الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمين معلوف شخصية العام الثقافية.. تتويج عربي مستحق لمثقف النزاهة

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2016 / 4 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


من الصعوبة، التي تصل حدود الاستحالة، أن تكون فرنكفونيا و أن تتمتع بقدر من الاستقلال التاريخي في علاقة بحضارتك الأم . هذه خلاصة كتاب فرانز فانون Peau noire Masques blancs الذي يعد الصرخة الكبرى في وجه الاستئصال الفرنكفوني الذي مورس على قارة بأكملها، و أنتج منظومة فكرية و تخييلية إفريقية متكاملة تقوم على أساس السعي الحثيث لل (المُستَعمَر الأسود) كي يثبت لل (المُستَعمِر الأبيض) أن بياض الأقنعة يفوق نصاعة بياض الجلد !
المفكر و الروائي العربي الفرنكفوني "أمين معلوف" يمثل الاستثناء ضمن هذه المعادلة، فقد تمكن، باقتدار فكري و تخييلي كبير، أن يفصل بين الإيديولوجية الفرنكفونية في بعدها الاستعماري الاستئصالي، و بين الثقافة/ اللغة الفرنسية في بعدها التنويري، و امتدادا لذلك فقد تمكن، باقتدار أكبر، من تحقيق قدر محترم جدا من الاستقلال التاريخي من داخل اللغة/الثقافة الفرنسية، فقد مارس فعل التفكير و التخييل بروح عربية خالصة استطاعت أن تتسلل إلى البناء التركيبي و الصوتي و الدلالي الفرنسي، لتفرض عليه نموذجا جديدا من التعددية الثقافية و الاختلاف الحضاري .
لقد تمكن "أمين معلوف" من تشكيل صورة مختلفة عن تلك الصورة النمطية التي كَرَّسها النموذج التخييلي الفرنكفوني المغاربي، مع الطاهر ابن جلون و إدريس الشرايبي و رشيد بوجدرة و أحمد الصفريوي... و جميع هؤلاء يشتركون في صياغة صورة نمطية عن الحضارة العربية الإسلامية، و هي صورة تتحكم فيها مرجعية استشراقية فجة نظرت إلى الشرق كمتخيل و ليس كواقع، و قد وجد صانع الكتاب الفرنسي ضالته في مثل هؤلاء الذين لم يكن لهم حظ من التكوين العلمي الأكاديمي، و وظفهم من أجل الترويج لأساطيره حول النموذج الفرنسي (المُتحَضِّر) الذي يتم تقديمه كبديل للنموذج العربي الإسلامي ( المتخلف) ! و قد قامت هذه الكتابات الفولكلورية، بتعبير الأستاذ عبد الله العروي، بدور خطير في تشكيل صورة نمطية عن الذات العربية الإسلامية لدى المتلقي البسيط الذي لا يمتلك أدوات النقد و التحليل .
مع أمين معلوف تم تكسير هذه الصورة النمطية، فقد مكَّنه وعيه الفكري العميق من صياغة صورة جديدة للأدب العربي المكتوب بالفرنسية، حيث تمكن من الفصل بين لغة الكتابة و متخيل الانتماء، فاستطاع توظيف اللغة الفرنسية من أجل الدفاع عن الحق الثقافي العربي في الاختلاف. و لذلك، فقد نجح في تجاوز الصورة الفولكلورية لثقافة الشرق، و تمكن من تشكيل صورة حضارية متميزة للثقافة العربية، و قد ساعده على ذلك إدراكه الفكري لجوهر الاستقلال التاريخي للذات الثقافية العربية، و هو استقلال أصيل لا يمكن أن يتلاشى بمجرد تغيير لغة الكتابة، فالفكر و المتخيل ظل وفيا لجذوره العربية رغم تمكُّن أمين معلوف من السفر بين اللغات و الثقافات.
و بهذا التمكن و الاقتدار، فقد نجح "أمين معلوف" في تجسيد رؤية العالم la Vision du Monde في بعدها الفكري و التخييلي العربي من داخل النسق اللغوي الفرنسي ! و هذا لا يتحقق سوى لكبار الكُتَّاب عبر التاريخ البشري، حسب الابستملوجي و رائد سوسيولوجيا الأدب لوسيان غولدمان. إن تمكن الكاتب من تجسيد رؤية العالم من داخل نسقه اللغوي الذاتي يعبر عن نبوغ فكري/تخييلي، لكن هذا النبوغ يزيد تَوهُّجا إذا تمكن الكاتب من تجسيد رؤية العالم الخاصة بالجماعة الثقافية/الحضارية التي ينتمي إليها عبر توظيف نسق لغوي ( لا ذاتي) . هذه الصورة المتوهجة للاستقلال التاريخي، فكريا و تخييليا، التي استطاع "أمين معلوف" تجسيدها من خارج نسقه اللغوي عبر توظيف اللغة الفرنسية، تجد حضورها في الكثير من الاعمال التخييلية المتميزة .
• في (ليون الإفريقي) Léon l’africain تم تجسيد شخصية الرحالة (ابن الوزان) الذي يخترق أقطار الشرق و الغرب حاملا انفتاحه الثقافي و الديني، مفتخرا بانتمائه المغربي ذي الأصول العربية الإسلامية، و هو لا يشعر بمركب نقص في مواجهة الآخر الثقافي/اللغوي، بل يتعلم لغته و ينفتح على ثقافته دون الوقوع في الاستلاب الحضاري. إنه خلاف الشخصية الإفريقية المُستَلَبة – كما قدمها فرانز فانون- التي تتضاءل أمام الآخر الثقافي/اللغوي حتى تتجسد على شكل كائن زاحف على بطنه يسعى إلى تتبع الخطى المرسومة فوق الرمل شبرا بشبر و ذراعا بذراع ! لقد نجح "أمين معلوف" في قلب هذه الصورة الإفريقية المستلبة رأسا على عقب، حينما شكل صورة الرحالة المغربي الإفريقي العربي المسلم على صورة أسد زائر لم تدنسه الآلة الاستعمارية الفرنكفونية بعد !!!
• في (الحروب الصليبية كما رآها العرب) les Croisades Vues par les Arabes يوظف "أمين معلوف" بشكل رائد تقنية التحقيق الصحفي لنقل صورة مغايرة عن حدث تاريخي مضى و انقضى، هو الحروب الصليبية فيستعيده من منظور تخييلي ليسائله من جديد، ليس من المنظور الغربي/المسيحي المستَهلَك هذه المرة، و لكن من منظور الرؤية العربية للحروب الصليبية. و هنا لابد للقارئ أن يتوقف عند الصورة البشعة التي صاغتها الرواية للغرب، باعتبارها صورة مصغرة للحملة الاستعمارية الكبرى التي تُوِّجت بتقسيم العالم العربي بين القوى الاستعمارية الكبرى، و هنا نجح أمين معلوف في وضع هذه الأحداث في سياقها التاريخي الحقيقي: إنها حملة استعمارية منظمة على الشرق العربي تم خلالها توظيف الدين لأغراض سياسية و اقتصادية ! لكن ما يثير في الرواية هي تلك الصورة التي رسمها أمين معلوف ل " صلاح الدين الأيوبي" القائد العربي الذي واجه الحملة الاستعمارية مسلحا بمبادئ و قيم الفروسية العربية، فرغم تمكنه من صَدِّ هذه الحملة الاستعمارية ظل متمسكا بأخلاقيات الحرب، و لم يقترف جرائم بدائية في حق المهاجمين بل لجأ إلى سلوك حضاري يقوم على إبرام الاتفاقيات و الصلح .
لقد تمكن أمين معلوف من تقديم صورة حقيقية عن حضارة الشرق عبر توظيف لغة الغرب، و كانت ميزته الأساسية أنه تمكن من تكسير الصورة الاستشراقية النمطية التي طالما روجتها الكتابات الفرنكفونية المُستَلَبة التي تهتم بالمتلقي الفرنكفوني اليميني أكثر مما تهتم ببناء أدواتها اللغوية و التخييلية ! لقد نجح "أمين معلوف" في تحويل الشرق من صورة استشراقية مُتَخَيَّلة إلى صورة حضارية نابضة بالحياة بالتعبير الفكري لإدوارد سعيد في كتابه حول الاستشراق.
هكذا كان "أمين معلوف" يحدد موقعه ضمن النسق الثقافي الفرنسي (كعضو في الأكاديمية الفرنسية و حاصل على عدة جوائز فرنسية رفيعة) فقد اختار أن يصطف إلى جانب مثقفي فرنسا التنويريين الجدد الذي واجهوا منظومة اليمين الفرنكفوني المتطرف ( تزفتان تودروف، ريجيس دوبريه، إدغار موران ...) هؤلاء الذين أطلق عليهم الباحث الفرنسي "باسكال بونيفاس" اسم مثقفي النزاهة les intellectuels intègres و هو بهذا الاختيار كان يعبر عن التزامه الفكري/التخييلي بمواجهة رموز اليمين الفرنكفوني المتطرف الذين يمثلون بقايا الاستعمار الفرنسي البائد، هؤلاء الذين أطلق عليهم "باسكال بونيفاس" اسم مثقفي التزييف/التزوير les intellectuels faussaires و هؤلاء يشكلون أعمدة حزب الجبهة اليميني المتطرف الذي يمتلك قراءة خاصة لماضي و حاضر و مستقبل فرنسا و العالم.
و بهذا فقد تمكن أمين معلوف، باقتدار كبير، من تكسير النمطية الفرنكفونية، و قدم للعالم العربي صورة مختلفة عن الثقافة/اللغة الفرنسية كأداة تنوير، كما قدم للفرنسيين صورة مختلفة عن الثقافة/اللغة العربية بعيدة عن أوهام الاستشراق. و بذلك تمكن من العثور على الحلقة الفرنكفونية المفقودة في مشروع الراحل إدوارد سعيد، بل إنهما تمكنا معا من تشكيل صورة عربية متناسقة تؤكد للعالم أجمع أن العرب أصحاب حضارة من أمهات الحضارات، و ليسوا أعرابا رعاة جمال و إرهابيين !!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السيسي يحذر من خطورة عمليات إسرائيل في رفح| #مراسلو_سكاي


.. حزب الله يسقط أكبر وأغلى مسيرة إسرائيلية جنوبي لبنان




.. أمير الكويت يعيّن وليا للعهد


.. وزير الدفاع التركي: لن نسحب قواتنا من شمال سوريا إلا بعد ضما




.. كيف ستتعامل حماس مع المقترح الذي أعلن عنه بايدن في خطابه؟