الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زبيبة والملك ما بين الأسماء المستعارة وبؤس كتابها

عوني الداوودي

2003 / 1 / 28
الادب والفن


 

                                  

 عندما صدرت ( رواية ) زبيبة والملك تحت اسم " رواية لكاتبها"، دفع لي أحد الأصدقاء بـ ( الرواية ) مبتسماً بمكر وقال “ بعد هذه الرواية سيضع ماركيز قلمه جانباً ليعيد النظر في كل ما كتب على مدى الأربعين سنة الماضية “.  

تفتقت عبقرية صدام حسين كآخر وسيلة من ابتكاراته للخداع والتضليل، بأن يلبس عباءة الأدب ليخاطب عقول المثقفين، دون أن يحشر أسمه مباشرة بين أسماء الرواد والأعلام في الرواية والشعر وباقي صنوف الأدب، ليترك الآخرين أن يكتشفوه بكل " أدب وتواضع “.

 لكن وبمجرد تصفح الصفحات الأولى من " زبيبة والملك " يقفز صدام بأسلوبه الاستعراضي يرقص بين السطور والكلمات بمفرداته المعروفة " العناوين الكبرى، وليخسئ الخاسئون، والعراقيون النشامى والعراقيات الماجدات " وغيرها، ولغة تفكيره التي باتت لا تنطلي على أحد إلا المتعامي والذي يملئ أذنيه بالطين والعجين كي لا يسمع ويصطدم بالحقائق والوقائع التي من شأنها أن تبخر أحلامه الدونكيشوتيه.

فصدام حسين فرض نفسه على جميع مناحي الحياة وفي كل المجالات الاجتماعية، وتدخل حتى في كيفية تبديل " حفاظة الطفل “. ولم لا ؟ فهو القائد الضرورة وعبدالله المؤمن وهو المنظر ومفكر الأمة ! وهو العسكري الذي لا يشق له غبار بنظرياته الكارثية في حروبه الفاشلة، فبانت نتائج أفعاله سواء في معركة تحرير الفاو أو في معركة أم المهازل. فالانتصارات التي حققها هذا القائد الضرورة كانت فقط ضد أبناء الشعب العراقي وهو المعروف للقاصي والداني بتطبيق سياسة الأرض المحروقة وآثارها لا تزال شاهدة للعيان سواء في كوردستان العراق ( الشمال الحبيب !!!! ) أم في الأهوار في الجنوب العراقي أو أبان الانتفاضة و كيفية تعامله مع الجماهير الغاضبة ومدى احترامه للعتبات المقدسة في كربلاء والنجف !!، وعلى الرغم من الدمار الذي ألحقه في القضاء على الحياة وقتل مئات الآلاف في المناطق التي مر بها، هي في الحقيقة، ليست انتصارات ليفتخر بها أتباعه، بقدر ما هي خيبات وانكسارات وفشل في إدارة دفة الحكم، وسيدفع العراق بلداً وشعباً مستحقاتها على مدى العقود القادمة، وإن التدمير الذي حل بتلك المناطق هو تدمير للبنية التحتية للاقتصاد العراقي أيضاً فبتدميره لأكثر من أربعة آلاف قرية عامرة في كوردستان قضى في ذات الوقت على أربعة آلاف منطقة زراعية كانت تسد حاجة الأهالي وتمد الوسط العراقي بالانتاج الزراعي والحيواني، وبقضائه على الحياة في الأهوار قضى أيضاً على الثروة السمكية الهائلة الموجودة فيه، ناهيك عن الدمار الروحي للإنسان ولمقومات وجوده في التواصل والإبداع والحرص على العيش المشترك، فالمستقبل هو الكفيل في الكشف والإيضاح عن مكنونات ما تختلج نفسية الضحية وما لحقها من دمار وخذلان من جراء تلك السياسات، وأن بدت ملامحها واضحة للعيان من خلال ردة الفعل القوية من هذه الشريحة أو تلك للتعبير عن ما لحق به من أذى ومسخ لشخصيته وهويته.

 فبينما يحاول بعض السياسيين والمثقفين العراقيين لملمة الأشلاء المتناثرة من جسد العراق شعباً وأرضاً والحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه، نجد في المقابل محاولات محمومة من قبل آخرين لتمزيق ما تبقى من هذا الجسد المهشم في مقالات مسمومة وبأسماء مستعارة كـ " رواية صدام" ضد هذا وذاك من مكونات المجتمع العراقي، تحت أسماء مستعارة، ومفردات جذابة كحب العراق والمصطلح الخرافي " الأمة العراقية " في لعبة خطيرة. أقسم بأن هؤلاء وحتى المواقع التي تسهل نشر تلك الكتابات لا يفقئون النتائج الكارثية لهذه اللعبة التي غيّبت فيها المشاعر والأحاسيس الإنسانية وتأثيراتها على السلوك والتصرف والتفكير الذي سينعكس بدوره أيضاً على الخيارات المتاحة للفرد العراقي وعلاقته بالآخر، فأن كان البعض يتصور في نفسه الذكاء واللعب على الحبال. خاب ضنهم، فمهما حاول الواحد منهم تغيير مفرداته وأسلوبه في الكتابة، تبقى الأفكار هي ذاتها تتراقص بين الجمل والعبارات لا تتغير، وسذاجتهم تكمن في الاستخفاف بعقول القراء وعدم تقدير الكفاءة العالية والذكاء المكتسب للعراقي من خلال فك رموز الخطاب الصدامي سابقاً ومقولاته في حب العراق والعراقيين والأمة العراقية على مدى العقود الماضية، وهناك منهم من يردد كالببغاء أفكار وعبارات مدونة في كراريس وكتب معروفة لا تشرف قارئها أن يحتفظ بها في مكتبته .

 أجد نفسي في أحياناً كثيرة حائراً في التوصل إلى الحكمة من نشر هكذا كتابات، فأن كان البعض يتصور بأن ذلك هو نوع من أنواع ممارسة الديمقراطية، فحاشا الديمقراطية من المهاترات والشتائم الرخيصة والكتابات السوقية، قلت أجد نفسي حائراً، بين بعض الكتابات الرصينة لأقلام معروفة تحترف الكتابة إلى جانب " كتابات " أخرى لا تتعدى كونها شتائم رخيصة متداولة في الشارع ضد هذا الشخص وذاك أوهذا الحزب وذاك بل تعدتها أحياناً لشتم شعوب كاملة بدون إستثناء، كما يحصل الآن في هذه الهجمة الشرسة ضد الشعب الكوردي. ثمة رسائل إلكترونية تصلنا تستنكر لهجة تلك الكتابات وتحثنا للتصدي لها، بعضاً منها لشخصيات نعرفهم ويؤلمهم هذا الكم من الاتهامات والافتراءات ضد الأمة التي ينتمي إليها من أشخاص يفترض بهم بأن يكونوا سنداً وضهيراً، أما البعض الآخر من الرسائل التي لم تكفي أصحابها الوشوشة في الآذان والعقول لصب الزيت على النار المشتعلة أصلاً، وتحاول في لعبة خبيثة إشعالها أكثر وأكثر ليتفرج بالنتيجة على الركام والرماد الذي ستخلفه، بعد أن نفض أيديه من العراق وأستقر في كندا وأمريكا لا ينتظر العودة، وما يدفعنا حقاً عدم الرد على هؤلاء هو القول المأثور: " الإناء ينضح بما فيه " وفي أحياناً أخرى أرى وكما يقول الصينيون بأن " القافلة تسير والكلاب تنبح " فلماذا المهاترات أذن؟ ومن الأجدى ادخار الطاقات لما هو أجدى وأنفع، لا سيما إدراكنا حجم قدرات وثقافة بعضهم ونزعاتهم من خلال السطور التي يخطونها، وتجعلنا أن نأبى تحميل أقلامنا قاذورات هذا النوع من الكتابة .  

                                                                              عوني الداوودي

                                                                                       السويد 

 

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سكرين شوت | الترند الذي يسبب انقساماً في مصر: استخدام أصوات


.. الشاعر أحمد حسن راؤول:عمرو مصطفى هو سبب شهرتى.. منتظر أتعاو




.. الموزع الموسيقى أسامة الهندى: فخور بتعاونى مع الهضبة في 60 أ


.. الفنان محمد التاجى يتعرض لأزمة صحية ما القصة؟




.. موريتانيا.. جدل حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البلا