الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف نري تجربة الشاعر عبد الرحمن الابنودي

احمد حسن

2016 / 4 / 21
الادب والفن


كيف نرى عبد الرحمن اﻻبنودى

وكل فين ، لما بترمى اﻻرض فى سنبلة بشاعر نبيل يدعك عنيه ، يضحك ، ويتشاقى ويتعلم .. عشان رد الجميل عبد الرحمن الأبنودى شخصية إشكالية بلا شك ، هذا النوع من الناس يصعب الحكم عليه استنادا لمعايير بسيطة ، ثمة ما يستحق الدهشة ، وأيضا ما يستحق اللعنة ، ويحار الرائي أي طريق يسلك فى الحكم عليه ، وقد ﻻ-;---;--صقت تلك التركيبة الإشكالية . الأبنودى منذ قدومه من قريته الفقيرة أبنود فى صعيد مصر ، حتى موته الخاص بكبار الشخصيات وعلية القوم ، إنها ميتة برجوازية تحت رعاية الدول ﻻ-;---;-- يمكن إنكار هذا . جاء الأبنودى إلى القاهرة شاعرا موهوبا غاضبا من واقع طبقي عايشه وراءه وذاق مرارته وهو فى القرية الفقيرة ، ثم اصطدم بضغوطه المادية وهو مغتربا فى المدينة التي ﻻ-;---;-- ترحم ، وﻷ-;---;--ن الماركسية كانت خيمة المعارضة التى تحمل راية الفقراء والمضطهدين فقد انحاز الأبنودى فورا إلى رايتها ، وانضم الى الفريق الذي لم يتخلى عن تلك الراية حين وظف عبد الناصر الماركسين المستسلمين لنظامه داخل مؤسساته الثقافية . فى تلك المرحلة خرج ديوان شعر بسيط يتحدث مباشرة عن حال العمال ومعاناتهم ، اسم الديوان عماليات ، مع هذا الديوان تبرز معالم إشكالية شخصية الأبنودى ، لم يكتب شاعر يسارى ديوان بهذا اﻻ-;---;--سم المباشر من قبل ، الأبنودى يرغب فى ظهور قوى ، ودائما سيرغب فى هذا ، انه يملك الموهبة ، فليدفعها إذا فى هذا اﻻ-;---;--تجاه ، رغم انه قادم من الريف ، من واقع الصعيد الثرى والخصب ، إلا أن هذا لن يتيح له ظهورا قويا كشاعر يسارى ، انه ابن الصعيد الذي سيكتب مباشرة ، ليس عن الصعيد ، ولكن عن العمال وقضيتهم ، قصائد الديوان تفضح المدن الرأسمالية والطبقات المسيطرة ... وفى إي بلد رأسمالية ، تلقى الفرد بياكل لحم اخواته الميه ، تتغدى طبقه بطبقه . لقد جرب فى ديوانه اﻷ-;---;--ول ان يتقدم كمبعوث الريف الى الأوساط الأدبية فى المدينة ، لم تحظ محاولته الأولي باهتمام ملحوظ ، ثم جرب دهشة الريفي المهاجر فى عالم المدينة ، فى ديوانه الثانى ( الزحمة 1967 ) وكان قد ازداد التصاقا بأوساط المثقفين التقدمين ، فقفز الى مركز اهتماماتهم مباشرة بديوانه الثالث ( عماليات 1978 ) . وستتأخر كتاباته الهامة عن واقع الفلاحين وعوالمهم الثرية ﻷ-;---;--كثر من عقد ، حتى فى العمل الذى يطل على ثراء الريف ألمعنوي والأدبي ، جوابات حراجى القط ، حراجى ( عامل فى السد ألعالي ) يغنى مع مشروع ناصر ومبهور به .... وما دمت راجل يخدم أهله وناسه ، الدنيا تبقى بخير ، أولي أعماله ، الأرض والعيال 1964 ، كانت اقرب إلى شكاية من القدر ، وليس من شروط واقع أو من استغلال اجتماعى ، القصيدة المعنون بها الديوان تصف حال حياة متدنية وكثرة انجاب فى ظروف فقيرة ، وسؤ حظ ( النيل ما عادش بيضحك للفلاحين ) . إنها اقرب إلى دراما قدرية بسيطة ، وسؤ تقدير من الفلاح الذي ﻻ-;---;-- يتوقف عن الإنجاب . الأبنودى هنا يحمل بذور موهبته ، ووعى شعرى واجتماعي محدود . احمد سماعين ( سيرة انسان ) الإطلالة العميقة الأولي على عالم المواطن الفلاحى الفقير ، ﻻ-;---;-- ارض له وﻻ-;---;-- ميراث سوى شقاء دائم ﻷ-;---;--ب ( أول مرة يقعد يرتاح تحت الضليلة ، مات ) ، و سواء فى حراجى القط ، او فى احمد سماعين ، لم يكن الأبنودى يساريا زاعقا مثل قصائد عماليات ، كان إنسانيا ، نحن نلمح معاناة الغربة وحالة الدهشة فى حراجى ، ودوامة الفقر واليتم لدى فلاح مراهق بسيط فى احمد سماعين ، كليهما أعمال شعرية رائعة ، فالأبنودى الشاعر كان قد طور أدواته بشكل ملحوظ ، لم تعد الجمل الوصفية السريعة التي كتب بها الأرض والعيال ملائمة ، ومن ثم نعثر على بناء درامي حركي وتشكيل تصويري متناغم ودينامكي فى هذين العملين ، وبدرجة أعمق فى احمد سماعين ، الصورة الشعرية تجلت بشكل أوضح واكثر فنية ، وبدﻻ-;---;--ﻻ-;---;--ت أعمق ، لكنها ليست ﻻ-;---;-- تحريضية وﻻ-;---;-- مزعجة ، لقد خطا الأبنودى أولى خطواته لتصالح حذر ، وصراع محدود ، مع عالم المدينة الرأسمالية ، استقرت الأرض تحت اقدامه ، فتحت له الدولة ذراعها ، اصبح شاعر غنائي مرموق ، يكتب تترات المسلسلات والأغاني العاطفية وغيرها ، وكان قد ودع حالة اليساري المتمرد وتنظيمات اليسار ، ومن ثم صار لديه ما يخاف عليه ، المفارقة هى انه موهوب بالفعل ، وبداخله قضيته فعلا ، وان كان لطفها لكنها لم تفارقه ، هذا " التعايش " الحرج بين الحلم الكامن ، وواقعه الجديد المستقر ، بين الصلة التى سيحرص عليها مع الدولة ، والوعى الذى يؤلمه ويبحث عن منفذ داخله للتعبير ، بين شاعر السوق ، وشاعر الموقف اللذين يعيشهما ويتقاسمانه ، هذا التواتر بينهما وما ينجم عنه من توتر وتباين سيؤطر ويحكم حركة الأبنودى وانقسامه حتى نهاية حياته ، اقترب من دولة السادات ومن السادات شخصيا ، فى وقت كانت كل القوى التقدمية تعارض السادات وتعتبره مفرطا فى القضية الوطنية ، وفى اﻻ-;---;--قتصاد المصري ، كان لﻻ-;---;--بنودى ، بما يعيشه من انقسام واستقطاب ، روحين ، احدهما فى الوعى والمعارضة ، والأخري فى حضن الدولة ، اقترب من الدولة الساداتية حتى أن السادات عامله كشاعر رسمي للدولة ، وكلفة بكتابة ( ملحمة أكتوبر ) ليتم عرضها فى اﻻ-;---;--حتفاﻻ-;---;--ت الرسمية ، ولعنت المعارضة الأبنودى الخائن ، وفى مؤتمر جماهيري لحزب التجمع بحلوان صعد الأبنودى إلى المنصة ، قوبل بوابل من هتافات الإدانة والرفض ، انزل انزل ، لكنه تماسك حتى هدأت الهتافات ، وفاجئ حتى السلطة نفسها بقصيدته الرائعة ( سوق العصر ) .... كأنها يا وﻻ-;---;--د ما هيش بلدنا .... كأنها يا وﻻ-;---;--د ما هيش مصر ، وكأنها ، طالعة من أكتوبر ، تخش سوق العصر . لينقلب المشهد 180 درجة ، صعد إلى المنصة خائنا ، ونزل منها دون أن تكف الأيدي التي شوحت فى وجه ، عن التصفيق له ، نزل منها بطلا ورمزا لمعارضة سياسات السادات . وصارت ( سوق العصر ) اشهر القصائد التى يتداولها معارضو السادات فى اليسار الذى كان تيارا شعبيا بحق وقتها . فى السبعينات صعدت موجة تجريب شعرى ومحاوﻻ-;---;--ت إنتاج شعرية جديدة كانت مجموعة ( إضاءة ) وجماعة ( أصوات ) احد علاماتها البارزة ، خاصمت تلك الموجة وضوح الخطاب الشعرى ، والغنائية فى الشعر ، والتحريض المباشر ، والقوالب الشعرية التقليدية ،
، وبرز ضمن هذا التيار الشعرى شعراء عامية أيضآ ، وبدأ النقد ألأدبي يهتم بتلك التجربة ، لم يرضى الأبنودى أن يكون خارج المعادلة الجديدة ، ومن ثم دخل مباراة التجريب الشعرى بديوان يحمل اسم ينطوى على مفارقة ( صمت .. الجرس 1975 ) ، اﻻ-;---;-- انه سرعان ما تبددت تلك الموجة بأكملها تحت تأثير موجات نقدية ونظريات جديدة فى ألأدب ، فضلا عن عزلة اصحابها فى دوائر نخبوية ضيقة ، ولم تكن بأي حال ملائمة لشاعر جماهيري مثل الأبنودى الذي لم يتمادى أو يكرر تجربة صمت الجرس ، لقد كانت محاولة ﻹ-;---;--عادة إنتاج أبنودى عماليات ، العمل الموازي ﻻ-;---;--هتمامات الوسط حوله ، والذي يجب ان يضعه فى بؤرة ضؤ هذا الوسط ، ولكن حدث ذلك فى ظروف مختلفة كليا هذه المرة . فى مستهل الثمانينات كان الوضع فى مصر دراميا ، بعد هزيمة انتفاضة 1977 ، كانت الجامعات والحركة الطلابية فى حالة سكون ، الواقع السياسي راكد ، مناضلو السبعينات تسربوا بحثا عن عوائد ومشاريع فى دول الخليج ، واﻷ-;---;--من يحكم قبضته على واقع تعيس ، فى هذا المناخ كتب الأبنودى قصيدته الرائعة ( المد والجزر - 1981 ) الأبنودى الأكثر ثقة فى نفسه ، والأكثر تطورا فى أدواته وفى وعيه ، وجه سهامه فى تلك القصيدة فى جميع اﻻ-;---;--تجاهات ، جماعات المناضلين الضعيفة ، الجمهور الغارق فى الهم اليومي وقد توقف عن النضال تقريبا ..... يتساءل فى هجائية حادة ... هل ينفعوا دول قواد سنوات الجمر ، ينفعوا ياخدوا أمر ، ويدوا أمر ، هل يرفعوا راية ، يوصلوا غاية ، هل دي نهاية ، هل ينفع تبقى بداية ..... ، ثم يقرر فى يأس عاجز .... وينخ العجز بزهق الناس ، ازهق ما الناس . فى شرط واقع مأزوم كهذا ، ومستقبل غير واضح ... ﻻ-;---;-- نجاة سوى اﻻ-;---;--ستعادة الرومانسية ﻷ-;---;--طلال الماضي الثوري ، الجامعة ، كوبري عباس ، شبرا ، هدير الجماهير الغاضبة ..... ليسقط مرة أخرى فى الحزن عندما يقترح صاحبه الفروق بين موجات الغضب ، والثورة ..... وتستدير القصيدة فى مقطع متدفق وعمق رؤية ، وجمع بين الوضوح وجماليات التصوير ، ليلخص فلسفة النظام .... فى برلمانات الموت ، ثم تنتهى القصيدة ببكائية ومخاوف وشعور بالحسرة ... بدأ من شطرة ... تتعسنى فكرة إني ها موت ... إلي نهاية تقول ... أتخيلوا الحسرة . اﻻ-;---;--بنودى فى اعمق مستويات تكوينه النفسى والفكرى ، يعيش دراما الواقع برمته فى لحظة عزلة الثورة ، يجتر ماضيها الذهبى ، يتألم لواقعها المؤسف ، يهاجم كل أطراف المشهد الراكد ، ثم ينكفأ فى الم حين يتطلع الى مستقبل ﻻ-;---;-- تلوح فيه أمال . تتوالى الأعمال التى تتسم بعمق وجرأة وانحيازات واضحة فى تلك المرحلة ، بعد ان إجتاز لحظات الوصف الشعرى البسيط وحتى المهادن فى ، وجوه على الشط ، بعد التحية والسلام . تلك الثلاثية .... المشروع والممنوع ، المد والجزر ، الأحزان العادية ، تلخص أعمق وانضج ما فى تجربة الأبنودى الشعرية ... ليغرق بعدها فى أعمال عادية وغالبا تجارية ، جمع السيرة الهلالية ، كتابة سلسلة قصص أطفال ، أغاني عاطفية لمن يدفع ، ألى آن يصل لكتابة أغنية ركيكة للغاية ، فى وضع سياسي معقد ، لصالح النظام الكويتي ( اللهم ﻻ-;---;-- اعتراض ) . ويعود الأبنودى الى مؤخرة المشهد الشعرى ، والموقف السياسي ، تصب عليه اللعنات والتهم من عدة جهات ، باستثناء الدولة ، التى احتفت مرة أخرى بعودة شاعرها من صفوف المارقين والمعارضين ، ولكن هل كان فعلا شاعر الدولة ، ماذا اعطي للدولة ؟ .... ﻻ-;---;-- شيئ . عاد الأبنودى الى ذاته المتمردة وصوته الثورى مع انتفاضة 25 يناير ، يصب خبرته ورؤيته فى قصائد مثل الميدان ، كانت الدولة تترنح ، وحلمه العميق يشب وينتفض ، ودون تردد اختار حلمه وانحاز مجددا إلى صفوف الثورة ، وعادت الجماهير ايضا الى قصائد شاعرها الشعبى العائد من رحلته فى أحضان السوق ، دوى شعره فى الميادين بقوة وبغزارة فى ذات الوقت ، وصار احد أيقونات اللحظة الثورية كما كان من قبل ، إلا ان تناقضات وتموجات الثورة من جهة ، استعادة الدولة للسيطرة واستقرارها من جهة أخرى ، ايقظ مجددا الشخصية الإشكالية فى الأبنودى ، المرواحة ، أحضان الدولة ، لكن بالفعل فى لحظات مربكة بكل تفاصيلها ، فى تلك المرة لم يكن الأبنودى وحده العائد الى حضن الدولة ، كتيبة كبيرة من الكتاب والأحزاب والشعراء سارت فى نفس الدرب المؤدى للسير خلف السلطة . ويتكرر المشهد ، وتنهال اللعنات مجددا ، ويأتى الموت ليختم فصول حياة مركبة ، لواحد من اهم وأعمق شعراء مصر ، واكثرهم تنقلا وتقلبا فى مواقفه . أي وجه من وجوه الابنودى يبقى ؟ الإجابة بلا تردد هى شعره ، فلم يكن مفكرا أو كاتبا ، لقد وضع كل أدواته وخبراته فى الشعر ، حتى رؤيته ( بالمعنى العميق للكلمة ) صبها فى قصائده ، زرعت قصائده الغام ضخمة تحت جدار اﻻ-;---;--ستبداد واﻻ-;---;--ستغلال ، الغام ستنفجر ألف ألف مرة حتى بعد نسيان كل تفاصيل حياة الأبنودى نفسها ، وبالمقابل لم ( يكتب ) مقاﻻ-;---;-- واحدا يمكن اعتباره سندا للدولة ، وحتى عمل مثل ( اللهم ﻻ-;---;-- اعتراض ) كان ركيكا وظرفيا توفى عقب وﻻ-;---;--دته ببرهة قصيرة ، اما الخواجة لامبو فلا يزال يحيا بيننا ، سوق العصر والمد والجزر والأحزان العادية وعدى النهار ، أعمال غير مقدر لها أن تموت أو تنسى لعدة عقود قادمة ، فلننظر إذا بإمعان الى محصلة الطابع ألإشكالي لشخصية الأبنودى ، فسرعان ما سنقول وداعا أيها الشاعر العظيم ، وشكرا على ما خلفته لنا ، وسنطوى بكل يسر صفحة الوجه الأخر الذي كان محدودا وضعيف الأثر من شخصية اأبنودى ، ﻷ-;---;--ن هذا الوجه ، شئنا أو لم نشأ ، قد مات معه ، ويبقى الشعر .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل