التي قال وزير نفطها "شانكار أيار" مؤخرا خلال اجتماع وزاري لمنتجي النفط من دول شمال و وسط آسيا ( روسيا و تركيا و أوزبكستان و كازاخستان و أذربيجان) ومستهلكيه الآسيويين الرئيسيين (الهند و الصين و اليابان و كوريا الجنوبية) أن الحقبة التي كانت فيها أسواق النفط الآسيوية خاضعة لرغبات و املاءات الآخرين ، و كانت آسيا فيها مجرد مستهلك ثانوي، قد ولت إلى غير رجعة. هذه المقولة بطبيعة الحال صحيحة و تؤكدها الأرقام والإحصائيات، و منها أن آسيا تستهلك اليوم نحو 40 بالمئة من الإنتاج العالمي أو 82 مليون برميل يوميا، وأن نسبة الارتفاع في طلبها على الطاقة في العام الماضي كانت 5 بالمئة مقابل ارتفاع الطلب العالمي بنسبة 3 بالمئة، وان الصين وحدها تستورد ثلث حاجتها من النفط و المقدر بنحو 5.5 مليون برميل يوميا ، أي 7 بالمئة من الطلب العالمي. أما الهند التي تعتبر تأمين الطاقة أولوية لا يتقدم عليها سوى الأمن الغذائي ، فان حاجتها اليومية من النفط المستورد يتوقع لها أن ترتفع إلى نحو 7.5 مليون برميل يوميا بحلول عام 2025 إذا ما واصلت نموها الاقتصادي بالمعدلات الحالية.

قد لا تعني هذه المبادرة نهاية فورية و سريعة للمنافسة المعروفة بين الهند و الصين في تملك حصص مجزية في مكامن النفط و الغاز الأجنبية أو عقد صفقات النفط و الغاز طويلة الأجل مع منتجي الطاقة. فتلك المنافسة التي تجسدت في صراعهما على نفوط انغولا و نيجيريا و كازاخستان والإكوادور و إيران و بورما قد تستمر بشكل أو بآخر كإحدى صور تنافسهما التقليدي الأوسع من اجل قيادة آسيا في القرن الحالي. غير أنها – أي المبادرة – تهدف إلى إيجاد صيغ من التعاون والتنسيق الثنائي أيضا لجهة اكتشاف النفط و إنتاجه و تصنيعه و نقله، و الدخول في مضاربات مشتركة حول تملك الأصول النفطية في الخارج، و ذلك ضمن خطة آسيوية جماعية اكبر.

ويبدو أن التعاون المشترك الناجح بين الصين و الهند في استغلال حقول النفط و الغاز في السودان، أغرى نيودلهي بإمكانية التعاون مع بكين في مناطق أخرى بدلا من التنافس الشرس الذي حسم في حالات كثيرة لصالح الأخيرة بفضل عروضها الأفضل و ذراعها المالي الأقوى، و في أحايين قليلة لصالح الدولتين معا (مثلما حدث في صراعهما على تملك حصص في حقل نيافاران الإيراني الغني و الذي انتهى بحصول الصينيين على 50 بالمئة و الهنود على 20 بالمئة).

أما الصين التي تبدو في وضع أفضل من الهند، بدليل استثمارها لنحو 40 بليون دولار في قطاع النفط في الخارج منذ عام 2000 مقابل استثمار الهند لنحو 3.5 بليون دولار فقط ، ناهيك عن احتياطاتها النفطية المؤكدة التي تبلغ 18 بليون برميل، مقابل 5 بلايين برميل في حالة الهند ، فقد تكون مدفوعة نحو التعاون مع الهنود بعوامل إضافية غير تلك التي أوردناها آنفا. أحد هذه العوامل ربما كان رغبتها في أن تسلك وارداتها النفطية من الخليج و الشرق الأوسط خطا بحريا جديدا يمر بمحاذاة السواحل الهندية الجنوبية و الشرقية إلى المواني البورمية ومنها عبر الأنابيب إلى البر الصيني، و ذلك كبديل للخط الحالي الأطول مسافة و الأكثر ازدحاما و الأقل أمنا، ألا وهو الخط المار بمضيق ملقا. وهذا بطبيعة الحال يتطلب تفاهما و تعاونا مع نيودلهي لضمان أمن الخط الجديد.

و تؤيد كوريا الجنوبية، التي تعتبر رابع اكبر مستهلك للنفط في آسيا، المبادرة الهندية في شقها الأشمل الخاص بخلق نظام آسيوي جماعي للنفط و الغاز. إذ اقترح وزيرها المكلف بشئون التجارة و الصناعة و الطاقة "هي بيم لي" أن يصار أولا إلى وضع خطة لربط مراكز إنتاج و توزيع و نقل الطاقة في آسيا ، مقترحا استضافة بلاده لمؤتمر بهذا الخصوص في النصف الأول من العام القادم على أن تحضره دول جنوب و جنوب شرق و شمال آسيا إضافة إلى روسيا و جمهوريات وسط آسيا الغنية بالنفط التي صارت في العقد الأخير مركز اهتمام القوى المتصارعة على الطاقة.

وبالمثل تؤيد اليابان فكرة خلق شبكة نفطية آسيوية من هذه الدول و التقدم بجدية نحو إقامة نظام نفطي جماعي في المنطقة يتسم بالحيوية و المرونة و القدرة على مواجهة المتغيرات و الأحداث الطارئة بكفاءة، مع المحافظة على البيئة. و هي في الوقت نفسه تولي فكرة الاستثمار الآسيوي المشترك في صناعة النفط و الغاز وتجارتهما اهتماما شديدا، باعتبارها الوسيلة الأفضل و الأنجع لجهة تأمين إمدادات الطاقة و استقرار الصناعات المرتبطة بها، بل الاقتصاد الآسيوي عموما.

والحال أننا إزاء تطورات و أشكال غير مسبوقة من التعاون في هذه القارة التي يبرهن شرقها يوما بعد يوم أنه يسير بخطى ثابتة و عقلية منفتحة و مستوعبة لشروط الارتقاء و الصعود في عالم اليوم، فيما شطرها الغربي لا يزال أسير خلافاته العبثية و شعاراته اللاواقعية و خططه الارتجالية، كيلا نقول أنه في حركته – إن تحرك- يعتمد على "البركة" فحسب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية بفرنسا.. ما مصير التحالف الرئاسي؟


.. بسبب عنف العصابات في بلادهم.. الهايتيون في ميامي الأمريكية ف




.. إدمان المخدرات.. لماذا تنتشر هذه الظاهرة بين الشباب، وكيف ال


.. أسباب غير متوقعة لفقدان الذاكرة والخرف والشيخوخة| #برنامج_ال




.. لإنقاذه من -الورطة-.. أسرة بايدن تحمل مستشاري الرئيس مسؤولية