الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حين تبكي الهوامير .. خالد الرويحي كنموذج

موسى راكان موسى

2016 / 4 / 19
الثورات والانتفاضات الجماهيرية



في منطقة الخليج بشكل عام ، و البحرين بشكل خاص ، يُعتبر وصف أحدهم بالهامور أو الحوت كناية عن وضعه الإجتماعي الأرستقراطي و السلطوي ؛ أي كناية عن الموقع الإجتماعي المُتعالي و الراقي ــ فسمكة الهامور كبيرة الحجم و ذات هيئة توحي بالهيبة ، كما أنها صعبة المنال بالنسبة للصيادين [ بالمقارنة مع أنواع السمك الأخرى ] ؛ فإرتبطت من حيث هي رمز في الثقافة الشعبية بمنطقة الخليج بأصحاب الحال الموسر و من لهم علاقة بأي شكل من أشكال السلطة المركزية في الدولة ، و من ذلك فيصير كلامهم جواهر و إن كان مجرد هراء ، و آراؤهم مذاهب و إن كانت تنتمي لأنواع من العقم الفكري ، و المصيبة أن الأمر لا يتوقف عند حدود التنظير بل يتجاوز إلى الساحة العملية و التطبيقية ، و الأسوأ من ذلك أن النقد محرم ، فمن يجرؤ و ينتقد يحكم على نفسه بالنفي من إمتيازات و هبات و تكرّمات أصحاب الهمورة [ صفة منحوتة من الهامور ] ، بل لربما أسوأ من ذلك إذ قد يصل الأمر لأن يتربص الهامور شخصيا بالناقد المسكين ، فينفيه بطريقة أو بأخرى .

و كي لا يُفهم العنوان خطئا ، فالعنوان ليست إشارة إلى أن شخص الدكتور خالد الرويحي هامور ؛ إذ قد يفهم بعد المقدمة في الأعلى أن القصد هو الإساءة لشخص الدكتور ــ فلو كان الدكتور هامور فعلا ، لما أقدمت على تقديم هذا الطرح ؛ فأنا أجبن من أن أنتقد هامور .

لكن بعيدا عن (الشخصنة) ، فقد سبق للدكتور خالد الرويحي أن كتب في صحيفة الوطن [ البحرينية ] مقالا بعنوان (( مؤشر المعرفة العربي 2015 .. ماذا فعلت بنا الحروب و الثورات المزعومة ؟ )) . و قد كان المقال من عنوانه و محتواه ذا رائحة نفّاذة أقرب لرائحة الأسماك ، و الهامور منها بشكل خاص ــ و يتناول المقال على هيئة مقاطع : (أطفالنا و شبابنا بلا تعليم) ، (العقول العربية المفقودة) ، (دروس لمؤسسات المجتمع المدني) .

فلنقف مع كل مقطع ذا البدء /

[1] – أطفالنا و شبابنا بلا تعليم :
ينطلق الرويحي من (مؤشر المعرفة العربي 2015) ، حيث سنظن في البداية أن الأمر سيقتصر على (حق التعليم) ، إذ أن الكثير من الأطفال و الشباب حرموا من التعليم بفعل مجريات الربيع العربي ؛ و الرويحي قد إختزل الربيع العربي بـ(الصراعات الطائفية) و (الحروب الأهلية) و (العمليات الإرهابية) ، رافضا أدنى نظر في العوامل و المحركات و الضرورات لهذا الربيع العربي ، كحائط من الإسمنت المسلح ، و يُراد منا أن نعتقد فعلا أن الربيع هو ما إختزله الرويحي بحجة أن هذا الحائط ذا قلب مرهف إنساني ! ــ و في حين أن الرويحي ربط (الحرمان من التعليم) بـ(ـالمجتمع الفاعل فيه عمل الربيع) ، كان عليه أن يتجاوز هذا الربط إلى ربط (الحرمان من التعليم) بـ(ـالمجتمعات التي يقطن فيها المحرومين / من ليس فيها الربيع فاعلا) ، بل و أيضا بـ(ـالأدعياء الهوامير المتباكين على حال الحرمان من التعليم) ؛ و قد إقترح الرويحي على خجل فيما بعد (تبني إستراتيجيات حديثة للتعلم) ، لإنقاذ من يمكن إنقاذهم من براثن الجهل ، أو بالأحرى لكي تطال براثن الجهل من لم تطالهم بهذه الإستراتيجيات الأفلاطونية ، التي ظاهرها تعليم و حقيقتها تعقيم . و لا نريد أن ننسى أو نتناسى حقيقة كون التعليم ذاته قبل الربيع ، إذ هو في هيئته العامة (تعليم أمّي) ، قد لعب هو الآخر دورا في تفعيل الأزمات ؛ بل هو أحد دوافع الربيع ، مما لا يجب أن يخفى عن شخص مثل الدكتور خالد الرويحي .

كمتنبئ يقول الرويحي : (( فوضع الأطفال و الشباب (...) لا يعطي أي فرصة لتوقع أن مستقبل هذه الدول سيكون أفضل من حاضرها ، إذا استمرت الأوضاع الأمنية و السياسية كما هي عليه الآن )) ، و لا نريد التجني على الدكتور الرويحي ، فهو في آخر المطاف متخصص في مجال التقنية و نظم المعلومات لا في مجال العلوم الإنسانية ، إلا أن تكلمه في أمور هي من خارج إختصاصه لربما كانت من الأسباب التي جعلت رائحة المقال نفّاذة ــ إن طبيعة التغييرات الإجتماعية قد تدفع بأمثال الدكتور الرويحي لمواقف مخزية تجاه التغيير الإجتماعي ، ذلك لأنهم رضعوا إلى أن ثملوا من ثدي الإستقرار و الثبات ، فبات فكرهم كله محافظ و أنفاسهم إدارية صرفة ، لذا فكل هزة أرضية غير متوقعة أو نسمة هواء من رياح التغيير تجعلهم متخبطين و خائفين و محبطين . فالربط الذي أقامه الرويحي بين (الوضع الأمني و السياسي) بـ(ـوضع الأطفال و الشباب) ، مستخرجا من ذلك نبؤة تشاؤمية ، ليست إلا أضغاث أحلام ؛ بل إنه كما يتضح من التجارب التي مرت بها أوروبا كلها في حروبها و بؤسها في الطور الزمني الحديث ، أخرجت ما لم تخرجه ، بل أفضل مما أخرجته من وضعها المزعوم أنه وضع الإزدهار و الإستقرار في الطور الزمني الحالي [ هذه ليست دعوة للإنتصار الحرب و البؤس و إحلالهما ، لكنها حجة تفنيد نبؤة التشاؤم عند الرويحي ] .


[2] – العقول العربية المفقودة :
يذرف الرويحي بحرقة دموعا على فقدان ما أسماه (العقول العربية الماهرة و الذكية) ، و التي على حد زعمه فقدت من جراء هذه (الحروب الأهلية) و (الثورات المزعومة) ، فهي إما (ماتت) أو تم (إغتيالها) أو (هاجرت طلبا للأمان) ــ و رغم أن هذه الدموع قد تكون من جراء تخيّل الرويحي نفسه كـ(عقل عربي ماهر و ذكي) في ظل الربيع العربي ، إلا أنه يتجاهل عن عمد أن تصفية (العقول) تسبق الربيع العربي ؛ لذا فالأجدر به أن يتخيّل تصفيته بهذه الطريقة أيضا ، إلا إن كان هو نفسه من يقوم بتصفية (العقول) أو يؤيد من يقوم بذلك ! .

[3] – دروس لمؤسسات المجتمع المدني :
يختم الرويحي هنا بتوصية عجائبية لكن أيضا إستبدادية ، فهو يدعو مؤسسات المجتمع المدني [ الجمعيات و الأحزاب ] و المثقفين و الأكاديميين و الباحثين ، لأن يكونوا مثله (ينطلقوا من مؤشر المعرفة العربي) و (يتبنوا قراءة الرويحي للمشهد) ، و هو يعني من ضمن كل يعني تعزيز لرأي عام (( مخصي )) تجاه الربيع العربي ؛ أي رفض التغيير ، و الوقوف مع الأمن و الإستقرار و الثبات [ أي الحفاظ على الوضع دون محاولة تغيير ] ــ و في حركة ذكية من الرويحي [ أليس هو ذا عقل عربي ذكي ؟! ] يعقب على ما أسماه بـ(المؤسسات الشاذة) ، و التي على حد قوله (( إتخذت من منهج الهدم و التدمير شعارا للتخلص من الآخرين و السيطرة على مقدرات الحياة )) ، فهم في النهاية عنده ذو (نظر قاصر) ؛ و هو بهذه الحركة يوقعنا في وحل يمنعنا من التقدم بالنقد ، لكن أيضا يوقع الرويحي في التعميم الجارف ، و هذا التعميم إن أراد له أن يقوم بمهمة فهي مهمة تصفوية تصيّر اللا متماثل متماثلا [ فهل كل تلك (المؤسسات الشاذة) هي إعلامية مثلا ؟! ، أم منها الإعلامي و المدني ؟! ، و هل لبعض الحكومات أو المعارضة على (إختلافها النوعي) منها نصيب ؟! ، و هل يقصد بـ(ـمنهج الهدم و التدمير) التغيير الإجتماعي ؟! ، و هل المقصود به داعش مثلا أم قوات الحزم أم القوات الروسية أم من ؟! ــ كل ذلك و أكثر يتركنا الرويحي نقع فيه ] .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Mohamed Nabil Benabdallah, invité de -Le Debrief- | 4 mai 2


.. Human Rights - To Your Left: Palestine | عن حقوق الإنسان - ع




.. لمحات من نضالات الطبقة العاملة مع امين عام اتحاد نقابات العم


.. كلمات ادريس الراضي وخديجة الهلالي وعبد الإله بن عبد السلام.




.. الشرطة الأمريكية تعتدي على متظاهرين داعمين لغزة أمام متحف جا