الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراع الأجهزة الأمنية .. ومأزق النظام

رياض حسن محرم

2016 / 4 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


الصراعات بين أجهزة الدولة وعلى رأسها صراعات الأجهزة الأمنية موضوع قديم متجدد منذ وجود الدولة حتى الآن، هذه الظاهرة تتكرر دائما فى جميع الدول من العالم الأول الى الثالث لا يهم، مثال ذلك ماهو معروف من خلافات وصراعات داخل الإدارة الأمريكية بين البيت الأبيض والبنتاجون والكونجرس، وتتجلى تلك التناقضات أكثر فى الدول النامية ذات الممارسات غير الديموقراطية حيث تتسابق تلك الأجهزية "وعلى رأسها الأمنية" فى تقديم نفسها بوصفها الأكثر ولاءا للنظام والأكثر قدرة على حماية مؤسسات الدولة القائمة، "أذكر أنه فى سبعينات القرن الماضى كانت مظاهر الصراع واضحة بين جهازى المخابرات العامة وأمن الدولة، وكانا يتسابقان فى إفساد القضايا التى يقوم الجهاز الآخر بضبطها أو فبركتها"، وقد حاول الرئيس مبارك التخفيف من ذلك الصراع بأن نقل تبعية جهاز أمن الدولة من الداخلية الى رئاسة الجمهورية قبيل ثورة يناير مباشرة أسوة بالمخابرات العامة لفض الإشتباك بينهم "علما بأن معظم إن لم يكن جميع وزراء الداخلية جاؤوا من جهاز أمن الدولة"، فى زمن عبد الناصر كان يعتمد فى حكمه على الأجهزة الأمنية بشكل رئيسى فى مواجهة خصومه وصنع بنفسه أكثر من جهاز بدأها بتكليف وزير داخليته "زكريا محبى الدين" بتشكيل جهاز المخابرات العامة ثم قام بتحويل سكرتارية الرئاسة للمعلومات تحت إشراف "سامى شرف" الى مخابرات رئاسية وتحويل المباحث العامة الى مباحث أمن الدولة ووضع المخابرات العامة تحت رئاسة رجله القوى "صلاح نصر" (الذى تمت الإطاحة به بعد هزيمة 1967 فيما عرف بمؤامرة مراكز القوى)، بينما تم إسناد الخابرات الحربية الى رجل المشير القوى "شمس بدران" "كنوع من التوازن" التى تضاعف دورها ونفوذها، وكانت المخابرات الحربية قد فرضت سيطرتها الكاملة على باقى الأجهزة الإستخباراتية منذ عام 1965 وقيام ذلك الجهاز بما أطلق عليه حينئذ لجنة تصفية الإقطاع.
لم تستطع الأجهزة الأمنية المختلفة رغم قوتها الظاهرة منع قيام ثورة يناير ولم يكن بإستطاعتها ذلك، فحين تختمر الثورة وينضج الظرف الثورى لا تستطيع أى قوى مهما بلغت قوتها وقف المد الثورى، وفى التاريخ القديم والحديث شواهد كثيرة فرغم علم جهاز الأوخرانا " الأمن القيصرى الروسى" بموعد ثورة 1918 فى روسيا كانت الثورة أقوى من أن يتم إيقافها وكذلك رغم علم الأجهزة ووزارة الحربية بموعد قبام ثورة يوليو 1952 وتمكنهم من الحصول على كشوف كاملة بأسماء الضباط الأحرار لم يستطيعوا إيقافها، وكانت السنوات العشر الأخيرة من حكم مبارك تعتبر زمن أمن الدولة التى قويت كثيرا على يد "حبيب العادلى" وسانده فى ذلك جمال مبارك لإحكام السيطرة على المجتمع تسهيلا لتمرير التوريث، فى تلك السنوات تغيرت موازين القوى بين الأجهزة الثلاثة " أمن الدولة والمخابرات العامة والمخابرات العسكرية" فأصبح الشارع ملكًا لأمن الدولة وانغمست المخابرات العامة أكثر في الملفات الخارجية وعلى رأسها العلاقات مع إسرائيل والخلافات الفلسطينية - الفلسطينية ، وعقب ثورة يناير مباشرة حدث هجوم من الإخوان والسلفيين على أجهزة أمن الدولة بغرض الإستيلاء على ملفاتهم منها "لخطورة محتوياتها" وتم سلب بعض أجهزة الكمبيوتر والهارد ديسك التى تحوى بيانات عنهم وأسفر ما حدث من هجوم وتدمير فى النهاية الى حل ذلك الجهاز وتسريح معظم قياداته وإستبداله بجهاز جديد يسمى "الأمن الوطنى" ما أدى الى إنقطاع تتابع المعلومات لفترة زمنية "حتى إستوعبت السلطة ما حدث وأعادت معظم القيادات الى الخدمة ثانية"، وأدى ذلك الى قلب المعادلة مرّة أخرى فقد أصبحت الدولة في قبضة المؤسسة العسكرية، وهي المؤسسة الوحيدة التي كانت تعمل بانتظام في تلك الفترة، وبدأ اسم المخابرات الحربية واسم مديرها في ذلك الوقت "عبد الفتاح السيسي" يظهر ويلمع، ولكن بعد تشكيل البرلمان الجديد عادت الحيوية نسبيا لجهاز الأمن الوطنى "أمن الدولة سابقا" إذ حاول ذلك الجهازفرض سيطرته على البرلمان من خلال تكوين تحالف برلماني برئاسة اللواء سامح سيف اليزل تحت اسم "في حب مصر"، كما علقت جريدة نيويورك تايمز الأمريكية على ذلك الصراع بالقول "هناك الكثير من علامات التوتر وعدم الانسجام بين أجهزة الأمن المصرية التي ظلت موحدة بعد ثورة 25 يناير 2011، ولأكثر من عامين ضد جماعة الإخوان المسلمين التي كانت تمثل التهديد الأكبر لها، لكن هذه الأجهزة الآن عادت مرة أخرى للصراع فيما بينها للحصول على المزيد من مناطق النفوذ"، وهكذا يمكن تفسير الهجوم الإعلامي على ضباط الشرطة ووزيرهم، خلال أزمة مقتل عدد من المواطنين نهاية العام الماضي تحت التعذيب بأقسام الشرطة، وكذلك السماح لوسائل إعلام بتناول الفساد المالي لعدد من قيادات الشرطة السابقين الذين حصلوا على مبالغ طائلة من المال العام في صورة حوافز من دون وجه حق، لذا فإن ما يقال إن التناقض بين أنصار مبارك ومؤيدى السيسى ليس جذريا هو صحيح فإن الطرفان يملكان رؤية متشابهة حول الإقتصاد الحر ومسألة تساقط ثمار التنمية والموقف من قضايا الحريات ومعاداة تيار الإسلام السياسى والعلاقات الدولية بالإضافة للموقف المعادى لثورة يناير، ويبدو أن مشكلة النظام القائم هو عدم وجود حزب سياسى يشكل ظهيرا شعبيا وحكوميا له ولإحلال رجاله محل رجال مبارك بمؤسسات الدولة وعدم قدرة الأجهزة العسكرية على لعب هذا الدور البديل، لذا تنبع ضرورة وجود حزب سياسى بديلا للحزب الوطنى ومؤيدا لقرارات السيسى وتوجهاته، ولا يوجد ما يمنع أن يكون معظم قياداته من رجال مبارك والحزب الوطنى خصوصا بعد تحلل تحالف 30 يونيو بما فيهم جبهة الإنقاذ بقيادة البرادعى وإنتهاء دور حركة تمرد وهذا ما يفسر لجوء النظام بشكل متصاعد على أجهزته الأمنية، إن ما نجح فيه النظام حتى الآن ” رغم تكلفته الكبيرة” هو مصادرة الفضاء العام لصالحه وإعادة تدوير قوى النظام القديم فى عملية تشبه ما قام به السادات فى 15 مايو ضد رجال عبد الناصر، المظهر العام للصراع الآن بين رجال الأعمال ” ممثلى الرأسمالية المحلية” وبين نظام السيسى فى هو أشبه بتكسيرعظام بين الطرفين، ظهر ذلك منذ إعلان السيسى عن صندوق “تحيا مصر” ودعوته لرجال الأعمال بالتبرع من أجل إنقاذ الإقتصاد المصرى وإعلانه رغبته فى الحصول على 100 مليار جنيه، ولكن ما تم تحصيله هو مبلغ زهيد لا يتجاوزعدة مليارات فقط معظمها جاء نتيجة ضغوط من الدولة ورغبة بعض رجال الأعمال فى إسترضاء النظام للحصول على مكاسب أكثر والتأثير على القرار الإقتصادى ورغبتهم فى العودة لنظام مبارك وسيطرتهم المطلقة على إقتصاد مصر فيما عرف آنذاك بزواج رأس المال والسلطة.
إن مالا يستطيع النظام القائم القيام به هو إنعاش صورة الهامش الديموقراطى ولو شكليا لأن ذلك يمكن أن يرتد عليه بما يخرج عن حدود سيطرته ولا يملك الاّ الإستمرار فى سياسته المعادية للحريات وحقوق الإنسان والعدالة الإجتماعية وهو ما ظهر فى حديث السيسى مع الرئيس الفرنسى بأن الديموقراطية فى مصر مازالت وليدة ولا يمكن قياسها بالمعايير الأوربية الأكثر ثباتا وإستقرارا، الجديد فى الموضوع حاليا هو عودة أجهزة الأمن لإستخدام البلطجية أو ما أطلقت عليه أجهزة الإعلام الموالية " المواطنين الشرفاء"، هذه الظاهرة التى وصّفها ماركس فى كتابه " الثامن عشر من برومير" بإستخدام النظم ذات الطابع الديكتاتورى للمهمشين والعاطلين ضد التحركات الجماهيرية "كما تم أخيرا فى مظاهرات جمعة الأرض" بعد أن كان هذا الأسلوب يكاد أن يختفى بعد إستخدامه بشكل واسع ضد الإخوان، ومع إنتفاء خطر تيارات الإسلام السياسى عادت تلك الأجهزة لإستخدام هذا الإسلوب القميئ مرة أخرى ضد الثوار والنشطاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة؟


.. أمريكا.. طلاب جامعة كولومبيا يعيدون مخيمات الحراك المناصر لغ




.. شبكات| غضب يمني لخاطر بائع البلس المتجول


.. شبكات| دموع رونالدو واحتفال نيمار




.. طلاب جامعة بنما يطردون السفير الإسرائيلي بسبب الحرب على غزة