الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
رحيل قبلَ الأوان يا عثمان أبو غربية!!!
رامي الغف
2016 / 4 / 20القضية الفلسطينية
رحيل قبلَ الأوان يا عثمان أبو غربية!!!
بقلم / رامي الغف*
ليس بالهين اختصار حياة المفكرين والمنظرين والحكماء والقادة الميامين، بكلمات تُسطر في مقال إلا ان ذكر العظماء، واجبٌ إنساني يقع ضمن حقوق من أفنى حياته لخدمة المواطن والقضية والوطن.
قال أحد الحكماء خير المقال ما صدقه الفعال، وقليل هم الرجال الذين اتَّصَفوا بِأصدق القول المقترن بالعمل الحقيقي، وكثيرا ما نرى، أن أصحاب الرؤية الحكيمة، لا يستوعب معاصروهم أفكارهم، إلا بعد رحيلهم, فلا خير في القول إلا مع العمل.
بأرض بيت المقدس الزاكية، وعلى ربوة عالية، مطلة على المسجد الأقصى، يلوح بريق قبة ذهبية تعانق السماء، في البقعة المباركة والمقدسة والتربة النقية الطاهره، التي احتوت قبة الصخرة المشرفة، من مدينة القدس، المدينة التي أنجبت الأساطين من العلماء والمفكرين، حيث معقل العلم ومدرسة الفقه، ووادي المقدس طوى، ومن عائلة الجهاد والعلم والتضحية، آل أبو غربية الكرام، ولد القائد المفكر والمنظر العظيم الفريق عثمان ابو غربية.
المواقف هي من تخّلد رجالها، والرجال هم من يصنعون أمجاد الشعوب، وبوقت قل به الرجال، واكتظ الزحام بالأشباه، وزمنٍ تراجعت به المواقف وتوارت خلف جدران الخضوع، سمق ابو غربية بقامته الشاخصة، كالطود الشاهق والجبل الأشم، حاملاً لواء النصر في ميادين المواجهة، شاحذاً سيف الجهاد في سوح المناجزة، متوشحاً بإزار النضال والجهاد والعلم، على بصيرةٍ من أمره، يقود ركب المجاهدين، في طريق ابو عمار الياسر.
عثمان ابو غربية، إسم لا يغيب عن ذاكرة الدنيا، ولا تمحوه المدلهمات، أو تغيبه النوازل، لأنه كان مشروعاً متكاملاً، في بناء الأمة، وإعلاء عزتها ورفعة شأنها، وكان سفراً خالداً تستضيء بنور فكره الأجيال، جيلاً بعد آخر، وقد حمل مضامين المقاومة والفكر بكل معانيهام، ليعطينا دروساً عظيمة، في بناء المجتمعات الإنسانية، التي تتكامل فيها الهوية الفلسطينية العربية.
إن التجذر التاريخي، والأصل الأصيل والمَحتد المتأصل في رحاب التاريخ يضفي على الإنسان وشاحا من الهيبة والوقار، ويغدق عليه هالة من الإجلال والإكبار والاعتزاز، وان هذه الإشراقات الباهرة، والمزايا المميزة، والحضور المتألق يمتلكها بجدارة وأصالة الأخ المناضل عثمان ابو غربية حيث تحمل الكثير الكثير من القهر والغربة والتشريد والسجون والتعذيب، ولكنه ظل كشجرة برتقال فلسطين شامخا يقاوم كل ممارسات الظلم والاستبداد الصهيوني المقيت، فأبو غربية وبدون أدنى شك قد برهن بالفعل والتفاعل بأنه قيادة شابة موهوبة استقطبت انتباه وإعجاب كل الذين شاهدوا وتابعوا في أحاديثه الشائقة ولقاءاته المثمرة، والذي هو بحق عمارة هندسية موشحه بألوان قشيبة ومتنوعة، فوجدناه بحق حقيق قائدا جماهيريا ينغمس في مسامات المقهورين والمعوزين والمهمشين، ويعبر عن تطلعاتهم ويتفانى من اجل تحقيق طموحاتهم، لأنه متمسك بعروة الشعب والدين والوطن، فقد أغنى الساحة الفلسطينية بطروحات يقينية وجوهرية وغنية بالأفكار الموضوعية الصادقة والناطقة بآمال بهية ينشدها كل الذين افترشوا بساط الفقر والمرض والحرمان والقهر، فهو يمتلك مغناطيسية قوية الجذب لكل من يشاهده ويسمعه، فحديثه ثري بالصدق والحرص والأمانة والأمل، ومعالجاته الصائبة تتجلى بكل الوضوح وفي كافة المجالات التي يخوض غمارها باقتدار ملفت للنظر وسالب للإعجاب والانبهار.
إن الاخ عثمان ابو غربية الذي يتوّج بإرثه الفلسطيني الأصيل الضارب في أعماق تاريخ الحضارة الفلسطينية بحقبها وأجيالها وإحداثها الجسام وطفراتها المتتالية وتقدمها المتواصل منطلق من امتداده المقدسي الجذور وثقافته العقائدية الدينية الصلبة، متدرع بالأمجاد الوطنية لأسرة أبو غربية الجهادية وما قدمته من شهداء بررة وتضحيات جسام في مقارعة الظلم والطغيان الصهيوني والوقوف الى جانب المستضعفين على الصعيدين الفلسطيني والعربي، فهذا القائد المثقل بأعباء الهم الفلسطيني الجسيم وجرحه الفاغر النازف وهو يمر في أصعب وأحلك مرحلة من توجهه الجديد، مراهن على موقف شعبه وصموده وتضحياته ودعمه، وبهذه الهيئة المهيبة وهذه التركيبة العجيبة رسم أبو عبدالله ابو غربية مسار الخط السياسي لفلسطين ما بعد الحكم الصهيوني وعودتهم إلى أرض الوطن، فالتزام عقائدي واضح وتمسك بثوابت وطنية مطالب بانتزاع حقوق مشروعة علاقات قائمة على احترام متبادل ومصالح مشتركة.
القائد ابو عبد الله الذي تتوهج في صدره جذوة الحماسة والمثابرة والتفقد والمتابعة، نجده ينهض بعدة جولات ميدانية للمحافظات ليطلع شخصيا على مشاكل وطلبات وهموم ومقترحات المواطنين، ويعمل بكل تفان وجدية ومتابعة على تنفيذها أو حلها، وقد استوقفتني وأدهشتني الكثير من جولاته وآخرها زيارته لقطاع غزة، الذي عبر بأمانة عن التفاف وإعجاب وتأييد جماهير القطاع لهذا الزائر الذي يحمل بين حناياه همومهم وآلامهم وآمالهم وطموحاتهم، وان الجماهير تعي من هو هذا الإنسان المتفقد الذي تمور في نفسه قوة وفاعلية، واندفاع الشباب من اجل صنع مستقبل مشرق، وحياة كريمة، كما انه حريص بامتياز على طلبات المثقفين والجامعيين والموظفين في كل مفاصل الحكومة فنفسه وروحه وقلبه مفتوح لكل طلب مشروع ولكل غاية متسامية ومشروعة، انه بحق مستودع كبير يضم اصدق المشاعر وأسمى العواطف لكل إنسان بلا بيت بلا عمل بلا وظيفة بلا ضمان وانه قد التزم شعار ((الوطنية الحقة هي الخدمة غير المشروطة لهذا الوطن العريق)) وسيظل هذا الرجل الأنموذج بعيدا كل البعد عن المطالب الذاتية والامتيازات الشخصية، فانه لا ولم ولن يطمح بأي منصب مهما تعالى، ولم يفكر بأي امتياز مهما تسامى، ولا يرقد في ذهنه وفي قلبه أي طموح ذاتي، فطموحه الأول هو خدمة الوطن وسعادة الجماهير.
لم يكن التأكيد على استقلالية القرار السياسي الفلسطيني في جميع الحوارات واللقاءات التي أجراها ابو غربية مع مسئولي القوى والفصائل والقوى الوطنية والإسلامية وأحرار وشرفاء الوطن أمرا طارئاً وشعارا مستهلكا بل هو امتداد لتصميم ارسي وثبت ركائزه شهيد فلسطين ياسر عرفات عندما قال نحن لسنا نسخة مستنسخة من أي حركة ولن نكون ذيلا لأحد، فلم تكن جولات ولقاءات ابو غربية الإقليمية والعربية والدولية مجاملات دبلوماسية، بل كانت ورش عمل فاعلة لإعادة الوطن الى منظومته الدولية وموقعه اللائق فيها، وسعيا جادا لترميم العلاقات العربية والإقليمية التي أختلقها أعداء وطننا، ولقد كان لحضوره المتميز أثرا فاعلا على كافة الصعد المحلية والعربية والدولية، كيف لا وهو سليل أسرة ابو غربية المقدسية المجاهدة وامتداد مرجعيتها العالمية المدوية الأصداء والمترامية الإطراف ومع كل هذه التضحيات ظل ابو غربية يحصد سلبيات المرحلة ويتحمل أوزار أخطاء الذين استثمروا الفرصة واستأثروا بحركة فتح وحققوا المكاسب الشخصية والفئوية الضيقة وظلوا متمسكين بمناصبهم رغم رداءة أدائهم وفشلهم وإخفاقهم في تحقيق أدني نجاح منجز في مشروع سياسي او اقتصادي أو ثقافي او امني او خدمي فلسطيني.
القائد ابو غربية، هو النفس الزكية، وقصة المجدٍ والخلود، التي احتوت بمضامينها عنان سماء الوطن الفلسطيني، وأظلت بوهجها أصقاع الأرض الفلسطينية، وصرخةً مدويةً اخترقت الحجب والإتجاهات، فأسقطت قلاع االأعداء ولطغاة، وزعزعت عروش المحتلين، إنه القول الفصل والكلمة الحق التي هي العليا.
عثمان ابو غربية، هي خاتمته الحسنة، التي نالها قائدنا، إذ انغمست روحه حيث ذلك الألق الكفاحي والنضالي والإيماني معا، ومع تلك الأنفاس الملكوتية، عند مسرى النبي محمد، لتكون خاتمة حياته من حيث إبتدئها، مع ذلك المعشوق والملهم، ليدفن جثمانه متجه إلى احضان السماء، وصوته منادياً يملأ آفاق الأرض، ها قد جئتك يا أبتاه ويا جداه ويا عرفاتاه فضموني إليكما.
عثمان ابو غربية سلام عليك يوم ولدت، وسلام عليك يوم ناضلت وقاومت، وسلام عليك يوم إصابتك وإعتقالك، وسلام عليك يوم ترجع حيا.
*إعلامي وباحث سياسي
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. في لبنان.. نزوح جماعي هربا من الموت الذي تخلفه الغارات الإسر
.. بطل أم ديكتاتور؟ سيكو توري.. رجل غينيا القوي • فرانس 24 / FR
.. -سنة على الحرب التي غيرت وجه العالم- • فرانس 24 / FRANCE 24
.. بينما يستعد المراسل للبث.. كاميرا CNN توثق قصفاً إسرائيليًا
.. بعد عام على -طوفان الأقصى-.. ماذا حققت حماس؟